هل تنجح الأنظمة العربية بتعويم مجرم حرب؟

2021.05.09 | 06:29 دمشق

jamt-aldwl-alrbyt-nzam-alasd.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدو إعادة إحياء نظام بشار الأسد وإعادته إلى الحياة مستمرة؛ حيث تواصل روسيا وإيران بالإضافة إلى بعض الأنظمة العربية دعمه بما يحقق لها المزيد من النفوذ بالملف السوري الذي يتدخل به الجميع، وبما ينعكس على سياستها الخارجية بالملفات الأخرى بالمنطقة.

ورغم الحرب الشعواء التي قادها النظام على شعبه وتسببت بمقتل مئات آلاف الأشخاص، وأرقام هائلة من الجرحى والمعتقلين والنازحين والمشردين والجوعى، وخراب البلد، وانهيار الاقتصاد، وتحويل السوريين إلى لاجئين على أبواب الأمم المتحدة وعطايا الدول، تستخدم بعض الأنظمة العربية مصالحها الضيقة في محاولات إعادة الأسد إلى حضن جامعتها العربية.

وتظن تلك الدول أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تعزيز سيطرة الأسد على كامل سوريا مجدداً - التي يوجد فيها قوات لروسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بالإضافة إلى الميليشيات والفصائل المسلحة - ما سيساعده بالتهرب من المساءلة عن جرائم حرب لا يمكن إسقاطها أخلاقياً وشعبياً.

التعويم

ومع اقتراب عقد قمة الزعماء العرب المقرر عقدها في الجزائر في أيار/ مايو 2021، تسعى أنظمة عربية على رأسهم مصر والإمارات والجزائر لإعادة الأسد إلى كرسيه بالجامعة بعد غياب استمر عشر سنوات منذ تعليق عضوية سوريا في تشرين الثاني نوفمبر 2011، بعد حوالي 8 أشهر على بدء استخدام النظام لآلة القتل ضد المتظاهرين السوريين المطالبين بالحرية والكرامة.

ولا يأتي التحرك العربي دون دعم من روسيا التي تجري حملة علاقات عامة موسعة لفك العزلة عن آخر أنظمتها في المنطقة العربية، حيث أجرى وزير خارجية موسكو سيرغي لافروف جولات بعواصم عربية عدة لإعادة تعويم الأسد عربياً على الأقل في المرحلة الحالية.

وفي تزامن مع ذلك أعلن النظام عن بدء تحضيراته لمسلسل الانتخابات الرئاسية مع وجود مرشحين "كومبارس" من أجل استمرار رأس النظام في الحكم لمدة 7 سنوات أخرى، في إعادة لمشهد سابق جرى عام 2014، حين أجرى النظام الانتخابات رغم الحرب المدمرة التي كان يخوضها ضد المدن السورية وبعد أقل من عام على ارتكابه لمجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية عام 2013.

صحيح أن الجامعة العربية، ميتة ولا حياة فيها لمن تنادي، ولم يكن لها أي دور يذكر منذ تأسست، إلا أن هذه الخطوة تحمل معانيَ رمزية، وتشير إلى الدور الذي لعبته دول عربية كثيرة في إسقاط الثورة السورية وإفشالها عبر حصول دعم سابق للنظام على مدار العقد الماضي.

تقود الإمارات منذ أواخر عام 2018 مشروع إعادة النظام إلى الجامعة العربية، بهدف تعويمه عربياً

وتتجاوز هذه الأنظمة السياسة الأميركية التي تعتمد على "قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015" والذي يقضي بتحقيق انتقال سياسي سلمي للسلطة في البلاد، فيما أن بعض دول المنطقة تريد أن تلعب دور القوى الإقليمية التي لديها مصالحها في المنافسة مع السياسة الأميركية.

وتقود الإمارات منذ أواخر عام 2018 مشروع إعادة النظام إلى الجامعة العربية، بهدف تعويمه عربياً، فقد أعادت فتح سفارتها في دمشق وهاتف ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بشار الأسد في آذار/مارس 2020 بحجة تفشي وباء فيروس كورونا، وأرسل مساعدات طبية لأكثر من مرة إلى دمشق.

ولم تتمكن أبوظبي حتى الآن من عقد لقاءات موسعة علنية مع بشار الأسد لأنها كانت تصطدم بقانون قيصر الأميركي الذي يفرض عقوبات على النظام السوري، وتتعامل بحذر مع التحذيرات الأميركية التي أطلقها مبعوث واشنطن المعني بملف سوريا جيمس جيفري.

في مقابل ذلك لم تتوقف عن الحديث عن ضرورة تعويم الأسد، ووقف قانون قيصر، حيث اعتبر وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الروسي أن "القيود الاقتصادية الأميركية تجعل الأمر صعباً"، مشيراً إلى إعادة إعمار سوريا ما بعد الحرب.

خارطة الوصال مع الأسد

ورغم التنافس الذي كان مشتعلاً لسنوات بين الأنظمة العربية، إلا أنها بذلت كل جهودها لإسقاط الربيع العربي في دوله الخمس، ومولت الدول العميقة والجيش والقوى الأمنية لقمع أي حراك شعبي قد يؤدي إلى حكومات ديمقراطية وطنية تهدد وجودها أو مصالحها بالترتيب مع القوى الإقليمية والعالمية التي تتفق معها بالنتائج.

ولم تقطع حكومات كل من لبنان والعراق والجزائر وسلطنة عُمان والبحرين العلاقات بشكل نهائي مع النظام اتباعاً لقرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سوريا وسحب السفراء عام 2011، حيث استمرت الصلة بين النظام وبينهم وإن بالحد الأدنى، والتي تطورت في الآونة الأخيرة.

