هل كانت المعارضة التركية سعيدة لتحسّن الليرة أمام الدولار؟

2021.12.25 | 05:10 دمشق

20190408100603afpp-afp_1fg7f0.h.jpg
+A
حجم الخط
-A

على عكس التيار الذي خيم على الجو العام في تركيا، لم تبد المعارضة التركية مرحبة أو مبتهجة باستعادة الليرة التركية نحو 33% من قيمتها أمام الدولار والعملات الأجنبية، منذ مساء الإثنين الماضي، عقب تصريحات للرئيس التركي أردوغان، والتي أعلن فيها عن تدابير جديدة تضمن الحفاظ على المدخرات بالعملة المحلية، مما بعث رسائل طمأنت المودعين والمستثمرين.

قبل تصريحات أردوغان كانت الليرة التركية تواصل هبوطها السريع حيث سجل سعر صرف الليرة مقابل الدولار 18.36، وخلال سويعات قليلة فوجئ الجميع بصعود قيمة الليرة لتصل إلى 12 مقابل الدولار.

شبّه البعض هذا الوضع وانعكاسه على وسائل الإعلام بخبر فشل محاولة الانقلاب منتصف 2016، فبينما احتفت العديد من وسائل الإعلام التركية بهذا التحسن، أصيبت أخرى بدهشة لم تتمكن من مقاومتها، كذلك الأمر بالنسبة للسياسيين المعارضين فقد خيم الصمت على معظمهم دون تعليق لوقت متأخر، على الرغم من أنهم كانوا قبل ساعات فقط يشنون هجومهم ضد الحكومة التركية بسبب تدهور قيمة الليرة.

لا شك أن دور المعارضة من حيث مفهومها يستوجب منها أن تشكك في قرارات السلطة وتسائلها وتعترض عليها، وإلا فلن تكون معارضة، إلا أن هذا الدور قد يأخذ بعدًا مغايرًا لطبيعة الهدف الحقيقي من "المعارضة" ألا وهو إصلاح وتحسين العمل السياسي ليصل بالبلاد إلى المستوى المنشود.

إضافة لذلك، فإن التركيز على المعارضة لأجل المعارضة فقط، قد يوقع أصحابها في تناقض غير منطقي أحيانًا، ولعل أبرز مثال حي على ذلك هو موقف زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، حيث أعلن رفضه للإجراءات التي أعلنها أردوغان بغض النظر عن النتائج الإيجابية التي حققتها حتى اللحظة على الأقل.

- حزب الشعب الجمهوري

يقول كليجدار أوغلو الذي اكتفى بالصمت حتى اليوم التالي، بأن الحكومة من خلال برنامجها الجديد جعلت الليرة التركية مرتهنة للدولار، ويقصد بذلك الآلية الجديدة التي أعلنها أردوغان وتتيح تحقيق الربح للمدخرات بالليرة التركية بقيمة الربح المحتملة نفسها لو كانت بالعملة الأجنبية.

لكن من الواضح أن كليجدار أوغلو وقع هنا في تناقض كبير، لأنه هو نفسه دائمًا ما يربط قيمة الأجور والسلع وغيرها بالدولار، وقد قلل من زيادة الحد الأدنى للأجور مؤخرًا واعتبره أقل قيمة من السابق بحساب الدولار، وبالطبع هو محق في ذلك، لكنه في الوقت ذاته ينتقد برنامج الحكومة الذي يبدد مخاوف المودعين بالليرة من أن تفقد ودائعهم قيمتها، فهل الدولار هناك يختلف عن الدولار الموجود هنا؟

- حزب الجيد

أما زعيمة حزب الجيد المعارض وحليفة الشعب الجمهوري، ميرال أكشنار، فقد وصفت هذه الخطوة بأنها تتناقض مع سياسة خفض الفائدة، بل هي تكريس لسياسة رفع الفائدة عبر دفع فرق سعر الصرف للمودعين من خزينة الدولة، وتوقعت أن يتجه الوضع نحو تضخم هائل غير مسبوق.

وكان من اللافت أن أكشنار سارت على غرار الطرح القائل بأن تحرك الحكومة التركية الذي يشجع على الإيداع بالليرة التركية وإن استعاد شيئًا من قيمة الليرة إلا أنه لا يختلف عن رفع سعر الفائدة، أو ما يوصف بـ"الزيادة المبطّنة للفائدة".

ومن اللافت أيضًا أن العديد من الساسة المعارضين في تركيا ركزوا على هذا الجانب بالذات، للبرهنة على أن الحكومة متخبطة في سياستها المالية، فهي وإن كانت تؤكد على سياسة خفض الفائدة إلا أنها في الوقت ذاته تتبع سياسة مغايرة من خلال تحمل خزينة الدولة دفع فرق سعر الصرف للمودعين حسب آجال محددة، ما يعني بصورة ما فائدة بنسبة مرتفعة.

