هل من بديل للائتلاف السوري المعارض؟

2020.12.07 | 23:00 دمشق

1757983717-crop.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثار قرار الائتلاف السوري المعارض تشكيل "مفوضية وطنية للانتخابات" موجة غضب واسعة لدى قطاعات واسعة من الناشطين والمعارضين السوريين، نددت بالقرار وبالائتلاف ونهجه وبكل ما قام به منذ تشكيله في نهاية عام 2012. وبالرغم من تراجع الائتلاف عن القرار فإن الموجة الغاضبة والمنددة لم تتوقف، بل ترافقت مع دعوات إلى حله وإيجاد بديل عنه. إضافة إلى تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية في بعض مناطق شمالي سوريا، تنادي بسحب شرعية تمثيل الائتلاف لقوى الثورة.

وعُقدت لقاءات عن بعد بين سياسيين وناشطين وممثلين عن كيانات سياسية ومدنية من أجل التنديد بما قام به الائتلاف والبحث عن ممكنات تشكيل بديل عنه، وصدرت بيانات غاضبة ومنددة، وتطالب بالتحضير لمؤتمر وطني عام من أجل إسقاط الائتلاف بشكل كامل وإنتاج جسم سياسي جديد، وبسحب ما كان يدّعيه من تمثيل للشعب السوري، بعدما فرّطت سياساته ومواقفه بما كان يحظى به من اعتراف دولي، وذلك بسبب عجزه عن تمثيل الثورة على المستوى الدولي، وعجزه عن إنتاج عمل ثوري على المستوى الوطني، فضلاً عن أن جلّ اهتمامه كان منصباً على منع تشكيل أي بديل سياسي عنه.

غير أن أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق، تطاول ممكنات عقد مؤتمر وطني، وكيفيات وسبل تشكيل جسم سياسي جديد، يفترق عن الائتلاف من حيث التمثيل والمسار والقرار المستقل، ويمكنه أن يشكل مظلة سياسية للسوريين، والإسهام في خلاصهم من استبداد نظام الأسد، ومن الوضع الكارثي الذي أصاب سوريا وغالبية السوريين، والتشظي الذي اعترى الهوية السورية، والانقسامات التي ضربت المجتمع السوري خلال السنوات الماضية، وأفضت إلى تشكل كيانات سياسية على أسس قومية ومناطقية ودينية ومذهبية.

مسعى بعض الدول العربية يفترق تماماً عن مسعى سوريين من أجل تشكيل جسم سياسي جديد

ولعل المفارق في الأمر هو أن دولاً عربية، ممثلة بالسعودية والإمارات ومصر، بدأت تسعى أيضاً إلى تشكيل جسم سياسي جديد للمعارضة السورية يقطع مع الائتلاف وتوجهاته، وذلك في إطار سعيها إلى إعادة هيكلة تشكيلات المعارضة السورية بما يتوافق مع مصالحها وتوجهاتها، ومن أجل توظيفها في صراعها الإقليمي مع تركيا وقطر، أي أنها تريد نقل تبعية ورعاية المعارضة السورية، من خلال الجسم السياسي الجديد، إليها وبعيداً عن التأثير التركي. إضافة إلى أنها تريد ضمان دخول المعارضة السورية في تسوية تعيد تأهيل نظام الأسد تحت يافطة "وحدة سوريا وسلامة أراضيها"، و"صون عروبة سوريا ومقدرات الشعب السوري الشقيق"، وإعادته إلى الحضن العربي.

غير أن مسعى بعض الدول العربية يفترق تماماً عن مسعى سوريين من أجل تشكيل جسم سياسي جديد، يكون صاحب قراره الوطني المستقل قبل كل شيء، وليس تابعاً لأي دولة عربية أو أجنبية، ولا يوظف في اصطفافات وصراعات وأجندات الآخرين. ولا شك في أن كلاً من الرياض وأبو ظبي والقاهرة تعوّل على شخصيات منصتي موسكو والقاهرة مستعدة للانخراط في توجهاتها وأجنداتها، لكن أي جسم سياسي ينبثق برعايتها لن يلقى أي دعم من المعارضين السوريين ومن الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، وقد سبق لها أن تدخلت في تشكيل الائتلاف السوري المعارض وفي تشكيل الهيئة العليا للتفاوض وسواهما، ولم ينتج عن ذلك سوى مزيد من تدهور القضية السورية وتشظّيها.

