هل تصمد الغوطة؟.. قراءة "متشائلة"

2018.03.04 | 10:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مضى نحو 14 يوماً على بداية الهجوم العسكري على الغوطة الشرقية الذي تشترك في تنفيذه قوات النظام والميليشيات الإيرانية مع سلاح الجو الروسي. وباستثناء الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين خلال الأيام الأولى للقصف، لم تسطع القوات المهاجمة تحقيق اختراق عسكريّ حقيقي بريًا، ونجحت فصائل المقاومة، غير مرة، في رد المعتدين، وألحقت بهم خسائر بشرية ومادية كبيرة. وأمام هذا الصمود الاستثنائي، تثار أسئلة عديدة حول مسار ومصير المعركة في الغوطة. هل يتكرر سيناريو حلب هناك كما تخطط روسيا أم أن المقاومة ستفرص مسارات مغايرة لما حدث في حلب نهاية عام 2016؟

تدل مختلف المؤشرات القادمة من الميدان، أو تلك التي يفرزها الحراك الدولي المناوئ لروسيا في المنظمات الدوليّة على صعوبة استنساخ سيناريو حلب في الغوطة على المدى المنظور نظرًا للاختلاف الجذري بين التجربتين. فبخلاف مدينة حلب، كانت مدن وقرى الغوطة من أوائل المشاركين في الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في منتصف آذار/ مارس 2011، وقد ثابر أهلوها على الاحتجاجات السلمية لفترة طويلة قبل انتقالهم إلى العمل المسلح. وبكلمات أخرى، جاء العمل المسلح في الغوطة ضمن سيرورة احتجاجية تراكمية فرضها عنف النظام ونزوع الأهالي لرد الحملات العسكرية والأمنية المختلفة عن مناطقهم وبيوتهم. في ضوء ذلك، لا يعد العمل المسلح غريبًا عن المجتمعات المحلية، ولم يأت ضمن دينامية انتقام الريف من المدينة أو تثوير المدينة بشكل قسري كما حصل في مدينة حلب منذ تموز/ يوليو 2012.

"لا يوجد هوة أيديولوجية كبيرة بين الفصائل المقاتلة في الغوطة والحاضنة الشعبيّة"

لذلك، استطاعت الغوطة مواجهة حملات عسكرية مشابهة خلال السنوات الماضيّة، إذ لطالما حمل المدنيون السلاح دفاعًا عن مناطقهم جنبًا إلى جنب مع مقاتلي الفصائل عند شعورهم بخطر داهم أو عند حاجة فصائل المعارضة إلى المدد العددي. أضف إلى ذلك، لا يوجد هوة أيديولوجية كبيرة بين الفصائل المقاتلة في الغوطة والحاضنة الشعبيّة، بل إن الأخيرة تمثل انعكاسًا للتيارات السائد مناطقيًا. فعلى سبيل المثال، يعبر جيش الإسلام في أيديولوجيته السياسية والدينية عن "السلفية العلمية" التي استقرت لعقود ماضية ضمن مدينة دوما ومحيطها. كما يعبر فيلق الرحمن في تشكله وتطوره عن تقاطعات " المدرسة الإخوانية" و" التيار الصوفي" في جوبر والقطاع الأوسط.

من جهة أخرى، تبرز اختلافات جذرية بين تجربة حلب والغوطة، ذلك أن الأخيرة تخضع منذ أربع سنوات إلى حصار من جهات مختلفة. وعلى الرغم من آثاره الوخيمة إنسانيا ومعيشيا، فإن من فضل البقاء داخل الغوطة خبر أيامًا عجافًا خلال الحصار السابق، واستطاع ابتكار وسائل مختلف لمواجهته. من هنا، استطاعت المجالس المحلية تجهيز بعض المقومات الرئيسية المساعدة على الصمود كالملاجئ ومستلزماتها، والزراعة القادرة على تأمين حد أدنى من المستلزمات الغذائية اللازمة للحياة اليومية، بالإضافة إلى بعض الأنفاق.

في ضوء الواقع السابق، وما نشهده حاليًا من تحركات دوليّة وإقليمية لمنع تكرار سيناريو التهجير والتغيير الديموغرافي في الغوطة، فإنه من المرجح أن تصمد الغوطة لفترة طويلة إذا ما استطاعت تجاوز مسائل بنيوية خطيرة من أبرزها:

تجنب الصراع الفصائلي وتجاوز المعضلة المناطقية: كما أوضحنا أعلاه،

"إن الخلافات والمواجهات التي كان يغذيها العامل المناطقي ساهمت في خسارة مساحات في الحيز الجغرافي المحيط بالغوطة".

