هل تمكنت قمة الجزائر من "لم الشمل" العربي؟

2022.11.08 | 07:21 دمشق

القمة العربية في الجزائر ـ الأناضول
+A
حجم الخط
-A

بعد أن انفضت القمة العربية التي عقدت دورتها الـ 31 في الجزائر، تحت يافطة "لمّ الشمل وتعزيز العمل العربي المشترك"، حسبما أرادت القيادة السياسية الجزائرية تسميتها، فإن السؤال الرئيسي الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل تمكنت بالفعل من "لم شمل" العالم العربي الذي تعصف به الأزمات، والصراعات الداخلية والبينية، ويعاني من إرهاصات الاصطفافات الإقليمية والدولية السياسية والعسكرية والأمنية؟

إجابة هذا السؤال سبقت انعقاد القمة، وجسدتها الخلافات والتباينات في المواقف والآراء التي شهدتها الاجتماعات التحضيرية لوزراء الخارجية العرب قبيل انعقاد القمة، إضافة إلى غياب العديد من الرؤساء والملوك العرب عن حضورها، والتمثيل المنخفض لعدد من الدول العربية، على الرغم من أنها عقدت على وقع مشهد إقليمي ودولي مضطربين، وبجدول أعمال مثقل بالملفات والتحديات التي فرضتها التطورات الدولية المتسارعة، وتصدرته القضية الفلسطينية ومستجداتها، والأوضاع الكارثية في كل من سوريا وليبيا واليمن والسودان، إضافة إلى ملفي التدخلات الإيرانية والتركية في الأوضاع والقضايا العربية، وكيفية صيانة الأمن القومي العربي، وملفات الإرهاب وتأثيره في المنطقة، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وما استتبعتها من أزمات في مجالي الطاقة والأمن الغذائي، فضلاً عن الأمن الغذائي والمائي العربي وأزمة الطاقة وملفات تجارية وإصلاح الجامعة العربية.

ولا يدعو إلى التفاؤل البيان الختامي الذي صدر عن القمة، ولا ما دار في أروقتها، فليس هناك ما يشير إلى حصول تفاهمات أو توافقات بين الدول العربية، وخاصة حول الملفات الخلافية الساخنة، والقابلة للانفجار في أي وقت، وحتى المحاولة الجزائرية، التي تكللت بجمع قادة من حركتي "فتح" و"حماس" قبيل انعقاد القمة، لم تفضي إلى التقدم ولو بخطوة واحدة عملية في طريق إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، كما لم يصدر عن القمة ما يدعم اتخاذ خطوات عملية "لتعزيز الصف العربي"، وإعطاء القضية الفلسطينية الأولوية في وقت تُزاحمها كثير من القضايا، وخاصة بعد اتفاقيات أبراهام التي فتحت باب تطبيع بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل. كما أن قمة الجزائر لم تشكل محطة لتحقيق "انفراجات" العلاقات العربية البينية، إذ لم يتغير شيء في القطيعة بين الجزائر والمغرب، فالمخاوف لم تتبدد، والألغام مازالت متعددة، وإزالتها مهمة صعبة جداً.

ولعل عدم مشاركة ملك المغرب، محمد السادس في القمة، يشي بأن القطيعة والخلافات ما تزال قائمة بين الجزائر والمغرب، وذلك مع استمرار قطع كافة العلاقات بينهما منذ أن قررت الجزائر قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 24 أغسطس/ آب 2021، وحظرت عبور الطائرات المغربية مجالها الجوي، فيما يتواصل إغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ عام 1994، وكان الأجدى بالجزائر أن تقوم بخطوات من أجل كسر الجليد بين البلدين، مثل استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، التي يمكنها تمهيد الطريق للوصول إلى لم الشمل مع جارتها الشقيقة.

