هل ثمة علاقة بين معركة إدلب وصفقة القرن؟

2018.10.13 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قال بشار الأسد رئيس النظام - العصابة في سوريا المحتلة الأحد الماضي أن ما يجري في البلد هو جزء من صفقة القرن، وأضاف في اجتماع لما تسمى اللجنة المركزية لحزب البعث، أن "ما شهدناه مؤخراً من هستيريا غربية قبل معركة إدلب، نابع من كونها تشكل أمراً مصيرياً بالنسبة لهم"، موضحاً أن "انتصار السوريين فيها سيؤدي إلى فشل خططهم إزاء سوريا -، وعودتها أخطر مما كانت عليه في وجه مشروعهم في المنطقة، إن كان بشكل "صفقة قرن" أو غيرها من الأشكال، وستشكل نموذجاً جديداً لدول المنطقة والعالم".

بشار رأى كذلك أن اتفاق إدلب مؤقت وحقق النظام من خلاله العديد من المكاسب الميدانية وفي مقدمتها حقن الدماء.

مبدئياً؛ ومنهجياً؛ نحن أمام دليل آخر على حالة الانفصام، وحتى الغيبوبة السياسية التي يعيشها الكيماوي منذ اندلاع الثورة حتى الآن، والخطاب هو نفسه حيث لم ينس شيئاً لم يتعلم شيئاً ولم يفهم شيئاً.

في المضمون لا أساس طبعاً لكلام بشار، وهو ثرثرة فارغة وهروب من الحقيقة ورؤية الواقع والوقائع كما هي. فزمنياً اندلعت ثورة الحرية والكرامة في سوريا منذ سبع سنوات ونصف، بينما لم يبصر مصطلح صفقة القرن النور إلا في العام الأخير.

غربياً أيضاً فإن ثمة اختلاف وتباين كبير في المواقف تجاه صفقة القرن، ولا يمكن في هذا الصدد أن نتحدث عن الغرب ككتلة واحدة، فبينما تبدو واشنطن - ترامب متحمسة

المواقف الغربية المنسجمة تجاه معركة إدلب هي متباينة تجاه صفقة القرن وعلى انسجامها لم تكن العامل الحاسم في منع معركة إدلب الأمر الذي حصل أساساً بفضل الموقف التركي القاطع والحاسم ضدها.

ومندفعة جداً تبدو العواصم الغربية الكبرى الأخرى برلين باريس ولندن متحفظة جداً ورافضة كونها تعرف أن الصفقة غير قابلة للعيش، هذا إذا مرت أصلاً في ظل الرفض الفلسطيني الحاسم والقاطع لها، وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية، ومع تأثير هذا الموقف على مواقف الدول العربية المركزية المحرجة التي لا تستطيع تأييد الخطة علناً والتساوق معها في ظل الرفض الفلسطيني العنيد لها.

ومن هنا فإن المواقف الغربية المنسجمة تجاه معركة إدلب هي متباينة تجاه صفقة القرن وعلى انسجامها لم تكن العامل الحاسم في منع معركة إدلب الأمر الذي حصل أساساً بفضل الموقف التركي القاطع والحاسم ضدها.

كما أن الموقف الغربي من معركة إدلب لم يكن مرتبطاً أبداً بصفقة القرن، ناهيك عن التباين حولها، وإنما بحسابات لها علاقة بالخلافات المتصاعدة مع روسيا حول ملفات وقضايا عدة، كما بالمقاربة التركية الذكية للملف سياسياً ديبلوماسياً وإعلامياً، واستخدام لغة يفهمها الغرب جيداً، عبر التركيز على التداعيات السلبية الأمنية على المنطقة برمتها، وطبعاً على أوروبا مع موجة مليونية جدية من اللاجئين و احتمال تخفي عناصر داعش وعناصر تكفيرية أخرى بينهم.

وبتفصيل أكثر فإن الغرب التحق متأخراً بالمواقف الرافضة لمعركة إدلب الرئيس الأمريكي ترامب نفسه أقرّ علناً أنه سمع بها لأول مرة من لاجئة سورية في تجمع انتخابي له، حذرته من مذبحة روسية بحق المدنيين في إدلب بحجة محاربة الإرهاب، قبل أن يرى الفكرة نفسها في تحقيق على الصفحات الداخلية لنيويورك تايمز التي لا يمر على صفحتها الأولى حسب تعبيره، فبادر إلى كتابة تغريدة رافضة وإعطاء أوامر للأجهزة والمؤسسات المعنية للتحرك، وحدث هذا بينما  كان السجال محتدماً أصلاً بين أنقرة وموسكو حول إدلب في ظل موقف إيراني ضبابي ومتردد بين الطبع والتطبّع، أي بين التحريض على الخيار العسكري إعادة احتلال النظام لكامل الأراضي السورية والقلق والارتياب من دوافع موسكو تجاه المعركة والتطورات في سوريا بشكل عام.