- علي بابا جان

ولعله من المهم أن نستعرض أيضًا رأي علي بابا جان وزير الاقتصاد السابق والأبرز في حكومات العدالة والتنمية، قبل أن ينشق عنه ويؤسس حزبه الخاص "الديمقراطية والتقدم".

انتقد بابا جان بالطبع الإجراءات التي أعلنها أردوغان، ووصفها بأنها سياسة تصب في صالح الأثرياء على حساب تفقير الفقراء بشكل أكثر، لافتًا إلى أن الأموال التي ستُدفع للمودعين في حال تغير سعر الصرف ستذهب من الخزينة التي تعني "الضرائب التي يدفعها الشعب".

واقترح بابا جان تغيير اسم هذا البرنامج المالي الجديد الذي طرحه أردوغان، بأن يكون اسمه: “خطة إغراق الشعب في الديون حتى إلى الأجيال القادمة"، مستدركًا بأنه من الجيد نعم أن يكون سعر الصرف عند مستويات أقل، لكن "من المهم تسمية الأشياء بمسمياتها".

ولكونه إحدى الشخصيات البارزة مسبقًا في العدالة والتنمية والمؤسسة للحزب ذاته، والفاعلة في النقلة النوعية التي شهدها الاقتصاد التركي في العقد الأول من القرن الجاري، تحظى آراء وتعليقات بابا جان باهتمام ومتابعة من قبل الأوساط التركية حيال الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا، كما أن هناك معلومات تتحدث عن إمكانية تسلّمه حقيبة الاقتصاد في حال فازت المعارضة في الانتخابات المقبلة.

بابا جان في الوقت ذاته اعتبر أن حكومة الرئيس أردوغان بهذه الخطوة باتت تعترف صراحة بأن الليرة التركية لم تعد عنصر ثقة، وأن الحكومة تربط كل شيء بالدولار. وأن ما حصل هو ببساطة رفع لسعر الفائدة على عكس السياسة التي "يزعم أردوغان تطبيقها".

- أحزاب وشخصيات أخرى

يمكن القول إن المعارضة برمتها عارضت هذه الخطوة وانتقدتها وقللت من فاعليتها وحجم تأثيرها المفترض، بل اعتبرتها بداية أزمة أعمق وتضخم أكبر.

أحزاب مثل "الشعوب الديمقراطي" البرلماني المعارض، وحزب "السعادة" المحافظ، وحزب "المستقبل" بزعامة أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق ورفيق الدرب القديم للرئيس أردوغان، كلهم لم يرحبوا بالخطوة الحكومية وهاجموها.

وكان من الواضح أن العديد من أحزاب المعارضة لا سيما الشعب الجمهوري والجيد، جددوا دعوتهم لضرورة التوجه نحو انتخابات مبكرة، من أجل الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، متهمين الحكومة وعلى رأسها أردوغان بالفشل الذريع في إدارة هذه الأزمة.

على الجانب الآخر، لم يصدر تعليق واضح من حزب الحركة القومية وزعميه دولت باهجلي، الحليف للعدالة والتنمية وأردوغان، حيال الآلية الجديدة التي أعلنت الحكومة وانعكست بشكل إيجابي على سعر صرف الليرة التركية، لكن من المؤكد أن باهجلي يؤيد بقوة سياسات الحكومة سواء في خفض الفائدة أو الإجراءات الأخرى التي تطرحها من أجل معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية.

وكان باهجلي قبل أيام فقط صرح بأن الليرة التركية تتعرض لحصار غير مسبوق، ما يعني ضمنيًا تأييده للخطة الجديدة التي أعلنها أردوغان.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى ظاهرة الاستقطاب السياسي الحاد الذي يخيم على الشارع التركي بشكل غير مسبوق منذ الاستفتاء على النظام الرئاسي مطلع العام 2017، ومن الواضح أن هذه الظاهرة تقف عائقًا أمام أي محاولة جادة من قبل الحكومة في التصدي للأزمة الاقتصادية وغيرها من الأزمات، حيث تواجه معارضة صارمة لكل ما تقوم به حسنًا كان أو خطأً، يصب في مصلحة البلد أم لا، مما يدفع الحكومة لرفع مستوى التحدي، وتخوين المعارضة والتشكيك بوطنيتها، واتهامها بالوقوف في صف "أعداء تركيا" لهدف واحد فقط هو إسقاط أردوغان.

وفي المقابل تؤكد المعارضة على ضرورة التوجه إلى انتخابات مبكرة، لأن الأمور خرجت عن سيطرة الحكومة وأنها لم تعد قادرة على إدارة الأمور وحل الأزمات، بينما يصر الرئيس أردوغان وحليفه باهجلي على إجراء الانتخابات في موعدها دون تغيير.

لكن تبقى كلمة الفصل الأخيرة للشعب التركي لا محالة.