هل ستشارك الصين في عملية عسكرية ضد إدلب؟

2018.08.07 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

نقلت تقارير صحفية عربية وأجنبية عن مسؤولين صينيين رفيعي المستوى قولهم إنّ بكّين مستعدّة للمشاركة في عملية عسكريّة لنظام الأسد لاستعادة إدلب. ووفقاً لما ورد في هذه التقارير فإنّ سفير الصين في دمشق تشي تشيان جين كان قد قال إنّ القوات المسلحة الصينية مستعدة للمشاركة -بطريقة ما- إلى جانب الجيش السوري الذي يحارب الإرهاب في إدلب وفي أي مكان آخر في سوريا. ونُقِلَ عن وونج راي تشانج، الملحق العسكري الصيني هناك قوله كذلك أنّه من الممكن للقوات المسلحة الصينية المشاركة في عملية عسكرية لاستعادة إدلب إذا قامت بكّين باتخاذ القرار السياسي اللازم لفعل ذلك.

البعض ذهب بعيداً لينظر في نوع المساعدة العسكرية الصينية في هذه المعركة المفترضة، وهل ستكون على شكل قوات عسكرية تقليدية أو على شكل وحدات خاصة أو ربما من خلال قوات مكافحة الإرهاب، مشيراً الى أنّ تحقق ذلك سيكون بمثابة تحوّل كبير في السياسة الخارجية الصينية وفي دور الصين المستقبلي في الشرق الاوسط، ناهيك عن الدلالات التي سيحملها هذا الدور على صعيد الاستعداد لاستخدام القوّة العسكرية في السياسة الخارجية الصينية.

في المبدأ، يعدّ هذا التشخيص صحيحاً لناحية الإشارة إلى التحوّلات والدلالات فقط في حال ثبت بالفعل أنّ الصين ستشارك عسكرياً في عمليات يقودها نظام الأسد. لكن قبل القفز إلى هذا الاستنتاج لا بد من التوقف مليّاً عن التصريحات الأساسية نفسها التي تمّ نقلها عن المسؤولين الصينيين.

من المستهجن أن يتحدّث ملحق عسكري صيني في دولة ما بهذا الشكل، وكأنّ القوات المسلّحة التابعة لبلده تريد شيئاً لكن الحكومة المركزيّة تريد شيئاً آخر!.

مثل هذه التصريحات ليست مألوفة في الدبلوماسية الصينية لا شكلاً ولا مضموناً. وللتأكد منها، قمت بالبحث عن مصدرها الأساسي فوجدت أنّها نشرت أوّل مرة في صحيفة الوطن السورية المحسوبة على الأسد، ولم يتم نشرها حتى الآن في أي وسيلة إعلامية صينيّة، كما لم يصدر أي تأكيد رسمي صيني يفيد بأنّها صحيحة.

في الشكل، من المستهجن أن يتحدّث ملحق عسكري صيني في دولة ما بهذا الشكل، وكأنّ القوات المسلّحة التابعة لبلده تريد شيئاً لكن الحكومة المركزيّة تريد شيئاً آخر!. فضلاً عن ذلك، فإن السفير لا يقرر عن دور بلاده ولا عن دور قواتها المسلّحة حتى يدلي بمثل هذا التصريح. إذا كان لديه تعليمات من المركز بهذا الخصوص، فإنّ تصريحه بشأن مشاركة أو عدم مشاركة القوات المسلحة الصينية في أي عميلة عسكرية محتملة سيكون واضحاً جداً ولا يقبل أي لبس.

في المضمون، فإنّ التصريحات التي وردت أعلاه مخالفة للتوجهات التقليدية الراسخة والمتّبعة في السياسة الخارجية الصينية، كما أنّ طريقة صياغتها وسياقها لا ينمّ حقيقةً عن أنّها صدرت عن مسؤولين صينيين بهذا الشكل الذي تمّ نقلها فيه. صحيح أنّ الصين كانت قد استخدمت الفيتو عدّة مرات لعرقلة طموح الشعب السوري خلال ثورته على نظام الأسد، لكنّ بكّين لا تشارك في عمليات عسكرية خارج حدودها لا بشكل مستقل ولا بشكل مشترك.

باستثناء مشاركة الصين بقوات حفظ السلام الدولي في إطار الأمم المتّحدة -حيث تعد الصين الدولة رقم واحد في العالم من حيث المشاركة بعدد قواتها، والثانية من حيث المساهمة الماليّة- لا يوجد عمليات عسكرية خارجية.  

من المفارقات أن تقرير الصحيفة المحسوبة على نظام الأسد، كان قد نقل سطراً واحداً في غاية الأهمية في نهايته نسف فيه بشكل غير مباشر كل ما نقله في البداية.

من الواضح أنّ الهدف من ليّ عنق التصريحات الصينية هو تحريض الحكومة على مساعدة النظام السوري بذريعة وجود "إرهابيين" صينيين في إدلب.

يقول السطر المشار إليه "ونفي الملحق العسكري – الصيني- وجود مستشارين عسكريين أو قوات خاصة لبلاده حالياً في سوريا" وهذا التصريح يتناقض بالضرورة مع الحديث عن استعدادات للمشاركة في عملية عسكرية بطبيعة الحال. ويعزّز من هذا الاستنتاج ما نقلته سبوتنيك الروسية عن مسؤول في خارجية نظام الأسد ومفاده أنّه ليس على دراية بأيّة خطط صينية للدخول عسكرياً في الحرب، مشيرا إلى أن "الحكومة السورية سترحّب بأي دعم" في هذا المجال.

من الواضح أنّ الهدف من ليّ عنق التصريحات الصينية هو تحريض الحكومة على مساعدة النظام السوري بذريعة وجود "إرهابيين" صينيين في إدلب. نظام الأسد يدرك تماماً السياسات العدائية للحكومة الصينية إزاء الأقلّية المسلمة في البلاد، ويريد توظيف ذلك لصالحه، لكن من المستبعد أن تنجرف بكّين في هذا الاتجاه حالياً، وإن فعلت فانّ قرارها سيترك تداعيات يتجاوز تأثير الساحة السورية بالتأكيد.