وفي كل الأحوال، وكما ذكرنا فإن عامل الغرب كان بشكل عام أحد العوامل التي أدت إلى منع المعركة، بينما تمثل العامل المركزي بالموقف التركي الحاسم الذي اعتبر المعركة وملف إدلب برمته جزء من الأمن القومي للبلاد، والذي وضع عملياً علاقته مع روسيا على المحك برسالة واضحة بأن مضي موسكو في المعركة سيؤثر على مسار آستانة – وفي السياق بالتأكيد على العلاقات الثنائية - والسعي من أجل الحلّ السياسي في سوريا مع العلم أن عدم حماس طهران للمعركة كان أيضاً أحد العوامل، ولو الهامشية وغير الرئيسية لمنعها، بينما كان هيجان الحشد الشعبي الإعلامي التابع والمدار إيرانياً تعبيراً عن القاعدة الشهيرة والصحيحة الطبع يغلب التطبّع.

أما حديث بشار عن المؤامرة ضد سوريا مع الانتباه إلى أنه يقصد الكيان الطائفي البشع والبغيض الذي يسميه سوريا المتجانسة، فهو تعبير عن حالة الإنكار المزمنة لديه، وتجاهل الأسباب الحقيقية العادلة وراء ثورة الشعب السوري ضد نظامه الطائفي الاستبدادي الفاسد والبغيض. والحقيقة أن ثمة موقف غربي لا مبالي تجاه الثورة السورية وجرائم بشار الأسد متعددة المستويات والأسلحة، وهو  تدخل بشكل خجول متأخر وغير كافٍ وصول موجات المهاجرين إليه، وبعدما بات استخدام النظام للسلاح الكيماوي فظّاً ومحرجاً للغرب، كما المؤسسات الدولية ذات الصلة.

وإذا كان ثمة مؤامرة غربية ودولية فهي حتماً ضد سوريا العظيمة وثورتها مع تقاعس الغرب عن دعم ومساعدة الشعب الثائر

حالة الانفصام والغيبوبة السياسية كانت حاضرة كذلك في حديث بشار عن الطابع المؤقت لاتفاق إدلب والزعم بتحقيق النظام للعديد من المكاسب الميدانية بما فيها حقن الدماء

وغض الطرف عن تجاوز بشار لكل المحرمات والمواثيق الدولية واستجلابه للاحتلالات والوصايات الأجنبية والميليشيات غير الشرعية، ودون موافقة حكوماتها وأخيراً تساوقه أي الغرب مع الاحتلال الروسي لسوريا، الذي لم يواجه بموقف حاسم وصارم كما جرى مع ضم روسيا للقرم واحتلال أجزاء من شرق أوكرانيا.

حالة الانفصام والغيبوبة السياسية كانت حاضرة كذلك في حديث بشار عن الطابع المؤقت لاتفاق إدلب والزعم بتحقيق النظام للعديد من المكاسب الميدانية بما فيها حقن الدماء، وبالتأكيد فلا انفصام أو إنكار أكثر حديث المجرم الذي قتل مليون مواطن وهجر ودمّر نصف البلد عن حقن الدماء.

 كما أن الاتفاق نفسه تم أصلاً بعيدا عن النظام الخاضع تماماً للوصاية الروسية، بينما كان إعلام النظام يعبىء ويحرض على إدلب وأهلها، وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن وصاية مماثلة لدى المعارضة والشعب المظلوم الذي واجه النظام العصابة وإيران وميليشياتها، كما الاحتلال الروسي واستنجد بتركيا الأخ الجار الحليف والصديق الوحيد تقريباً للشعب السوري وثورته.

الحديث عن الطابع المؤقت للاتفاق يحمل كذلك إنكارا وهروبا من رؤية الحقيقة والواقع والطابع المؤقت لا يندرج في سياق مزاعم بشار وأبواقه، وإنما في سياق إبقاء الأمل حيّاً في العملية السياسية، وإمكان التوصل إلى حلّ سياسي عادل وشامل وقابل للحياة في سوريا.

الزعم بمواجهة المشاريع الغربية في المنطقة هو أيضاً كاذب ومجافٍ للحقيقة والوقائع التاريخية التي تفيد أن سوريا العظيمة فعلت ذلك دائماً عبر مواجهة الغزاة بثبات وعناد وتصميم، حتى دحرهم وهزيمتهم. أما سوريا الأسد المتجانسة والمفيدة لبشار وعصابته فقد تساوقت وتواطأت مع كل الغزاة لأهداف ومصالح فئوية ضيقة ثم سعت إلى  قصم ظهر منظمة التحرير للاستئثار والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وتدخلت في لبنان لسحق المنظمة والحركة الوطنية  اللبنانية بضوء أخضر أمريكي - إسرائيلي صريح ومباشر.

وفي الأخير أي نموذج يقدمه بشار للمنطقة والعالم بعد المذابح وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد البشر والحجر في سوريا. والحقيقة أن النموذج قدمه ويقدمه الشعب السوري الثائر الذي أبهر العالم بصموده وإصراره على تحقيق أهدافه وآماله المشروعة في الحرية والكرامة وتقرير المصير، بعيداً عن بشار وعصابته.