هل نتائج أستانا 17 مصيرية؟

2021.12.20 | 05:12 دمشق

astant15.jpg
+A
حجم الخط
-A

تدور عجلة اجتماعات أستانا الثنائية والثلاثية الرسمية منها والتقنية مجددا حول سوريا، وتجتمع الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، بمشاركة شكلية من قبل وفدي النظام والمعارضة، ومشاركة من المبعوث الأممي غير بيدرسن والدول المراقبة، في ظل عدم تقديم المسار أي نتائج تذكر، حتى إن اللجنة الدستورية المنبثقة عن المسار أثبتت فشلا ذريعا بسبب مواقف الدول الداعمة للنظام وروسيا وإيران، ولم تحقق اللجنة أي تقدم ولو كان طفيفا بخطوة واحدة في طريق الحل السياسي للأزمة المستعصية في البلاد منذ أكثر من 10 أعوام، وهو ما يدفع للتساؤل هل بالفعل فشل الجولة الجديدة التي بلغ رقمها 17 في تقديم أي نتائج ملموسة وتحقيقها تقدما على الصعيد الميداني والسياسي، سيؤدي إلى توقف هذا المسار وسحب الدعم الدولي لها والمتمثل بمشاركة الأمم المتحدة.

الجولة الجديدة كما جرت العادة ستكون أجندتها الأوضاع الميدانية، واللجنة الدستورية وأعمالها ومحاولة الدفع باتجاه استكمال الآليات والمنهجيات الناظمة لعملها، من أجل تقديم آليات إنجاز غيابها أعاق التوصل إلى نقاط توافق بين النظام والمعارضة في الجولة الأخيرة رغم تبادل تقديم الأوراق، ويبدو واضحا أن مسائل شرق الفرات حاضرة بقوة في هذه الجولة، في ظل تسريبات روسية عبر الإعلام بوجود لقاءات بين تركيا والنظام لتفعيل اتفاق أضنة في المناطق الحدودية، وفي الوقت الذي لم يعلن فيه عن تأكيد أو نفي هذه الأنباء، إلا أن التركيز والترتيبات الحالية بين تركيا وروسيا وبشكل خفي بالتنسيق مع أميركا، تشير إلى أن الأنظار بين هذه الدول تركز حاليا على شرق الفرات في ظل تثبيت الأوضاع الحالية في منطقة إدلب وفق مؤشرات عديدة حصلت بالأشهر السابقة.

روسيا على ما يبدو تولت مهمة ترتيب الأوضاع في المنطقة، وكان واضحا أنها تسعى لبسط سيطرة النظام في المنطقة على حساب قوات قسد

لقد كانت القمة الثنائية بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في أيلول/سبتمبر الماضي، واضحة ولافتة في التوافق على مجموعة من القضايا بعيدة الأمد مرتبطة بالملف السوري، وخاصة لجهة وضع خطوات وخارطة طريق للحل الميداني والسياسي، وتبع ذلك تركيز على مناطق شرق الفرات وتهديدات عسكرية تركية تشي بعمل عسكري، ما فتح المجال والمساحة أمام روسيا لترتيب التوافقات في المنطقة، وبشكل طبيعي مستفيدة من أجواء التصعيد التركية، وفي ظل اللقاءات التركية الأميركية من جهة، والتركية الروسية من جهة ثانية، والأميركية الروسية من جهة ثالثة، فإن روسيا على ما يبدو تولت مهمة ترتيب الأوضاع في المنطقة، وكان واضحا أنها تسعى لبسط سيطرة النظام في المنطقة على حساب قوات قسد، في ظل رضا تركي على اعتبار أنه يمكن إخضاع النظام لأي توافقات تجري بين تركيا وروسيا، ولكن تعنت ما تعرف بقوات قسد الإرهابية في التعاطي مع الجهود الروسية، يدفع من دون شك الروس ربما للسماح ببعض التحركات لقوى الجيش الوطني وتركيا لاستغلال ذلك في مواصلة الضغط على تلك القوات، والحديث عن ترتيبات تجري بين النظام وتركيا وفق اتفاق أضنة الذي يتيح لتركيا التقدم عسكريا لمسافة محددة لضمان أمن حدودها.

التطورات التي حصلت في الفترة الماضية تشير إلى أن ثمة توافقات حصلت بين روسيا وأميركا يجري تطبيقها بشكل أو بآخر، وإجبار أميركا قسد للحوار مع روسيا والنظام مؤشر آخر على ذلك عندما تتحدث عن أن مناطق العمليات العسكرية التركية التي تهدد بها هي في مناطق تقع ضمن النفوذ الروسي وهو ما يتطلب حوارا مع روسيا وبالتالي مع النظام، وإن صحت الأنباء عن حوارات لترتيب المناطق الحدودية وفق اتفاقية أضنة، فإن ذلك يشير إلى أن توافقات شرق الفرات هي التي تحتل أي حوارات تجري حاليا ومستقبلا بين الدول المعنية، وربما تمتد إلى اجتماعات أستانا في الجولة الجديدة، وهذه الترتيبات بشكل أكيد ستضع منطقة إدلب أيضا ومستقبلها أمام طاولة الحوار، فإما اتفاقات شاملة لمنطقة شرق الفرات تشمل ترتيبات منطقة تل رفعت ومحيط منبج ومحيط منطقة درع الفرات من جهة الشرق، وأطراف منطقة نبع السلام، وفتح الطريق الدولية أمام حركة التجارة، أو اتفاقات جزئية محدودة تتقدم ببطء، ولكن الواضح أن ملفات دولية عديدة باتت تهم الدول المعنية حول العالم، منها التطورات الاقتصادية الدولية، ومواجهات محتملة بين الناتو وروسيا على الساحة الأوكرانية، والاستراتيجيات الأميركية الجديدة، والأوضاع الداخلية التركية، كل هذه الترتيبات توضع في الحسبان.

