هل توفرت الإرادة لإنهاء الانقسام الفلسطيني؟

2022.10.16 | 05:36 دمشق

هل توفرت الإرادة لإنهاء الانقسام الفلسطيني
+A
حجم الخط
-A

يحتاج اتفاق المصالحة، الذي وقعه 14 فصيلاً فلسطينياً في الجزائر، إلى توفر إرادة سياسية من أجل تنفيذه على الأرض، وبما يفضي إلى إنهاء حالة الصراع والانقسام المستمرة منذ 15 عاماً بين حركة "حماس" المسيطرة على قطاع غزة، وحركة "فتح" التي تحكم الضفة الغربية، إذ ليست المرة الأولى التي توقع فيها الحركتان على اتفاق مصالحة بينهما، لكن من دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ، وما يعزز ذلك هو أن البنود التسعة لاتفاق الجزائر، لا يتضمن أي منها آلية للتطبيق ولا إطاراً زمنياً، وهو ما يترك الباب مفتوحاً أمام تحديات تطبيقه، ويضعه في سياق عام وغائم يهدد بإجهاضه قبل أن يجف حبر كتابته.

ولم يخرج ما ورد في اتفاق الجزائر عما ورد في اتفاقيات سابقة، لذلك لم يأت بجديد، واكتفى بالمطالبة مجدداً بـ"تعزيز وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بجميع مكوناته ولا بديل عنه"، وبـ "انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج حيث ما أمكن، بنظام التمثيل النسبي الكامل وفق الصيغة المتفق عليها والقوانين المعتمدة بمشاركة جميع القوى الفلسطينية خلال مدة أقصاها عام واحد من تاريخ التوقيع على هذا الإعلان". إلى جانب المطالبة بـ"الإسراع بإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية"، و"توحيد المؤسسات الوطنية الفلسطينية وتجنيد الطاقات والموارد المتاحة الضرورية لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ودعم البنية التحتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني بما يدعم صموده في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي"، و"التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية كأساس للصمود والتصدي ومقاومة الاحتلال، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك عن طريق الانتخابات، اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة الوطنية عبر إنهاء الانقسام".

لا معنى للبندين المتعلقين بتوحيد المؤسسات والانتخابات، إن لم تكن هناك حكومة موحدة قادرة على توحيدها، وتتولى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية

وكان لافتاً غياب البند الذي كان ينص في مسودة الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، والأرجح أن صياغته لم تعجب بعض قادة فتح وحماس فتمت إزالته، وبالتالي لا معنى للبندين المتعلقين بتوحيد المؤسسات والانتخابات، إن لم تكن هناك حكومة موحدة قادرة على توحيدها، وتتولى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية ووضع قانونها، الأمر الذي يشي بتحول الاتفاق إلى ما يشبه ورقة إعلان مبادئ تحتاج إلى خارطة طريق وخطة عمل محكمة وواضحة لتنفيذها.

وشهدت السنوات السابقة وساطات عربية عديدة ما بين حماس وفتح، وطرح خلالها مبادرات لإنهاء الصراع بينهما، كما تمّ التوصل إلى عدة اتفاقيات، أبرزها "اتفاق مكة" في 8 فبراير/ شباط 2007 برعاية العاهل السعودي السابق، عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وبعده بعامين قدمت مصر ما سُمي بـ"الورقة المصرية" بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008، من أجل إنهاء الانقسام وتقريب وجهات النظر بين الحركتين، ثم عقدت اجتماعات ولقاءات بين ممثلي الحركتين في القاهرة في سبتمبر/ أيلول 2009، وفي 4 مايو/ أيار 2011. وتكررت اجتماعات مشابهة في العاصمة القطرية الدوحة، ونتج عنها اتفاق للمصالحة في 6 فبراير/ شباط 2012، لكن كل المبادرات والاتفاقيات لم تترجم على الأرض وذهبت أدراج الريح، والأمر نفسه انسحب على "اتفاق الشاطئ" في أبريل/ نيسان 2014 الذي وقع في غزة، وعلى اتفاق القاهرة في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017.

