هل من جديد بعد إعادة تأكيد واشنطن لبقائها في سوريا؟

2021.12.03 | 04:55 دمشق

1037670905_128_0_3925_2848_1920x0_80_0_0_2dc43d42c0e0d8c5945e53395406c2d7.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعادت واشنطن تأكيدها للبقاء في سوريا، محددة ثلاثة أسباب مترابطة ومحددة المعالم والتوجهات، وذلك عبر اجتماع المبعوث الأميركي إلى سوريا "إثبان غولدريتش" مع الائتلاف الوطني السوري المعارض والحكومة السورية المؤقتة، وممثلين عن هيئة التفاوض والدفاع المدني السوري في إسطنبول، مشددة على موقف واشنطن الرافض "للتطبيع مع النظام السوري" وفقاً لتغريدة السفارة الأميركية في دمشق، مدعية التزامها بوقف الانتهاكات ضد المدنيين، ودعم الولايات المتحدة لجهود مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا "غير بيدرسن" لدفع حل سياسي للصراع السوري، وتطبيق القرار الأممي 2254، موضحة هدفها الأول: بزيادة المساعدات الدولية إلى سوريا لتخفيف معاناة المدنيين، والهدف الثاني: لمواجهة داعش، ومنعه من إعادة هيكلته من جديد أما الهدف الثالث: حُدد بوقف إطلاق النار لكل سوريا وإنعاش المسار السياسي. من حيث المبدأ فإن الهدفين الأول والثاني تكرر كثيراً، في حين بدأ هدف منع تمدد إيران، الذي كان يتكرر سابقاً، يتراجع مقابل صعود الحديث حول الوضع الإنساني والمعيشي، ومن حيث المضمون فإن هذه الأهداف الثلاثة لا تزال دون الفاعلية الميدانية الضامنة لعملية التطبيق والانتقال المطلوب لها. فالخطة والاستراتيجية الأميركية سياسياً وتطبيقها ميدانياً بعيداً عن الضبط الأمني والعسكري لقواعد الاشتباك وخطوط التماس بين مختلف الجهات المحلية الفاعلة، لم تتغير ولم يأتِ الاجتماع الأخير بجديد. 

 فمن حيث الدعم الإنساني والمعيشي، تعيش مناطق شمال وشرق سوريا، المعروفة بمناطق النفوذ الأميركي، أزمات معيشية متتالية ومركبة سواء بسبب سوء الإدارة والتخطيط والفساد، أو بسبب استمرار إغلاق معبر تل كوجر/اليعربية، بضغط روسي، وعدم استفادة المنطقة من المساعدات الإنسانية، وتهدف موسكو من وراء ذلك سحب ورقة تحكم واشنطن بالمستويات الأمنية والعسكرية في تلك المنطقة عبر قسد، وتوجيه الأخيرة صوب دمشق وتقديم تنازلات لقاء المساعدات.

كما لم يُحدد ما إذا كانت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري مشمولة بالدعم الإغاثي أم لا، ودون تحديد أي خطة أو آلية لذلك الدعم، والمعروف أنها تعيش كارثة بشرية مقارنة بباقي مناطق سوريا، وتركهم فريسة للنهش والتجويع لم تُحرك فيهم إمكانية المقاومة، وحتّى قانون قيصر متأرجح بين تجديد طرحه واللاتطبيقه لم يأت بأيّ فاعلية إيجابية لصالح القواعد الاجتماعية. 

وربطاً بين قضية الدعم الإنساني والإغاثي الدولي الرسمي، سواء للشمال السوري أو باقي المناطق مع الهدف الأميركي المعلن، فإنها تخضع للمزاج السياسي الروسي، التي سبق أن غير مجلس الأمن من طبيعة موافقته على تفويض لعمليات إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا للمرة الأولى في 2014، من أربع معابر وتقلصت إلى معبر واحد مع تركيا وتسيطر عليه المعارضة السورية، تقليصٌ جاء بدفعٍ روسي – صيني لمنع تجديد التفويض للمعابر الأربعة، "السلام، الرمثة، اليعربية" والاكتفاء بمعبر باب الهوى فقط، وحمل التأكيد الروسي على لا فعالية للمساعدات، والتي وصفتها بــ"عفا عليها الزمن وتنتهك سيادة سوريا وسلامة أراضيها"، في مضمونه وشكله انتقاد لأميركا بسبب العقوبات على نظام الأسد، ومع اقتراب انتهاء مدّة الستّة أشهر المخصصة لإدخال المساعدات التي وقعت في تموز من العام الحالي، والتي تتطلب تصويتاً جديداً في مجلس الأمن للتمديد ستة أشهر أخرى، وفقاً لما أصر عليه السفير الروسي لدى الأمم المتحدة "فاسيلي نيبينزيا" إذا لم تلجأ الأمم المتحدة لرفع تقرير ترضى روسيا عنه حول تقديم عمليات إيصال المساعدات عبر الخطوط الأمامية داخل سوريا، وحول شفافية عمليات إيصال المساعدات عبر الحدود، ما يعني أن روسيا رُبما تلجأ إلى منع تمديد التفويض في الشهر المقبل، أو الدخول في مقاربات سياسة جديدة. كما جاء هدف محاربة ومواجهة داعش مكرراً مستهلكاً دون وجود خطة متكاملة الأوصاف والتطبيقات بدءاً من الجانب الذهني والثقافي وصولاً إلى إزالة المستويات المحركة لانضمام أبناء المجتمعات المحلية إلى ذلك التنظيم، أما وقف إطلاق النار، فهي الأخرى بحاجة إلى إعادة توليف سياسي دبلوماسي علاقاتي بهدف تثبيط مستويات التهديد الأمني على السوريين وسوريا.