وإذا ما عدنا إلى القمة الثنائية بين أردوغان وبوتين، والتي خلت من أي وفود من البلدين، ولاحقا حصول قمة افتراضية بين بوتين والرئيس الأميركي جو بادين جرى التطرق فيها لسوريا أيضا، والتوافقات في مجال توصيل المساعدات، كلها تصب في إطار تقاربات للتوصل إلى توافقات تؤدي إلى ترسيم مناطق النفوذ والسيطرة، وصولا ربما إلى فرض وقف إطلاق نار شامل في عموم البلاد، تمهيدا لانطلاق العملية السياسية.

لكن في الطريق للوصول إلى هذه التوافقات لا بد لروسيا من تقديم بعض الخطوات الميدانية والسياسية، ومنها وقف الانتهاكات وإجراء بعض التقدم فيما يتعلق بملف اللجنة الدستورية، وربما الحراك الذي قاده المبعوث الأممي بيدرسن مؤخرا وزيارته دمشق والحديث عن فرص ما زالت قائمة للحل السياسي تأتي في إطار استكمال الترتيبات الميدانية، من أجل الانتقال للعملية السياسية، ولهذا من المنتظر أن تكون هناك نتائج ملموسة بالفعل من الجولة الجديدة لأستانا وخاصة على صعيد اللجنة الدستورية ربما عبر استكمال المنهجية وتحديد موعد مبدئي للجولة السابعة الجديدة العام المقبل، في مسار مواز للتوافقات الميدانية التي ستجري في المنطقة، سواء وفق ما سيتم بجولة أستانا أو في اللقاءات اللاحقة بين الدول المعنية.

ومن المؤكد أن عدم خروج الجولة بأي نتائج ملموسة تتبعها في الفترة المقبلة، ستترك انعكاسات سلبية من ناحية المواقف الدولية، رغم أن أميركا والدول الغربية لم تعد منذ فترة طويلة تشارك في هذا المسار بأي صفة كانت، ولكن مشاركة المبعوث الأممي بها تدل على موافقة الدول هذه للمضي قدما بإعطاء نوع من الغطاء الشرعي للمسار، والحديث عن اللجنة الدستورية واجتماعاتها في جنيف، وبالتالي فإن أي نتائج لن تكون ملموسة واضحة ستنعكس سلبا ربما في الفترة المقبلة وتشير إلى علامات استفهام عديدة عن مستقبل المسار، فإما أن تكون هناك تطورات ميدانية وسياسية، أو أن المسار سيتوقف لفترة لن تكون قصيرة.

أي إنجاز حقيقي بالفعل لن يترك إلى دبلوماسيين رفيعي المستوى لإقرارها والكشف عنها، بل ستكون بالتأكيد من نصيب الزعماء والوزراء

وفي الختام لا تبدو أن هناك مؤشرات حقيقية على حصول نتائج في هذه الجولة، وربما سيتم التأكيد كما كل مرة على وحدة تراب سوريا ومكافحة الإرهاب والتأكيد على التهدئة الميدانية، وإدانة الحركات الانفصالية، وإدانة استثمار النفط خارج إطار الدولة والكلام نفسه المكرر، والإشادة بتبادل عدد محدود من الأسرى، وعدم الخروج بنتائج في هذه الجولة من أستانا لا يعني بالضرورة عدم وجود حراك دولي يتعلق بالملف السوري، وربما التطورات والترتيبات التي تم الحديث عنها خلال الأشهر السابقة والحراك واللقاءات والمتغيرات الدولية بحاجة إلى ترتيبات وفترة زمنية لتظهر ميدانيا، وهي بالتأكيد لن تحتاج إلى اجتماعات أستانا ليتم الكشف عنها، لأن أي إنجاز حقيقي بالفعل لن يترك إلى دبلوماسيين رفيعي المستوى لإقرارها والكشف عنها، بل ستكون بالتأكيد من نصيب الزعماء والوزراء للحديث عنها، وهو ما يعني أن اجتماعات أستانا لن تكون المقياس والحكم للحديث عن تقدم ملموس أو ملحوظ أو خرق في الاتفاقيات أو أن اجتماعاتها مصيرية ومفصلية، فالقرارات المهمة لن تصدر سوى عن الزعماء والوزراء.