هل خرقت الصين اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية؟

2020.05.26 | 00:07 دمشق

de_3024.jpg
+A
حجم الخط
-A

يقف فيروس كورونا (كوفيد-19) على أبواب شهره السابع منذ بداية ظهوره في مقاطعة ووهان الصينية وسط انتشار غير مسبوق حول العالم، مسجلاً إصابات فاقت الخمسة ملايين، وآلاف الوفيات، والأرقام ما تزال مرشحة للارتفاع يومياً. ومع تزايد تفشي الوباء، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين على خلفية ما تعتبره واشنطن إخفاء بكين للمعلومات المتعلقة بنشأة الفيروس وبداياته الأولى، وهو ما ذكره الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة، مؤكداً امتلاك بلاده أدلة على أن مصدر فيروس كورونا هو معهد ووهان للفيروسات.

من جانبها، قالت الصين إن المسؤولين الأميركيين يروجون لأكاذيب مكشوفة، وأن هدفهم من ذلك هو "التهرب من مسؤوليتهم عن إجراءات الوقاية الرديئة في الولايات المتحدة". ولم يتوقف الأمر على تراشق التصريحات وتبادل الاتهامات فقد امتد إلى ما اعتبرته الصين تحرشاً عسكرياً، عقب قيام مدمرات تابعة للبحرية الأميركية بتحركات عسكرية في بحر جنوب الصين.

لم تقف الاتهامات الأميركية عند الحكومة الصينية بل امتدت لتشمل منظمة الصحة العالمية التي أمر ترامب بوقف الدعم عنها، في حين طالب أعضاء في الكونغرس بمحاسبتها على تقصيرها واتهامها بالتواطؤ مع السلطات الصينية في إخفاء المعلومات. المنظمة من جانبها اعتبرت فيروس كورونا جائحة، وطالبت بكين بإشراكها في التحقيق حول نشوء هذا الفيروس وطريقة انتشاره. كما وافقت الدول الأعضاء خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للمنظمة، الذي عُقد في جنيف في 19 أيار/مايو على مشروع قرار يدعو إلى البدء بتحقيق مستقل في كيفية استجابة العالم لانتشار فيروس كورونا.

حرب كلامية واتهامات متبادلة تعيد أجواء الحرب الباردة إلى الواجهة من جديد، فالصينيون يتهمون الولايات المتحدة بأنها من نشرت الفيروس في إطار حربها الاقتصادية على الصين، والأمريكان من جهتهم يوجِّهون الاتهام إلى الصين بأنها سبب انتشار هذا الفيروس نتيجة أبحاثها السرية في تطوير أسلحة بيولوجية على مدى عقود من الزمن، وانتهاكها لأحكام اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية.

إلى جانب ذلك انضمت دول عديدة إلى جانب الولايات المتحدة في دعواتها للتحقيق والمطالبة بفرض عقوبات على بكين وإلزامها بالتعويض عن الخسائر التي طالت العديد من الدول في حال ثبوت تورطها في تصنيع هذا الفيروس أو انتشاره عمداً أو تقصيراً.

لم يتفق العلماء على وجهة نظر موحدة حول طبيعة الفيروس ومصدره، فمنهم اعتبره حالة مرضية تطورت بفعل عوامل طبيعية، بينما ذهب اتجاه آخر، إلى أنّه تمّ تطويره في مختبرات بيولوجية

علمياً، لم يتفق العلماء أيضاً على وجهة نظر موحدة حول طبيعة الفيروس ومصدره، فمنهم اعتبره حالة مرضية تطورت بفعل عوامل طبيعية، بينما ذهب اتجاه آخر، إلى أنّه تمّ تطويره في مختبرات بيولوجية وانتشر بفعل خطأ غير مقصود، وأن الصين قامت بإخفاء الحقائق حوله.

ما المقصود بالسلاح البيولوجي؟

الأسلحة البيولوجية عبارة عن أنظمة معقدة تنشر الكائنات الحية أو السموم المسببة للأمراض لإلحاق الأذى أو القتل للإنسان أو الحيوانات أو النباتات. بالإضافة إلى التطبيقات العسكرية الاستراتيجية أو التكتيكية. ويمكن استخدام الأسلحة البيولوجية في الاغتيالات السياسية، وخلق الكوارث البيئية، وإدخال الأمراض على نطاق واسع. وتتميز هذه الأسلحة بمجموعة من الخصائص منها القابلية الوبائية العالية، وسرعة الانتشار.

اتفاقية الأسلحة البيولوجية

تسمى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية، وتدمير تلك الأسلحة، فتح باب التوقيع عليها في 10 نيسان/أبريل 1972 ودخلت حيز التنفيذ في 26 آذار/مارس 1975. وهي أول معاهدة متعددة الأطراف لنزع السلاح، تحظر استحداث وإنتاج وتخزين طائفة بكاملها من أسلحة الدمار الشامل. بلغ عدد الدول الأطراف فيها 183 دولة من بينها الصين (انضمت إلى المعاهدة عام 1984).

وبموجب هذه الاتفاقية، تعهدت الدول الأطراف بتقديم تقارير سنوية عن أنشطة محددة منها بيانات عن المراكز والمختبرات البحثية، ومرافق إنتاج اللقاحات، ومعلومات عن انتشار الأمراض المعدية. تعقد الدول الأطراف مؤتمراً لاستعراض سير العمل بالاتفاقية كل خمس سنوات (م12)، وعُقد حتى الآن ثمانية مؤتمرات كان آخرها عام 2016 ومن المقرر أن يعقد المؤتمر التاسع خلال الفترة من 8 - 26 تشرين الثاني/نوفمبر2021.