كما أن نجاح أي قمة يعتمد على مستوى مشاركة القادة والرؤساء العرب فيها، وتطبيق القرارات التي تصدر عنها، لذلك فإن غياب ثلث الرؤساء والقادة العرب، بالرغم من تذرع بعضهم بأسباب طبية، يُفهم منه تقديم أعذار لتفادي المواجهة والصدام، ويعكس مدى الانقسامات والخلافات بين الأنظمة العربية، وعدم قدرة مؤسسة الجامعة العربية على حلحلتها، وعجزها عن تحقيق إجماع عربي، بما يعني أنها لا تشكل سوى مظلة فارغة وشكلانية، ولا تقيم لها الأنظمة وزناً، بدليل أن قرارات جميع القمم العربية السابقة بقيت طي الأدراج المغلقة، بالرغم من أنها تتخذ بالإجماع والتوافق بين قادة الأنظمة، وبالتالي لن يختلف مصير مقررات قمة الجزائر عما حلّ بسابقاتها، فضلاً عن أن الشارع العربي وقواه الحيّة لم تعد تراهن منذ زمن بعيد على مقررات القمم العربية من أجل تحقيق أبسط مقومات التضامن العربي والعمل العربي المشترك، ناهيك عن عدم مراهنته عليها من أجل تحسين أوضاعه المعيشية وإنقاذه من الأزمات المتعددة.

ولم يكن التطبيع النقطة الخلافية، سواء على جدول أعمال القمة أم في المناقشات التمهيدية لها، إذ شكلت إيران وتركيا نقطتي خلاف أساسية، حيث الانقسام سيد الموقف، خاصة حيال تزايد النفوذ الإيراني في منطقة المشرق العربي وامتداده إلى مغربها، وذلك بعد أن سمحت القيادة الجزائرية بوصول هذا النفوذ إلى المنطقة المغاربية.

وإذا كانت القيادة الجزائرية قد اختارت الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، المواكب للذكرى الـ 68 لانطلاق الثورة الجزائرية من أجل عقد القمة، إلا أنه لم يمنحها بعداً تحررياً على الرغم من محاولتها الإيحاء بذلك عبر محاولتها عقد مصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، إذ إن خلافاتهما تتجاوز الاتفاق الهش الذي تمخض عن اجتماع قيادتيهما في الجزائر قبيل القمة، ويطاول نقاطاً خلافية عديدة، تتعلق بوحدة المواقف والرؤى في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتوصل إلى حكومة موحدة، تعمل على تهيئة الظروف المناسبة من أجل الوصول إلى الانتخابات التشريعية، والرئاسية وسوى ذلك.

والمشكلة أن القيادة الجزائرية حينما بدأت منذ عام 2019 تحضيراتها لعقد قمة "لم الشمل"، راحت تبذل جهوداً حثيثة من أجل إعادة عضوية نظام الأسد إلى الجامعة العربية التي استُبعد منها قبل نحو 10 أعوام، وشكل ذلك نقطة خلاف بين الدول العربية، نظراً لانقسام المواقف وتباعدها من النظام، لذلك فشلت مساعيها، وانتهى الأمر بتفضيلها عقد القمة على تفجيرها مبكراً، لأن مجرد عقد القمة كان هدفاً بحدّ ذاته.

بالمقابل، دأبت السلطات الجزائرية على مضايقة واعتقال أعداد من اللاجئين السوريين، ورحّلت بعضهم إلى دمشق غير آبهة بمصيرهم، فيما اضطرت تحت ضغط المنظمات الحقوقية إلى ترحيل بعضهم الآخر إلى الخرطوم، وقامت مؤخراً بترحيل آخرين إلى الحدود مع نيجيريا، وتركتهم في العراء، بل واتهمتهم بالإرهاب وبتهديد أمن الجزائر، وذلك كي يكتمل لمّ الشمل العربي وفق مفهومها المعرقل له.

لقد كان الرهان خاسراً على تحقيق قمة الجزائر هدفها في لم الشمل وتعزيز العمل العربي المشترك، بالرغم من أنه مطلوب في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية، والتحديات التي تحملها تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، على مستويات الأمن والطاقة والغذاء، والتي تتطلب مواجهتها رداً جماعياً، وليس تدابير منفردة، لكن ذلك لم يتحقق، لأنه لم تتوفر الإرادة السياسية الموحدة المطلوبة لذلك.