اجتماعات الإدارة الأميركية مع المعارضة السورية، المجلس الكردي، الإدارة الذاتية، قسد، مسد، مجالس العشائر.. إلخ تزداد باضطراد، بموازاة زيادة الصعوبات المعيشية والحياتية في عموم سوريا

كما عقد اجتماع آخر في إسطنبول في 18/11/2021 بين وفد الخارجية الأميركية برئاسة مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي، مع وفد من ممثلي المجلس الوطني الكردي في الائتلاف الوطني في سوريا، وهذا الاجتماع هو الآخر حمل من حيث المبدأ تكرار الإدارة الأميركية سياساتها وأهدافها في سوريا، والتركيز على شرق الفرات، ومستويات التهديد الأمني والمعيشي، ومن ذلك تفهم ثلاث رسائل أخرى: الأولى، منح بُعد سياسي خاص لتمثيل المجلس الكردي ضمن المعارضة، حيث لم يفصل بين الاجتماعين سوى بضع ساعات، والثانية: تُفهم من سياقات اجتماعات مختلف أعضاء الإدارة الأميركية الحالية، وفقاً لنُخب سياسية كردية، إنها تؤكد على ما بدأته سابقاً من إعادة تفعيل الحوار الكردي –الكردي، لكنني أعتقد أن الأولوية الخجولة تتجه صوب "محاولة تصحيح مسار" التنمية الاقتصادية والأزمة الإنسانية ولو ببطء كبير، أكثر من الحوار المنشود، والثالثة هي الأسوأ: لم تقدم أيَّ خطة أو مشروع لتنفيذ أجندتها، والتي تخلو من أيّ مشروع سياسي مستدام ومترابط، فهي لا تستطيع فتح معبر تل كوجر بسبب الوجود الروسي، ولم تضغط بالشكل المتعارف عليه لإيصال الحوار الكردي إلى برّ الأمان، ولم تلتفت بعد إلى الأزمات ومستويات التهديد المعيشية والإنسانية والتعليمية التي تعانيها المجتمعات والمكونات الخاضعة لسيطرتها، ويبدو أنها "غير مستاءة" من تصرف الجارة تركيا في قضية سد الفرات، ولم تقدم أيَّ رؤية أو رأيّ حول المناهج التدريسية للإدارة الذاتية التي تسببت بتشنجات مجتمعية، كما لم تقدم مشروعا تنمويا مستداما في مدن ومناطق محافظة الحسكة، أو إعادة تأهيل البنية التحتية، ومشاريع خدمية، وغيرها، وانحصر همها في ثلاث مواجهات: مواجهة داعش عسكرياً، مواجهة كوفيد 19 عبر منح مبالغ مالية ومعدات طبية لقسد والإدارة الذاتية، ومواجهة ناعمة وخفيفة لرغبة روسيا وإيران في التوسع في شمالي سوريا، ليجد السوريون أن الدعم الإنساني حلَّ مكان مواجهة إيران، وتمكنت روسيا من حصار الدعم الإنساني. وعلى العكس من ذلك ركزت الإدارة الأميركية الحالية كحال مشاريعها السابقة على مزيد من الضخ المالي الكبير في الرقة ودير الزور. 

قصارى القول: اجتماعات الإدارة الأميركية مع المعارضة السورية، والمجلس الكردي، والإدارة الذاتية، قسد، مسد، ومجالس العشائر.. إلخ تزداد باضطراد، بموازاة الصعوبات المعيشية والحياتية في عموم سوريا، دون تقديم حل أو مخرج، مقابل الحاجة إلى حلول جذرية على كل الصعد وجميعها دون استثناء، فالقواعد الاجتماعية تترقب الفرصة للهجرة وترك البلد، والأمراض والفقر والحاجة تفتك بالمنطقة، والفساد ينخر بالإدارة الذاتية صاحبة اليد الوحيدة المسيطرة على الأقنوم الاقتصادي في المنطقة، والمجلس الكردي بحاجة إلى قراءة نقدية هادئة، ومزيد من الاجتماعات لن ينفع ما لم يقابله كثير كثير من العمل والمشاريع على مختلف تسمياتها وحقولها.