وأظهرت تجارب كيانات المعارضة السورية، أن المشكلة الأساس هي في التعويل على  قوى الخارج، وليس على الداخل، لأن ذلك استتبع ارتهانات وتدخلات في شؤون كياناتها السياسية والعسكرية، وفرض إملاءات على مواقفها وتوجهاتها، مما أفقدها قرارها السوري المستقل، وبالتالي، فإنه إذا كان للقوى الخارجية المتدخلة في الشأن السوري دور في إطالة أمد القضية السورية وتفاقم الكارثة التي ألمّت بهم بسبب حرب النظام الأسدي، فإن المسؤولية الأكبر تقع على قيادات المعارضة السورية، التي لم تستثمر الفرص التي أتيحت أمامها للعمل على تحقيق مطامح السوريين، ولم تعمل على تجيير علاقاتها الإقليمية والدولية لصالح القضية السورية، وليس لصالح استثماراتها الشخصية والحزبية، لذلك لم تتمكن من بناء مؤسسة قوية تشكل مظلة للسوريين الطامحين إلى الحرية والخلاص من نظام الاستبداد الأسدي.

اللافت هو أن بين من انضم إلى الموجة الغاضبة ضد الائتلاف، وحاول تصدرها، هم شخصيات كانت في الائتلاف سابقاً

ومن الطبيعي أن يطرح سوريون كثر، في أيامنا هذه، سؤالاً طرحه آخرون كثر من قبلهم، حين تلمّ بهم كارثة وطنية كبرى، ويتجسد في سؤال: ما العمل؟ ومن أجل البحث عن إجابة له راحوا يعقدون جلسات ونقاشات للبحث في كيفية تشكيل بنية سياسية مؤسسية، جديدة وقوية، تضع رؤية مشتركة، من أجل اتخاذ موقف راسخ ووازن في معادلة الصراع على سوريا وفيها، وعلى مسارات التفاوض بشأن مستقبلها، وتعمل على توحيد جهود السوريين في الداخل وفي بلدان الشتات، بغية تحقيق أهداف وطموحات الثورة السورية عبر إقامة دولة ديمقراطية، متعددة القوميات والأعراق والأديان والمذاهب، تنهض على مبادئ المواطنة والتعددية والعدالة.

واللافت هو أن بين من انضم إلى الموجة الغاضبة ضد الائتلاف، وحاول تصدرها، هم شخصيات كانت في الائتلاف سابقاً، وأمضت سنوات عديدة فيه دون أن تفعل شيئاً مغايراً لخط الائتلاف ونهجه، وبالتالي هل هي قادرة، بالفعل، على الإسهام في تشكيل جسم سياسي جديد ذي بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، ويمتلك رؤية استراتيجية مشتركة لجميع القوى الطامحة للتغيير في سوريا، ويمكنه ترتيب العلاقات مع القوى العربية والدولية من دون الخضوع للإملاءات الإقليمية والدولية؟

وتقتضي ضرورة التأسيس اتخاذ منهج عقلاني لها، بما يعني توفر فرص النجاح وفق الشروط الذاتية والموضوعية للواقع السوري، التي تفترض الابتعاد عن الكيانات السياسية الواهية والشخصيات المتقادمة التي تحاول تبرئة الذات وإلقاء اللوم على الآخرين، وترفض الإقرار بتقادم وعجز بنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية، فضلاً عن ممارستها العملية المعيقة للعمل المؤسساتي، لذلك فإن البحث عن مخرج سوري هو برسم قوى السوريين الحيّة، وخاصة الشباب السوري، الذي ثار على أعتى نظام ديكتاتوري في الشرق الأوسط في العصر الحديث، والتعويل عليه في إيجاد البديل المناسب لفعله السياسي، بوصفه السبيل الأنجع لوقف التدهور والانكسارات، ولخلاص السوريين من محنتهم الكارثية، وخلق توافقات وطنية حول القضايا الأساسية المطروحة عليهم راهناً ومستقبلاً، التي تمس وطننا السوري وناسه، والعمل على تشكيل رأي عام حولها، بما يُمكّن من التأثير في الأحداث التي تعصف بسوريا والقضية السورية.