هل سيُفصَل التوءَم السيامي؟

2019.01.14 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هل لدى نظام الأسد معايير أو ضوابط أو قوانين أو أعراف معينة لا بد اتباعها في اتخاذ قراراته أو مواقفه أو حتى في البت بأموره المصيرية؟  

الجواب "نعم"؛ لديه معيار وضابط وقانون وعرف واحد لا غير: {بقاء النظام}. أي أمر أو موقف أو حدث أو فعل معياره وقانونه وضابطه وعرفه يكمن بقدر المساهمة في الإبقاء على النظام حتى ولو كان تدمير سوريا بشعبها بسيادتها بتاريخها بوحدتها بقيمها بكل ما فيها.

ولكن إلى أي مدى أضحى النظام قادرا على الاحتفاظ بهذا المعيار بعد ثماني سنوات لم يمرّ عليه مثلها؟

الآن لم تبقَ جهة إلا وقدمت للنظام الوصفة السحرية للبقاء في السلطة بعد سنوات وأفعال وأحداث وملفات لا يمكن أن تسمح ببقاء هذا النظام؛ والوصفة هي الفراق مع إيران. والسؤال هو إذا كان المعيار هو [بقاء النظام]، وإذا كان ذلك يستلزم قيام النظام بهذا الفعل، فهل يتمكن النظام من فسخ هذه العلاقة؟

محاولة سحب النظام الأسدي من حضن نظام الملالي ليست جديدة

محاولة سحب النظام الأسدي من حضن نظام الملالي ليست جديدة. مؤخراَ تحاول بعض الدول وبهندسة تحريضية محسوبة أن تعتمد منهجية جديدة في مواجهة إيران، وذلك بمحاولة استمالة بشار الأسد وسحبه من الحضن الإيراني.

يبدو أن هذه الدول ومشغليها تمتلك ذاكرة السمك، لأنها تحاول تجربة المجرب، والذي لم يؤتِ أُكله في الماضي، ولن يثمر في المستقبل.

ربما يكون نافعاً أن نستذكر أن الرئيس الفرنسي السابق "نيكولاي ساركوزي" قد حاول عام 2008 أن يعتمد نفس المنهجية مع بشار الأسد، آملاً أن يستطيع إخراجه من جلباب إيران، فقام بانتشاله من زمنه الصعب الذي واجهه بعد اتهامه بقتل الحريري، وبعد إطلاقه صفة "أنصاف الرجال“ على بعض الرؤساء والملوك العرب. وقتها قام ساركوزي بزيارته برفقة أردوغان وحمد بن خليفة وعقد الأربعة مؤتمرا صحفياً شهيراً في دمشق بتاريخ 4 /أيلول/ 2008 أعلنوا فيه عن فرحتهم بعودة بشار إلى الحظيرة العربية، وبناء عليه تم تكريم بشار في فرنسا بدعوته للمشاركة في احتفال 14 تموز ذكرى الثورة الفرنسية التي تقام عادة في جادة "الشانزليزيه".

تلك الفرحة الغربية لم تكتمل، حيث لم يكن بحسبان هؤلاء الغربيين أنهم يتعاملون مع إنسان لايمتلك ناصية قراره، فقد قام بدعوة كل من "حسن نصر الله" و"أحمدي نجاد" الرئيس الإيراني السابق إلى دمشق؛ وتعمد في تحدٍ صارخ لكل من تخول له نفسه أن يفكر بفصله عن إيران بأن قام بنشر الصورة المعروفة التي يبدو فيها متوسطاً ضيفيه نصر الله وأحمدي نجاد.

لعل التاريخ يكرر نفسه الآن، ولكن بطريقة سمجة غبية وقحة ودموية أيضاً. فها هو الإيعاز يأتي لبعض الصغار أخلاقاً، أن يتوافدوا إلى دمشق لمحاولة احتواء بشار وعزله عن إيران.

علاقة الأسد بإيران لم تعد كما كانت عام 2008 بل أصبحت مثل التوءَم السيامي

ولكن يبدو أن هؤلاء جميعا المُرْسِل والمُرْسَل قد تناسوا أو أنهم يتناسون أن علاقة الأسد بإيران لم تعد كما كانت عام 2008 بل أصبحت مثل التوءَم السيامي الذي لا يمكن فصلهما إلا بموت أحدهما؛ الأمر الذي يؤدي بالضرورة الحتمية إلى موت الآخر.

ولعل السؤال الكبير حالياً هو: هل يمتلك بشار قِياد رأيه حالياً إلى الحد الذي يستطيع أن يقول لإيران "شكراً لك لإنقاذي، ولكن وداعاً انتهت مهمتك؛ وسأتحول إلى السباحة في الضفة الأخرى؟" وإذا كان يعتقد بنفسه أنه ذكي بما فيه الكفاية، متشجعاً بحماية روسية، لفعل ذلك، فهل ستسمح له إيران بممارسة ألاعيبه التكتيكية المعهودة؟!

يجب على العرب الذين يعقدون آمالاً كبيرة على فصل بشار عن إيران أن يكونوا واقعيين في أحلام يقظتهم.

معيار النظام المتمثل بـ["البقاء" مهما كان الثمن] لم يتغيّر؛ ما تغيّر هو مكان وقوع الكارثة بالنسبة للنظام: (خارجية أم داخلية)، وفداحتها، وثالثاً: مع مَن. كارثة النظام اليوم داخلية- ليست قتل رئيس وزراء دولة أخرى، خارج الحدود. وهي كارثة مع شعبه. وهي فادحة جداً. وهي مفضوحة عالمياً، لا كما كانت الحال عليه في /حماه/ ثمانينيات القرن الماضي. وقتها طلب فك الارتباط مع إيران ما كان ليضر به كثيراً؛ وكان قادراً على القيام به؛ ومع ذلك لم يقم به. الآن يعرف أنه ينفعه ويريد أن يقوم به، ولكن غير قادر على ذلك؛ إلا أنه يفعل ذلك مواربة.

هناك أصابع تشير إلى جهة (يُعتقد أنها النظام الأسدي) تعطي إسرائيل إحداثيات أهداف إيرانية في سوريا. وهناك من يرى بأن الأسعد في استهداف إيران في سوريا، والضغط الذي تتعرض له للخروج من سوريا، هو نظام الأسد.

هناك نظرية تقول إنه إذا كان النظام بحاجة لاستمرار الالتصاق بإيران من أجل البقاء في أي وقت، فهو هذا الوقت بالذات. يبني هؤلاء نظريتهم على أن ربط النظام مصيره بمصير إيران في وقت يتم تصوير إيران على أنها دولة مارقة، هو الأجدى للنظام لأن حاله ليست أفضل من حال إيران؛ وكتلتا شر تشكلان إرباكاً لمن يستهدفهما، ليأخذهما فرادا.

الواضح أن الأمور لن تسير بهذا الاتجاه الذي قد يعطي النظام الأسدي بعض العمر؛ والأسباب كثيرة: فمعيار نظام الأسد الأساسي، وتخبطه، وسجله الإجرامي الذي لا تفارقه صورته، ووضع السوريين المأساوي داخلياَ وخارجياً، والضغط الدولي، وتوهمه بنافذة نجاة عبر الغدر بإيران والانفصال عنها... كل ذلك سيدفع بالنظام إلى ارتكاب خطيئته التاريخية، وسيسعى للافتراق، وستكون سقطته السيامية.