هل ستكون ليبيا محطة خلاف تركي روسي جديدة؟

2019.12.25 | 21:00 دمشق

20191215_2_39853008_50382210.jpg
+A
حجم الخط
-A

أقدمت تركيا وحكومة الوفاق في ليبيا على خطوة أربكت الأطراف المنافسة لهما بعد توقيع مذكرتي تفاهم إحداها أمنية والأخرى في مجال تحديد مناطق الصلاحيات البحرية في 27 نوفمبر 2019 وبموجب الاتفاقين فإن المخططات التي أعدت لها مجموعة من الدول حول مناطق السيادة ومشاريع نقل الغاز لأوروبا قد تحتاج إلى إعادة نظر وفقا للمعطيات الجديدة التي تفرضها الاتفاقية كحقيقة واقعة.

ولهذا شككت دول مثل مصر واليونان وقبرص وإسرائيل في الاتفاقية وأعلنت عن رفضها لها واعتبرتها غير شرعية باعتبار أن حكومة الوفاق الليبية لا يحق لها توقيع مثل هذه الاتفاقيات حسب اتفاق الصخيرات الذي أنشأ الحكومة ومن وراء هذه الدول كانت أيضا فرنسا والاتحاد الأوروبي عموما من الرافضين لهذه الاتفاقية التي تعطي لتركيا قوة إضافية وتجعلها فاعلا لا يمكن الاستغناء عنه من جهة كما أنها يمكن أن تحبط مخططات حفتر للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس بناء على الاتفاق الأمني الذي يجعل توريد تركيا السلاح لحكومة الوفاق للدفاع عن العاصمة مشروعا وفقا لمواد الأمم المتحدة.

ولكن هناك عنصر مهم جدا لكنه يميل إلى التحرك واللعب بشكل أقل ظهورا وهو الفاعل الروسي الذي يتبنى سياسة مزدوجة في ليبيا حيث توجد قوات المرتزقة الروسية التابعة لشركة فاغنر المقربة من الدولة والرئيس بوتين تحديدا والتي يقدر أعدادها في ليبيا بحوالي 1000 مقاتل يعملون في مجالات الدعم والتدريب ويشاركون في المهمات القتالية الرئيسية لقوات حفتر حيث يعتقد أن الأخير وعد روسيا باستثمارات ومشاريع كبيرة في حال قام الروس بتأمين الدعم له، ومن جهة أخرى فإن موقف روسيا الرسمي مؤيد ومعترف بحكومة الوفاق المعترف بها دوليا. ولكن يبدو أن الموقف الحقيقي الذي يسير عليه الروس ويفضلونه هو دعم حفتر ولم يتم إخفاء ذلك في عدة مرات ومنها الاجتماع بين حفتر ووزير الدفاع الروسي على متن حاملة الطيران الروسية كوزنيتسوف في البحر المتوسط في يناير 2017.

هناك عنصر مهم جدا لكنه يميل إلى التحرك واللعب بشكل أقل ظهورا وهو الفاعل الروسي الذي يتبنى سياسة مزدوجة في ليبيا

وكما أن روسيا البعيدة لها مصالح في ليبيا يتعلق بعضها بالطاقة والاستثمارات وبعضها بالنفوذ أمام أوروبا، فإن تركيا القريبة هي الأخرى لها مصالح في ليبيا ومع حكومة الوفاق وفي شرق المتوسط وتعتبر المنطقة جزءا من أمنها فإن عام 2019 أثبت مع تقدم الأيام أن مصالح تركيا وروسيا تتجهان للتعارض في ليبيا.

ومع ذلك يحاول الطرفان التلميح لحل الأمور بالحوار حيث يتبنى الروس خطاباً متوازناً وقد نفى الكرملين أن تكون روسيا تقدم المساعدة لقوات حفتر في زحفها تجاه العاصمة طرابلس، وإنه يؤيد التوصل لتسوية سياسية من خلال التفاوض، بما يتفادى أي إراقة للدماء. وقد ذكر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، للصحفيين: "نتابع عن كثب الوضع في ليبيا، ونعتبر قطعا أن أهم شيء هو ألا تؤدي العمليات هناك إلى إراقة دماء. يجب حل الوضع سلمياً".

كما بدأت تركيا اتصالاً مع روسيا بخصوص ليبيا ومن المقرر أن ترسل تركيا وفدا رفيعاً لموسكو قريبا من أجل مناقشة الأوضاع في ليبيا والتوصل لتفاهمات في أقصر وقت، وقد أشار الناطق باسم الكرملين إلى أن لقاء الرئيسين الروسي والتركي خلال الشهر المقبل سيبحث قرار تركيا إرسال قوات خاصة ومستشارين ومعدات عسكرية لليبيا.

بالرغم من أن الطرفين يدعمان جهتين متصارعين إلا أن كلاً من تركيا وليبيا لديهما ملفات أخرى جارية ومهمة تحثهما على حل الأمور بالحوار ومنها صفقة إس 400 التي لم يتم تفعيل منظوماتها بعد

بالرغم من أن الطرفين يدعمان جهتين متصارعين إلا أن كلاً من تركيا وليبيا لديهما ملفات أخرى جارية ومهمة تحثهما على حل الأمور بالحوار ومنها صفقة إس 400 التي لم يتم تفعيل منظوماتها بعد، وصفقة طائرات سوخوي 35 محتملة ما زال التفاوض جارياً حولها كبديل لطائرات اف 35 بالإضافة إلى خط السيل التركي وهو مشروع كبير لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا وكذلك المباحثات حول مستقبل سوريا والتي لا زالت جارية بين الطرفين وتعتبر مسألة حساسة للطرفين وقد أدارها الطرفان بشكل احترافي تحت النار والضغط والعوامل الأكثر تعقيداً، ولهذا فإن من المرجح أن تصل أنقرة وموسكو إلى تفاهم ما بشأن الأوضاع في ليبيا وليس وارداً الآن وجود مواجهة بين الطرفين. ولكن التدخل التركي العسكري المباشر في ليبيا سيكون معطى جديداً ومن المحتمل أن تأخذ التطورات أشكالاً مختلفا للرد عليه سواء من روسيا أوغيرها.

هناك زوايا تضفي أبعاداً جديدة على إدارة البلدين للقضية فقد تلعب روسيا أيضا دوراً في تحقيق تفاهم ما مع مصر بالرغم من توتر العلاقة بين تركيا ومصر حيث تتمتع بعلاقة جيدة مع الطرفين كما أن وجود كل من تركيا وروسيا في ليبيا يأتي على حساب بقية دول الناتو التي تنتقد تقارب تركيا من روسيا لكن المفارقة أن لكل واحد منهما أجندة متعارضة مع الآخر في ليبيا بينما تدعم بقية دول الناتو الأوروبية حفتر مثل روسيا، ولذلك فإن أي تفاهم بين تركيا وروسيا لابد أن يكون له رد فعل من الدول الأخرى وخاصة فرنسا وإيطاليا وربما يحدث تحولاً في الموقف الأمريكي الذي تراجع قليلاً عن دعم حفتر كما يبدو في الظاهر.