هل سيعزل (اس-٤٠٠) تركيا عن الناتو؟

2018.10.29 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كشف وزير الدفاع التركي الأسبوع الماضي عن بدء التحضيرات اللازمة لنشر أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية الصنع (اس-٤٠٠) وذلك بحلول أكتوبر من العام ٢٠١٩. وأشار خلوصي أكار إلى أنّ بلاده قد دخلت الآن في مرحلة اختيار المرشّحين من العسكريين لانتدابهم للذهاب إلى روسيا في مهمّة تهدف إلى التدرّب على كيفية استخدام المنظومة الأكثر تطوراً في مجال الدفاع الصاروخي، لافتاً إلى أنّ مكان نشرها داخل تركيا مايزال مثار بحث ودراسة، وأنّ قيادة القوات الجوية ستأخذ بعين الاعتبار الأماكن الأكثر عرضة للتهديدات الصاروخية المحتملة.

يخشى حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي أن يؤدي استحواذها على المنظومة الدفاعية الروسية إلى تعريضهم لمخاطر أمنيّة متعددة فيما يتعلق بإمكانية جمع المنظومة لمعلومات مهمّة عن الشبكة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي أو عن مقاتلات (إف-٣٥) المتعددة المهام. الولايات المتّحدة على وجه التحديد كانت الأكثر انتقادا في هذا المجال، وقامت بالتهديد بفرض عقوبات على أنقرة ما لم تتراجع عن شراء المنظومة الروسية.

تبلغ قيمة الصفقة التي أبرمتها تركيا مع روسيا في هذا المجال حوالي ٢.٥ مليار دولار. وبالرغم من الانتقادات الموجهة

الثورة السورية أظهرت أنّ الحلف غير ملتزم بحماية تركيا وأنّ الولايات المتّحدة لا تريد أن تساعد في التوصل إلى اتفاق يضمن استحواذ أنقرة على منظومة أمريكية الصنع متوافقة مع شبكة دفاع الناتو

من قبل واشنطن إلى أنقرة، لم تتراجع الأخيرة عن الصفقة التي أبرمتها مع موسكو بخصوص شراء منظومة (اس-٤٠٠)، ولهذا الأمر مبرراته من وجهة النظر التركية. وفقاً للمسؤولين الأتراك، تعاني البلاد من فجوة دفاعية خطيرة تتمثل في غياب منظومة دفاع صاروخي طويل المدى من صنع محلي. صحيح أنّه من المفترض لحلف شمال الأطلسي أن يغطّي هذه الثغرة لكن الثورة السورية أظهرت أنّ الحلف غير ملتزم بحماية تركيا وأنّ الولايات المتّحدة لا تريد أن تساعد في التوصل إلى اتفاق يضمن استحواذ أنقرة على منظومة أمريكية الصنع متوافقة مع شبكة دفاع الناتو من جهة، وتؤمّن في نفس الوقت مصالح لتركيا لناحية التكلفة المالية وضمان نقل التكنولوجيا.

من هذا المنطلق، يعتقد الأتراك أنّ هناك تضخيماً فيما يتعلق بنتائج استحواذ تركيا على هذه المنظومة، كما أنّ هناك تقييماً غير واقعي فيما يتعلق بما يقولون إنّه مخاطر محتملة ناجمة عن شراء منظومة (اس-٤٠٠). وفقاً للجانب التركي، فإنّ تشغيل المنظومة سيتم بشكل ذاتي وباعتماد كامل على العناصر المحليّة، كما أنّه لن يُصار إلى ربط هذه الأجهزة الروسية بشبكة الناتو، ولذلك فليس هناك من داعٍ للخشية من شيء.

قبل عدّة أيام فقط، أماطت وكالة إيتار تاس الروسية اللثام عن عدد العسكريين الأتراك الذين من المفترض أن يتم انتدابهم للذهاب لافتةً إلى أنّ عددهم يبلغ حوالي ١٠٠ جندي تركي سيقومون بدورة مدّتها حوالي خمسة أشهر تتضمن تدريبات على تشغيل وصيانة أنظمة الدفاع الروسية على أن تبدأ في خريف عام ٢٠١٩، أي بموازاة تسليم المنظومة الصاروخية الروسية لتركيا.

وفقاً لما أورده التقرير الذي نشرته الوكالة، سيتم تزويد أنظمة S-400 بنظام تعريف للصديق والعدو من صنع روسي

المسؤولون الأتراك كانوا تحدّثوا عن دفعتين، يتم في الأولى استلام المنظومة الروسية الجاهزة للاستخدام، فيما يتم إنتاج الثانية داخل تركيا على أن تتضمن نقلاً للتكنولوجيا

على أن تتوافق مع معايير حلف الناتو، حيث من المفترض أن يقوم الجانب التركي لاحقاً بإدماجها بمنظومة الناتو. واستناداً إلى نفس التقرير أيضاً، فإن الصفقة لا تشمل رخصة إنتاج المنظومة من قبل تركيا ولا حتى نقل التكنولوجيا إليها.

يتعارض هذا الخبر ما شدّد عليه الجانب التركي دوماً لناحية عدم دمج المنظومة الروسية بشبكة حلف شمال الأطلسي، وإنما بشبكة الدفاع المحليّة التركية، كما أنّه لا يتحدّث بشكل صريح عن مصير البطاريات الأخرى سيما وأنّ المسؤولين الأتراك كانوا تحدّثوا عن دفعتين، يتم في الأولى استلام المنظومة الروسية جاهزة للاستخدام، فيما يتم إنتاج الثانية داخل تركيا على أن تتضمن نقلاً للتكنولوجيا.

إذا صح ما ورد في التقرير لناحية الدمج، فقد يتسبب بمشكلة للأتراك مع حلف الناتو. كما أنّ عدم الحديث عن نقل التكنولوجيا يطرح علامات استفهام حول ماهية الاتفاق الحقيقي الذي تمّ التوصل إليه بين الطرفين، أو ربما قد يكون مجرّد مؤشّر على إمكانية تراجع موسكو عن التزاماتها في حال كان الاتفاق يتضمن مثل هذا الأمر بالفعل وهو ما سبق للرئيس التركي أن أكّده.

على أي حال، لا تزال هناك فترة سنة حتى تاريخ نشر البطاريات، ولا شك أنّ أنقرة ستستغل هذه الفترة للتعبير عن انفتاحها على الاستحواذ على أنظمة دفاع صاروخي بعيدة المدى أمريكية الصنع، بالإضافة إلى إبداء الاستعداد للتعاون التكنولوجي مع الدول الأوروبية في هذا الصدد، لكن تحقيق التوازن في لعبة المصالح بين أطراف هذا المثلث ستزداد صعوبة مع الوقت من دون شك.