هل من تغييرٍ متدرجٍ لسلوك نظام الأسد؟

2021.10.06 | 06:00 دمشق

alkarykatyr_alashr_lshhr_aylwl_2021.jpg
+A
حجم الخط
-A

شاعت في الأيام الأخيرة، وثيقة "سرية" عنوانها أن تغييراً متدرجاً لسلوك نظام الأسد، يجري العمل عليه. وأن أوّل اختبارٍ لذلك التغيير سيكون عبر استجابة النظام لمبادرات الملك الأردني، الخاصة بإمداد لبنان بالغاز والكهرباء، أو بمحاولة إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية. هنا يقفز السؤال الطبيعي، لماذا الكلام عن التدرج بتغيير السلوك؟ هلْ الأنظمة العربية أفضل حالاً منه، لو تعرضت لثورة شعبية، كادت أن تطيح به لأكثر من مرّة؟ طبعاً لا.

تفترض مسألة تغيير السلوك أنّه بطور إعطائه الحقوق للسوريين، والتي رفض المساومة بشأنها منذ 2011، وأَدخل إيران وروسيا لرفض ذلك التغيير. منذ أن بدأت تحركات الملك الأردني، والاتفاقات حول الغاز والكهرباء لم يحدث أيّ تغييرٍ في سلوكه. وكذلك لم يصدر عنه أيّ جديدٍ بعد استدعاء بشار الأسد إلى موسكو، ولم تجبره مجمل التحركات الدبلوماسية في المنطقة على إحداث جديدٍ بخصوص حقوق السوريين. إذاً قضية تغيير السلوك ليس مقصود بها تلبية حقوق السوريين بل تغيير مواقف الدول المحيطة بسوريا أو العالمية إزاءه، وبالتالي تكمن خطة الأردن في أن تغير الدول موقفها من النظام وأن يتعاون هو معها، فيغيّر من سلوكه، وليس أن يغير النظام موقفه من الشعب السوري.

المتابع للشأن السوري يرى أن المتحكم الحقيقي فيه هي الدول الإقليمية وروسيا وأميركا. ولقد جاء تحرك الملك الأردني إلى واشنطن وموسكو، وكذلك تحركات الدبلوماسيين الإسرائيليين، وزيارة أردوغان مؤخراً إلى موسكو، واللقاء الطويل مع بوتين، ليوضح بشكلٍ حاسمٍ أنه لا معنى للحديث عن تغييرٍ متدرجٍ لسلوك النظام. أيضاً جدّدت أميركا رفضها للاعتراف به، وأنها وأوروبا لن تتخليا عن العقوبات والعزلة وقانون قيصر، ولن تسمحا بإعادة الإعمار، والأخيرة غير ممكنة دون أن تسمح أميركا بها، وهي بكل الأحوال مشروطة بالبدء بتطبيق القرار 2254.

الموافقة الأميركية تقضي بضرورة فك تحالف روسيا وإيران وطرد ميليشيات الأخيرة من سوريا. وكذلك إجبار النظام على البدء بتطبيق القرار 2254

المواقف الجديدة التي جرت في منطقتنا إزاء نظام الأسد لا تسمح بتعويمه، وكذلك ليس من قيمة حقيقية لما أجراه من لقاءات دبلوماسية وزير الخارجية، فيصل المقداد على هامش اجتماع هيئة الأمم المتحدة، وحتى تخفيف بعض العقوبات "الإنعاش المبكر" على النظام لا يشي بتلك العودة. هي، وللدقة خطواتٌ أوّليّة تسمح بها أميركا، لتعزيز شراكتها مع موسكو، ولتعطي للأخيرة أسباباً جديدة للتفكير بكيفية إشرافها على سوريا، وبموافقةٍ أميركية.

المواقفة الأميركية تقضي بضرورة فك تحالف روسيا وإيران وطرد ميليشيات الأخيرة من سوريا. وكذلك إجبار النظام على البدء بتطبيق القرار 2254، وإبداء الأخير خطواتٍ سياسية جادة كالإفراج عن المعتقلين أو إيقاف نهائي لإطلاق النار أو السماح بحدود أوّليّة من الحريات السياسية. النظام الذي انتهج الخيار الأمني والعسكري منذ 2011، ومارس كل أنواع الجرائم ضد شعبه، وأوصل البلاد إلى أزمة اقتصادية واجتماعية شديدة لا يستطيع البدء بأيّة خطوةٍ، ولهذا تتشدّد أميركا ضدّه في الوقت الذي تسمح ببعض الخطوات الأوّلية لتوسيع هامش حركته، ولكنها بذلك تضع أوراقاً جديدة أمام الروس ليتقدموا بحلٍّ سياسيٍّ، وليس أكثر.