وقبل خطوة الإمارات بإعادة افتتاح سفارتها بدمشق ونشاطها الواسع لدعم النظام السوري، أعادت تونس (المحسوبة على خط الربيع العربي) فتح سفارتها بدمشق عام 2015.

من جانبه، أكّد رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أن القاهرة تدعم الجيوش الوطنية في المنطقة العربية ولحفظ الأمن والاستقرار في إشارة إلى دعمه لجيش الأسد، خصوصاً أن الكثير من التقارير أكّدت وجود أسلحة وذخائر مصرية قصف بها النظام المدنيين على طول الحرب السورية.

وكانت المملكة الأردنية قد أرسلت قائماً بالأعمال إلى دمشق عام 2019، بعد أن أعادت افتتاح معبر نصيب - جابر الحدودي مع سوريا عام 2018، والذي أغلق لأكثر من 3 سنوات في ظل علاقة بدت متوترة.

وقبل أن يسقط رئيس السودان عمر البشير بفترة وجيز طار في ديسمبر 2018 إلى دمشق كأول رئيس عربي يزور سوريا منذ اندلاع الثورة، والتقى بشار الأسد، وبعد ذلك قام الحراك السوداني وانقلب الجيش على البشير وأودعه السجن، ولم تخرج أي تصريحات تذكر من الخرطوم بخصوص سوريا.

وشاركت سلطنة عُمان بمؤتمر إعادة اللاجئين الذي عقدته روسيا في دمشق ولم يحقق أي أثر، عبر إرسال مندوبين عنها في نوفمبر 2020، وفي العام نفسه أعادت مسقط سفيرها إلى سوريا كأول دولة خليجية تقدم على هذه الخطوة.

وزار وزير خارجية النظام الجديد فيصل المقداد العاصمة مسقط في آذار/ مارس 2021 بزيارة رسمية لأول مرة إلى دولة خليجية.

وفي نيسان أبريل 2021 دعا رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية مع تشجيع الحوار الداخلي فيها.

وأيده في ذلك وزير خارجية مصر سامح شكري مؤكداً على أنه من الضروري عودة النظام إلى جامعة الدول العربية والحاضنة العربية.

ويوجد للنظام السوري اليوم علاقات مع لبنان ومصر وتونس وسلطنة عُمان والإمارات والبحرين والعراق والجزائر والسودان والأردن والحوثيين باليمن وربما دول أخرى بشكل غير علني، رغم أن عواصم قليلة من المذكورة لها ثقل سياسي إلا أن إجماعها قد يبرز مساهمتها في إفشال الثورة السورية.

وفي الحديث عن المملكة العربية السعودية التي من الممكن أن يكون لها الثقل في عودة النظام إلى الجامعة، فقد كانت منذ عام 2012 من أبرز مناهضي نظام الأسد باعتباره حليفاً لإيران، وقد دعمت الجيش السوري الحر والفصائل المقاتلة والمعارضة السياسية بالمال والدعم، وتستضيف حتى اليوم اللجنة العليا للمفاوضات في العاصمة الرياض وتمول عملها، وهي تمثل أطياف المعارضة في التفاوض مع النظام تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية.

ورغم تأكيد السعودية لسنوات أن الأسد سيسقط إما عسكرياً أو بحل السياسي، اقتصر خطابها في السنوات الأخيرة على دعمها الحل السياسي وفق مقررات الأمم المتحدة.

وأكّدت الخارجية السعودية في 7 أيار/ مايو أن ما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية أن رئيس الاستخبارات السعودي زار دمشق في 3 أيار/ مايو 2021 لإجراء محادثات مع نظيره السوري، في أول اجتماع علني من نوعه منذ بدء الثورة السورية، وتباحثا بإعادة العلاقات وفتح السفارات، هو غير دقيق.

استمرار واشنطن على ذات السياسة بخصوص سوريا، أي لا تطبيع للعلاقة ولا رفع للعقوبات دون الوصول لحل سياسي

ويعني هذا أن السعودية لم تنف حصول المحادثات، إنما نفت عودة العلاقات، وهي بين خيارين إما الذهاب بعيداً في علاقة جديدة مع الأسد في ظل محادثاتها مع إيران الجارية في العراق، أو أنها ستبقى في الظل الأميركي خصوصاً مع إعلان الموقف السياسي الأميركي من الأزمة السورية على لسان الرئيس جو بايدن والذي يؤكد استمرار واشنطن على ذات السياسة بخصوص سوريا، أي لا تطبيع للعلاقة ولا رفع للعقوبات دون الوصول لحل سياسي.

نصائح أميركية

تبدو السياسة الأميركية الحالية استكمالاً لسياسة باراك أوباما ودونالد ترامب، لا جديد فيها، فمن المستبعد أن تتمكن الدول العربية من إعادة النظام إلى الجامعة، وستفشل كما سعت بعضها منذ عدة أعوام لإعادته إلا أن الفيتو الأميركي حرمها ذلك.

ما يعني أن سياسة بايدن ستبقي الوضع السوري على حاله في الوقت الراهن، فقد أصدر "معهد دراسات الحرب" الأميركي، دراسة في 6 أيار/ مايو 2021 حذر فيها إدارة بايدن، من الوقوع بخمسة فخاخ خطيرة، في أثناء إعادة واشنطن صياغة سياستها في سوريا.

وحذر المركز واشنطن من "إعادة التطبيع مع الأسد، أو دعم أو منح الاستقلال للميليشيات الكردية"، داعياً الإدارة لعدم الانسحاب العسكري من سوريا، وألا تقع في فخّ التطبيع مع "أبو محمد الجولاني" زعيم "هيئة تحرير الشام"، وأخيراً عدم الوثوق بالدور الروسي في سوريا.