هل ضاق السودان بالسوريين؟

2020.12.16 | 23:12 دمشق

thumbs_b_c_5f9e29d661f4b2e2058a0fb96cbb55f4.jpg
+A
حجم الخط
-A

ومن غرائب هذه الأيام، أنه وفي زحمة مشكلات السودان الكثيرة والملحة، وجد عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني لنفسه وقتاً، ليصدر قراراً، سحب فيه الجنسية السودانية من آلاف الأشخاص، ممن سبق وحصلوا عليها في عهد الرئيس المعزول عمر حسن البشير!

هنا لن يسأل أحدٌ عن تطورات علاقة السودان بأشقائه العرب في ظل الخطوات التطبيعية الراهنة!

ولن يفكر آخر برضوخ نظامه الجديد لإملاءات محور ما، في ظل حالة الانقسام العربي عموماً والخليجي خصوصاً. بل إن أول ما سيتم السؤال حوله، هو طبيعة سياسة اللجوء المطبقة في البلدان العربية!

فيصبح هذ القرار أنموذجاً، يعطي صورة حقيقية عن عدم تطبيق المعايير الدولية، في التعاطي مع الأزمات، كموجات اللجوء، والهجرة.

اعتبار الأمر سيادياً، سيؤدي بالتأكيد إلى إغلاق باب التدخل فيه من الخارج، ولكنه في المقابل يفتح جدلاً سودانياً داخلياً، حيال مسارعة النظام الجديد إلى إلغاء قرارات سابقة مرتبطة بحقوق المستثمرين، بأسلوب فظٍ لا يكترث إلى ما تؤدي إليه، من زعزعة لرسوخ السلطة، وديمومة إجراءاتها، أمام الدول الأجنبية والمؤسسات الدولية، على حد سواء.  

سحب الجنسية من السوريين تحديداً، فتح الباب لتكهنات عديدة تتعلق برؤية النظام السوداني الحالي لوضعهم، لا سيما وأنه أُلحق بتعليمات أخرى ألغت إعفاء السوريين من الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي السودانية

فأساس العلاقة بين الأجانب، وبين أي بلد تسوده الشرعية، هي تلك الثقة، التي تعززها سلطاته عندهم، فتدعوهم للقدوم إليه، وتطلب منهم القيام بالاستثمار فيه، فيفعل هؤلاء ما هو مطلوب منهم، ويستفيدون من المزايا المتاحة لهم، ومنها؛ الحصول على الجنسية.

إلغاء الإقامات، أو سحب الجنسية، دون وجود سبب قانوني قاهر، كالتهديد الأمني، يدل على سياسة غير حصيفة، تدمر الثقة، ولا تُشعر الوافدين بالأمان المطلوب للاستقرار والتفاعل والبناء، في بلد يسعى إلى تغيير الصورة التي كانت مكرسة عنه، كبلد "داعم للإرهاب"!

وعلى ذات الأرضية، خضع وجود اللاجئين في السودان سابقاً للإرادات السياسية، رغم وجود اتفاقيات دولية نافذة. وعليه فإن المشكلة تبدأ من تلك المواقف المرتجلة التي جعلت منهم ضيوفاً، فسحبت منهم الصفة الأهم (اللجوء)، وأحلت مكانها صفة أخرى هي (الضيف)، كنوع من التكريم المعنوي! ولكنها في الحقيقة منعت عنهم مزايا أساسية، كفلتها لهم القوانين والاتفاقيات الدولية، يحصلون عليها من خلال كونهم لاجئين، ومنها الحصول على المعونات، والحماية الأمنية، وصولاً إلى منحهم الوثائق الخاصة بالإقامة وبالسفر، وفتح الأبواب أمامهم للحصول على جنسيات البلد المضيف، في حال رغبوا بذلك!