أكدت الدول الأطراف خلال المؤتمر الاستعراضي الثامن المنعقد في جنيف خلال الفترة ما بين 7-25 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 على ضرورة استبعاد أي احتمال لاستعمال الأسلحة البيولوجية، وإدانة استخدام أي جهة للعوامل البيولوجية لأغراض غير سلمية، وهذا يعني أن الاتفاقية لم تحظر استخدام الأسلحة البيولوجية حظراً تاماً. والحظر المنصوص عليه في الاتفاقية لا يمنع الدول من إجراء البحوث المتعلقة بالعوامل الجرثومية والبيولوجية واستحداثها وإنتاجها واستعمالها للأغراض السلمية.

من الناحية القانونية، يحق لأية دولة من الدول الأطراف ترى في تصرف دولة أخرى خرقاً للالتزامات المترتبة عليها بموجب أحكام هذه الاتفاقية أن تقدم شكوى إلى مجلس الأمن (م6)، وينبغي أن تتضمن هذه الشكوى جميع الأدلة الممكنة لإثبات صحتها، على أن تتعهد الدولة المتهمة في اختراقها لأحكام الاتفاقية بأن تتعاون في تنفيذ أي تحقيق قد يجريه المجلس. ويؤخذ على هذه الاتفاقية أنها لا تتضمن آلية فعالة للتحقق أسوة بغيرها من المعاهدات الأخرى (معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1970، ومعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية لعام 1997).

تاريخ البلدين في تطوير الأسلحة البيولوجية

في عام 1969، تخلصت الولايات المتحدة من برنامج الحرب البيولوجية الذي طورته خلال الحرب العالمية الثانية، وكان لها دور مهم في التفاوض بنجاح حول اتفاقية الأسلحة البيولوجية. وقد علق الرئيس الأمريكي حينذاك ريتشارد نيكسون على قرار التخلص من هذا البرنامج قائلاً: "لن نستخدم الجراثيم اللعينة أبداً".

كانت الصين الطرف المتلقي لدمار الأسلحة البيولوجية، حيث استخدمها ضدها الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية.. لذا أنشأت أكاديمية العلوم الطبية العسكرية (AMMS) لإجراء بحوث في الدفاع البيولوجي

في حين كانت الصين تمثل الطرف المتلقي لدمار الأسلحة البيولوجية، حيث استخدمها ضدها الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. نتيجة لذلك، شعرت الصين بحتمية بناء منشآت بحثية مخصصة للحرب البيولوجية. لذا أنشأت أكاديمية العلوم الطبية العسكرية (AMMS) لإجراء بحوث في الدفاع البيولوجي عام 1951، وأصبحت مركزاً لتطوير أدوية ولقاحات ضد الفيروسات.

ورغم أن البلدين طرفان في اتفاقية الأسلحة البيولوجية، فلا يزال كل منهما ينظر إلى الآخر بعين الشك. وزعمت تقارير للإدارة الأميركية أن الصين واصلت امتلاكها "لقدرة حربية بيولوجية تعتمد على تقنية طُوِّرت قبل انضمامها إلى اتفاقية الأسلحة البيولوجية.

الخلاصة

حتى الآن لا يوجد أدلة دامغة على خرق الصين لالتزاماتها الواردة في اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، وربما ما يزال من المبكر المضي قدماً بأي إجراءات رسمية لتقديم شكوى ضدها أمام مجلس الأمن، لأن مثل هذه الشكوى يجب أن تكون معززة بالوثائق والأدلة. لذلك تتجنب الولايات المتحدة الحديث عن مثل هذا الإجراء حالياً، وتلوح بفرض عقوبات فردية على الصين.

باعتقادنا أن المطلوب حالياً هو دعم جهود منظمة الصحة العالمية وإصلاحها وتزويدها بالصلاحيات التي تمكنها من إجراء البحث والكشف على المواقع التي يشتبه بإنتاجها الفيروسات والجراثيم الضارة وفرض رقابة صارمة على مثل هذه المواقع والمنشآت خلال قيامها بالأبحاث والتطوير والسماح لخبرائها بأخذ العينات وتحليلها في مختبراتها. وبما أن دستور منظمة الصحة العالمية لا يمنحها مثل هذه السلطات، ويقصر دورها على التنسيق والتوجيه في ميدان العمل الصحي الدولي وتقديم التوصيات إلى الدول الأطراف فيها، فالمطلوب بعد الانتهاء من جائحة كورونا تعديل هذا الدستور لتفادي موجات جديدة من الفيروسات والجراثيم الضارة.

أما فيما يتعلق بالجائحة الحالية فيتعين على الأمم المتحدة أن تقوم بدورها باعتبار ما يحدث يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين وتشكيل بعثة لتقصي الحقائق، تتألف من خبراء دوليين متخصصين، يتم تخويلها بالصلاحيات اللازمة لزيارة أي موقع أو منشأة يشتبه بدورها في انتاج أو تطوير فيروس كورونا (كوفيد-19) وأخذ العينات اللازمة وتحليلها ونشر النتائج التي تتوصل إليها وعدم ترك الأمور للتكهنات وتصفية الحسابات السياسية. إلى جانب ذلك ضرورة تنسيق الجهود المبذولة حالياً بين جميع المبادرات والمنظمات الدولية والإقليمية وغير الحكومية لإدارة هذه الأزمة العالمية بطريقة شاملة.