نشأت الفصائل المسلحة ضمن دينامية تسلح المجتمعات المحليّة. لكن المتابع للتفاعلات السيسو- اجتماعية في الغوطة يلمس أثر البعد المناطقي في توجيه مخرجات العمل المسلح خلال السنوات الماضية. فالتنافس المناطقي كان عاملًا أساسيًا في فشل توحيد الجهد العسكري، ومثل أحد الدوافع الرئيسيّة في المواجهات المسلحة البينية بين الفصائل أكان بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن، أو بين الجيش والأحرار والنصرة. ومع أن فصائل الغوطة استطاعت على مدار الأعوام الماضية تحصين حدود قطاعتها المناطقية، فإن الخلافات والمواجهات التي كان يغذيها العامل المناطقي ساهمت في خسارة مساحات في الحيز الجغرافي المحيط بالغوطة. ولطالما برمج النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه تقدمهم العسكري بالغوطة على إيقاع خلافات الفصائل وصراعاتها. صحيح أن التهديد الراهن قد يكون دافعا للفصائل لتجاوز خلافاتها السابقة،

"تتمتع الفصائل الأساسية في الغوطة بعلاقات متميزة مع قوى إقليمية ودول عربية متنافسة"

فإن الاستفزازات اليومية المتبادلة قد تؤدي إلى انفجار المواجهة المسلحة من جديد بما يعيد للأذهان ذكريات هزيمة حلب حين نهشت الفصائل لحم بعض بالتزامن  مع تقدم النظام داخل الأحياء الشرقية للمدينة.

تجنب المحاور الإقليمية: تتمتع الفصائل الأساسية في الغوطة بعلاقات متميزة مع قوى إقليمية ودول عربية متنافسة. يحسب جيش الإسلام سياسيًا وأيديولوجيا على السعوديّة، وقد نسجت بعض قياداته مؤخرا خيوط علاقة غير مفهومة مع مصر. على الجهة المقابلة، يرتبط فيلق الرحمن وأحرار الشام بعلاقات متينة مع تركيا وقطر ويحظى الفصيلان بدعم سياسي وعسكري من هاتين الدولتين. ومع أن الخلاف المناطقي يمثل الخطر الرئيس في صراعات الفصائل، فإن خلافات الداعمين قد يكون لها بالغ الأثر إذ لم تعِ الفصائل والقوى الإقليمية ضرورة التعامل مع الغوطة كوحدة عسكرية واحدة في مواجهة النظام، وليست كساحة مواجهة لتعزيز النفوذ الإقليمي.

جبهة النصرة: لطالما كان وجود الجبهة عامل خلاف بين الفصائل، وقد اتهم فيلق الرحمن دائمًا بحماية هؤلاء المقاتلين دون وجه مصلحة. صحيح أن البيان الأخير للفصائل يمثل تطورا هامًا في هذه المسائلة، فإن تطبيق ما جاء فيه يقوي من موقف الفصائل دوليا ويسحب الذرائع من روسيا أيضًا.

التنسيق بين السياسي والعسكري: كان غياب التنسيق بين الأطر السياسية للمعارضة والفصائل المسلحة على الأرض أحد أهم أسباب هزيمة حلب على النحو المذل الذي شاهدناه جميعا. ففي الوقت الذي كانت فيه فصائل حلب تصدر مواقف صمود وثبات للهيئة العليا للمفاوضات، كانت تتواصل في نفس الوقت مع قوى إقليمية دولية تطلب منها الانسحاب من المدينة بأي طريقة. الأمر الذي أبرز التناقض في المواقف من جهة، وأظهر هيئة المفاوضات بمظهر الجاهل لما يدور في الداخل، وهو ما استغلته روسيا لتفرض تسويتها المذلة السابقة.

واخيرًا، تتوافر في الغوطة مقومات كثيرة للصمود وهذا مبعثا تفاؤلنا جميعا، لكن استمرار الخلاف حول القضايا أعلاه يضفي تشاؤما لدى الكثيرين في الداخل والخارج، وهو ما يجعلنا قراءتنا في هذا المقال " متشائلة" تقع موقعا وسطًا بين التشاؤم والتفاؤل.

كلمات مفتاحية