هنا، تبدو مشكلة الحكومة السودانية الجديدة، مع قضية اللاجئين السوريين والعراقيين، وغيرهم، ممن حصلوا على الجنسيات، قريبة ومتماثلة مع غالبية البلدان العربية، التي لا نعثر بين صفات الإقامات التي تمنحها على صفة اللجوء السياسي، فهو غير منصوص عليه دستورياً، لكن السودان الذي تميز تاريخياً بحسن الضيافة، وللمفارقة، كان يمتلك بالأصل قانوناً لتنظيم اللجوء صدر عام 1974، بعد انضمام السودان للاتفاقية الخاصة بحماية اللاجئين، والبروتوكول الملحق بها.

الأسباب التي جعلت البرهان يصدر قراره لا تبدو منطقية، وخاصة تلك التي تقول بأن عملية الحصول على الجنسيات لدى الأشخاص الذين سحبت منهم، تمت بشكل غير قانوني، إذ إن معالجة هذه المشكلة تبدأ ببحث ظروفها المحلية، ومعالجتها، ولا تتم على حساب ضحاياها، الذين وقع عليهم الظلم، وخضعوا لابتزازات الفساد، وسوء الإدارة، التي جرت في العهد البائد!

كما أن الحلول تتم عبر تجزئة القضايا التي يتم النظر فيها، ومعالجة كل واحدة منها بشكل إفرادي، وليس عبر تحويلها إلى أزمة جماعية تتعلق بـ3 آلاف و548 شخصاً، جاء معظمهم من بلدان تعيش صراعات وحروب، كسوريا والعراق!

وبالنظر إلى البعد الشعبي الداخلي، الذي لم يظهر الترحيب بالقصة، لا يُعثر على مشكلة محددة افتعلها الأجانب الذين شملهم قرار سحب الجنسية، وهم في النسبة الأعظم منهم سوريون وجدوا في السودان ملاذاً لهم، ونقلوا إليه استثماراتهم، واندمجوا في علاقة مع أشقائهم السودانيين، الذين كانوا دائماً مرحبين!

غير أن جزءاً كبيراً من هؤلاء لم يشعروا بالأمان المطلوب لجهة القوانين والأنظمة، إضافة إلى المشكلات المحلية، فتحولت البلد إلى محطة مؤقتة للعبور والنفاذ إلى بلدان أخرى، وهذا الأمر ليس مستجداً في السياق، بل هو أمر قائم منذ عهد نظام البشير، الذي لم تكن سياسته منصفة للسودانيين، وللاجئين على حد سواء!

سحب الجنسية من السوريين تحديداً، فتح الباب لتكهنات عديدة تتعلق برؤية النظام السوداني الحالي لوضعهم، لا سيما وأنه أُلحق بتعليمات أخرى ألغت إعفاء السوريين من الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي السودانية، ما سيلزمهم بالحصول على تأشيرة دخول مسبقة (فيزا)، الأمر الذي جعل البعض يرى في الأمر استهدافاً واضحاً لجزء محدد من السوريين!

وقد ساهم في تفاقم التأويلات، الإعلان أن من بين الشخصيات التي تم سحب الجنسية منها، رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، ما أوحى بأن إلغاء جوازات السفر لم يقع بناءً على حدوث مشكلات أمنية أو صحية مع حامليها، أو بسبب الحصول على المستندات بطريقة احتيالية، بل إنه جرى لدوافع سياسية، تستهدف التيار الإسلامي، وتضع في الوقت نفسه مصير آلاف الأشخاص، وسط دوامة صراعات فتاكة بين المحاور! فتستهين بمآسي الآخرين، وتتلاعب بوجود ضحايا لسياسات القمع المرتكبة في بلادهم، فيحولهم قرار البرهان إلى أدوات، يتم توظيفها رغماً عنهم، ما يوقع عليهم ظلماً إضافياً، بعد أن نسي العالم، وكل من حولهم قضيتهم، وجعلهم مجرد أزمة مستدامة ينفر منها الجميع!