لم يلتق بايدن أردوغان في اجتماع هيئة الأمم المتحدة، والتقى الأخير بوتين، وهو بموقفٍ ضعيف. اللقاء بين زعيمي تركيا وروسيا كان طويلاً. استطالته تعني أن هناك قضايا كثيرة في جعبة الرجلين، ومنها سوريا، ولا بد من تعزيز الشراكة بين البلدين، ولكن تصريحات الجانبين بعد اللقاء لا تشي بمناقشة الحل النهائي للوضع السوري، ولكنها كذلك تضع تفاهمات دقيقة حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وحصة تركيا في سوريا، وضمن ما تسمح به روسيا، وهذا لا يقلّل من أن تركيا تظلّ فاعلاً إقليمياً أساسياً في الشأن السوري.

إذاً، اللقاءات التي قد تحدث بين رئيس الاستخبارات التركية والسورية لا تعني تطبيعاً بين البلدين، وأغلب الظن هي لتدارس وتوحيد الرؤية ضد قسد ومسد والقضية الكردية، وأما الموقف من الفصائل السورية التابعة لتركيا، ومصير المناطق التي تسيطر عليها تركيا، فهي قضية جرى ويجري بحثها بين الدبلوماسيين الروس والأتراك.

قبل الوثيقة التي اعتبرت سريةً، هناك موقف أميركي قديم، يؤكد أن أميركا لا تسعى لتغيير النظام بل سلوكه فقط، والموقف الروسي قام على رفض تغييره وتغيير سلوكه. مشكلة الروس أنهم رفضوا الموقف الأميركي، وأدخلوا أنفسهم بأزمة معقدة في سوريا، لم يتخلصوا منها بعد ست سنوات من احتلال هذا البلد. روسيا ما تزال على موقفها، وتتوهم أن سياسة أميركا "الخطوة خطوة" قد تنتهي بتعويم النظام، بينما سياسة الأخيرة تستهدف وبوضوحٍ شديد أن تتقدم روسيا بمقترحٍ للحلٍ، أو بصفقةٍ ما، إلخ.

إذاً لا جديد في الوضع السوري. هذا الوضع الذي تتقاسم النفوذ وترسم مناطق سيطرتها عليه كلٌّ من أميركا وتركيا وإيران وروسيا، وبالطبع إسرائيل. المشروع الأردني، لن يحدث تغييراً كبيراً، وحتى لو أُعيد النظام إلى الجامعة العربية لن يتغير شيء في سلوكه. النظام يعي ضعفه الشديد، ويتحرك دولياً وإقليمياً بدفعٍ إيراني وروسي وبخنوعٍ شديد لهما. لن يجدي هذا الدفع كثيراً، ودونه صعوبات كثيرة؛ فإيران ليست مقبولة إقليمياً ودولياً، وهذا عكس ما يقال إنها أصبحت موكلة أميركيا، ومتقاربة مع إسرائيل على بسط السيطرة على العرب "عقلية المؤامرة هنا ظاهرة".

ليست إيران وروسيا غير راغبتين فقط في الوقت الراهن بتغيير سلوك النظام والانفتاح على إعطاء الشعب السوري حقوقه، بل إن النظام نفسه غير قابلٍ لأيِّ شكل من أشكال التغيير

ليست إيران الوحيدةَ التي تتحكم بالمنطقة وسوريا بالتحديد بل وحتى روسيا الطامحة إلى اتفاقٍ مع أميركا وفقاً لشروطها. إن إيران تظّل على قائمة الدول المنبوذة من أميركا، وأما روسيا فهي تستفيد من الاستراتيجية الأميركية في تقريبها إليها ضمن خطة عزل الصين، ولكن ذلك لا يعني أبداً الموافقة على استراتيجية روسيا في إعادة إنتاج نظام الأسد. الأخير لا يشبه النظام المصري أو التونسي، لا أبداً، إن أميركا ومعها أوروبا لا تستطيعان تعويم هذا النظام بسبب تجاوزه كافة الخطوط التي تسمح بتعويمه من جديد.

ليس إيران وروسيا غير راغبتين فقط في الوقت الراهن بتغيير سلوك النظام والانفتاح على إعطاء الشعب السوري حقوقه، بل إن النظام نفسه غير قابلٍ لأيِّ شكل من أشكال التغيير؛ فخياره الأمني، وفساد مؤسساته، وأزماته المتعدة الأوجه، وهناك الصراعات الخفيّة بين كبار شخصياته، والتي تطمح كل منها للسلطة، وهناك القضايا التي تلاحقه، وتتعلق بالأسلحة الكيماوية وجرائم الحرب وقضايا حقوق الإنسان وسواها كثير.

ليس من تغييرٍ في الوضع السوري، والترحيب الأميركي بالجلسة الجديدة للجنة الدستورية، يأتي في إطار استراتيجيتها الموجهة نحو روسيا "خطوة مقابل خطوة" وبانتظار أن تتقدم الأخيرة بصفقةٍ حقيقية، تضمن شروط كافة الدول المتدخلة في الشأن السوري، وتطرد إيران.