اتفاق الجزائر يمكن النظر إليه بوصفه مجرد اتفاق شكلي، ومجاملة لساسة الجزائر، الذين تربطهم علاقات مع كل الفصائل الفلسطينية، ويريدون الإيحاء بالتوصل إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني

وعلى الرغم من تعويل البعض على الدور الجزائري، والحديث عن التناغم والتعاون بين الفصائل لتخطي الخلافات والتوصل إلى تفاهمات، تنهض على أرضية مشتركة، إلا أن كل ذلك لا يعني الوصول إلى شيء على أرض الواقع، خاصة وأن قادة الحركتين تمرسوا في الظهور بمظهر الساعي إلى قبول الحوار وتوقيع الاتفاقيات، في حين أنهم يخضعون كل بنودها لتوظيفاتهم وفهمهم الخاص لها، فهم يريدون حكومة الوحدة الوطنية وانتخابات تفصل على مقاسهم ووفق رغبتهم ومعاييرهم وبالمواصفات التي يضعونها، ومستعدون لمجاملة كافة الوسطاء، وبالتالي فإن اتفاق الجزائر يمكن النظر إليه بوصفه مجرد اتفاق شكلي، ومجاملة لساسة الجزائر، الذين تربطهم علاقات مع كل الفصائل الفلسطينية، ويريدون الإيحاء بالتوصل إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، كونهم يريدون إظهار الجرائر رائدة للعمل العربي مع اقتراب عقد القمة العربية في بداية نوفمبر المقبل في عاصمة بلادهم، لذلك حاولوا تكثيف مساعيهم وجهودهم من أجل تحقيق حضور عربي كبير فيها، فبذلوا مساعي كبيرة من أجل تحقيق إجماع عربي يُمكّنهم من دعوة نظام الأسد لحضور القمة، وإعادته إلى الجامعة العربية، لكنها باءت بالفشل الذريع.

ولعل حالة عدم الاكتراث التي قابل بها الشارع الفلسطيني اتفاق الجزائر، تعكس اقتناع غالبية الفلسطينيين بعدم جدواه، وأنه لن يجد طريقه إلى التطبيق مثل الاتفاقات التي سبقته، في حين أن طريق إنهاء الانقسام يبدأ بتوفر الإرادة السياسية لتنفيذ التفاهمات والاتفاقيات، وبما يسحب الذريعة من قوى الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه التي تحاول إخراج القضية الفلسطينية، بوصفها قضية مركزية وعادلة لشعب يواجه أعتى أنواع الاحتلال، وتحويلها إلى مجرد أزمة داخلية بين فصيل "متشدد" وآخر "معتدل".

غير أن الوضع الفلسطيني الداخلي يحتاج إلى ما هو أكبر من مجرد اتفاق شكلي بين الفصائل، ومحكوم بالتفاهم والحوار وتوحيد الجهود، بغية الوصول إلى إجماع وطني بين مختلف القوى والفصائل الفلسطينية، وذلك كي يقوى على التصدي للممارسات العدوانية للاحتلال الإسرائيلي، ولن يتم ذلك إلا عبر التوصل إلى آلية سلمية وآمنة للخلاص من الصراع الفصائلي، خصوصاً وأن طريق الصراع على السلطة لم يعد يتحمله الشعب الفلسطيني المصاب بالعديد من الخيبات والاحباطات، ويعي جيداً أن أسباب الانقسام الفلسطيني عديدة، داخلية وخارجية، لكن أساسها يرجع إلى الصراع على السلطة، مع أنها ليست بسلطة، ما بين قادة "حماس" و"فتح"، وذلك بعد تحول كل منهما إلى سلطة تحت سلطة الاحتلال، ولم يعد يُغلّب الصراع مع الاحتلال على صراعه على السلطة، فبقي أسير إرهاصات ومفاعيل لعبة هذا الصراع.