هل فرملت الولايات المتّحدة التطبيع العربي مع الأسد؟

2019.02.04 | 23:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في أواخر العام الماضي، بدا أن هناك حملة دبلوماسية لتطبيع عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية من خلال تسريع عدّة دول عربية لإجراءات إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظامه. بدأ الرئيس السوداني عُمر البشير الحفلة عندما زار دمشق في ذلك الشهر على متن طائرة روسية، تلاها زيارة لعلي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني لنظام الأسد، إلى مصر بناءً على دعوة من رئيس جهاز الاستخبارات المصري عبّاس كامل. 

وبموازاة ذلك، أعلنت أبو ظبي والمنامة عن إعادة فتح سفارتي بلادهما في دمشق، ثم تبعتها أخبار عن إمكانية زيارة الرئيس الموريتاني لسوريا. رافق هذا الزخم المفاجئ نقاش حول مقعد سوريا في الجامعة العربية وعمّا إذا كان يجب إعادة النظام السوري أم لا. بدا أنّ عدداً من الدول العربية تدفع باتجاه إعادة مقعد سوريا إلى نظام الأسد قبيل القمّة العربية التي ستعقد في تونس، مارس المقبل. 

قطر تمسكت بموقفها وقالت إنّ الأسد ارتكب جرائم حرب

فجأة، ودون سابق إنذار، تراجع الزخم الحاصل باتجاه إعادة العلاقات مع نظام الأسد. قطر تمسكت بموقفها وقالت إنّ الأسد ارتكب جرائم حرب وإنّ الظروف التي دفعت الجامعة إلى تعليق مقعد سوريا ما تزال قائمة. أمّا الجامعة العربية فقد صدرت تصريحات من مسؤوليها تشير إلى نقاش من نوع آخر حول ضرورة توافر الإجماع على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية مقابل من يقول أنّ الخطوة مرهونة بالتصويت.

هناك من يعزو انطلاق عملية التطبيع مع نظام الأسد بسرعة كبيرة وتوقفها -بشكل مؤقّت على الأقل- فجأة بنفس السرعة التي انطلقت فيها إلى التنافس الروسي- الأميركي في سوريا. روسيا تخشى أن يتم استغلال جهودها من قبل الأطراف الأخرى قبل أن تحقق هي المزيد من المكاسب السياسية. إعادة اللاجئين وإعادة الاعمار وتحقيق الأمن والاستقرار من خلال عملية سياسية لا يمكن أن يحصل في ظل المعطيات الحالية إلا إذا تم تدمير كل الخيارات الأخرى على الساحة السورية ودفع المجتمع الدولي للتعامل عنوة مع نظام الأسد بشكل مباشر. ومن هذا المنطلق، موسكو مهتمّة حالياً تسريع إعادة الأسد إلى الساحة العربية والدولية من أجل حسم المفاوضات السياسية التي تجري الآن ووضع الجميع أمام الأمر الواقع. 

ومن هذا المنطلق، هناك من يربط هذه الجهود الروسية بالخطوات الأخيرة لبعض الدول العربية لاسيما وأنّ وزير خارجية روسيا، لافروف، لم يخفِ مثل هذا التوجه خلال جولته التي قام بها مؤخراً الى كل من الجزائر والمغرب وتونس، حيث طالب علناً هذه الدول بالدفع باتجاه عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، مشيراً إلى أن لا أحد يرغب ببقاء اللاجئين لديه وأنّ أفضل وسيلة لحل الموضوع هي إعادة العلاقات مع النظام السوري.

في المقابل، يربط البعض الآخر تريّث بعض الدول إلى الجولة التي قام بها وزير الخارجية بومبيو إلى مصر وعدد من الدول الخليجية الشهر الماضي. لا يعني ذلك أنّ واشنطن غيّرت رأيها بخصوص الأسد، لكن هناك من يرى بأنّ الاندفاع المجاني تجاه نظام الأسد سيؤدي إلى مزيد من الكوارث لاحقاً، وسيقوّض من حظوظ أي عملية سياسية مستقبلاً وسيكون الأسد وحلفاؤه قد حصلوا على تطبيع مجاني دون أي ضمانات تتعلق باللاجئين أو العملية السياسية أو إعادة الإعمار أو غيرها من الملفات الخلافية العالقة والتي يعتقد أنّها ستستغرق كثيرا من الوقت والجهد.

الولايات المتّحدة تفتقد إلى إستراتيجية واضحة في سوريا وهو السبب الأساسي الذي أدى إلى تفوق روسيا وإيران حتى اليوم

إذا ما صح الاجتهاد المتعلق بالموقف الأميركي فهو خطوة جيّدة من دون شك، لكن المشكلة أنّ الولايات المتّحدة تفتقد إلى إستراتيجية واضحة في سوريا وهو السبب الأساسي الذي أدى إلى تفوق روسيا وإيران حتى اليوم. هناك حاجة إلى إستراتيجية جديدة، وهناك حاجة أيضاً إلى أن تضبط واشنطن إيقاع بعض اللاعبين المرتبطين بها ممّن ثبت أن انفلاتهم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والأمني يزيد الوضع خطورة في سوريا، وأنّ إعادة تطبيع علاقاتهم مع نظام الأسد يسهّل الطريق له ولإيران لترسيخ نفوذ دائم وبالتالي التحضير لانفجار مستقبلي لاحقا. وفي هذا الإطار بالتحديد، هناك من يشير إلى أنه ما كان بإمكان فتح سفارات الإمارات والبحرين لو كان هناك اعتراض أميركي حقيقي.

إذا استمرت الإدارة الأميركية في تخبّطها الحالي، فإن تأخير التطبيع مع الأسد لن يقدّم أو يؤخّر شيئاً. هناك حاجة إلى إستراتيجية جديدة تذكّر أنّ من ينادي بانتصار الأسد اليوم ويدعو إلى التعامل مع الواقع في سوريا من هذا المنطلق هو خاطئ تماماً، وأنّه بالإمكان استخدام الأدوات المتاحة دوماً للتضييق على الأسد والضغط على حلفائه للتوصل إلى تسوية سياسية استناداً إلى القرارات الدولية.