هل تخلت المعارضة عن هيئة الحكم الانتقالي؟

2020.12.08 | 23:16 دمشق

608050fd-e71d-4bd7-bbda-438bd613114e.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتصاعد المؤشرات يوماً بعد آخر عن توجه مؤسسات المعارضة الرسمية إلى التنازل عن مرتكزات أساسية نصت عليها المرجعية الدولية المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، وعلى رأسها هيئة الحكم الانتقالي رغم كل تأكيدات المسؤولين في هذه المؤسسات على التمسك بها.
فخلال أقل من شهر حدثت سلسلة من التطورات التي كان كل منهما يزيد من اتساع رقعة المخاوف داخل أوساط الثورة والمعارضة من هذا التوجه، إلى الحد الذي بات التساؤل المطروح الآن ليس حول ما إذا كان هناك توجه، بل ما إذا كانت المعارضة قد تنازلت بالفعل عن هذه المرتكزات؟
أول هذه المؤشرات كان قرار الائتلاف رقم ٢٤ الذي صدر الشهر الماضي القاضي بتأسيس هيئة الانتخابات، هذا القرار الذي أحدث ضجة واسعة بعد أن قرأ فيه كثيرون توجهاً نحو المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في شهر تموز ٢٠٢١ بمشاركة رئيس النظام بشار الأسد، بمعنى القفز على بند هيئة الحكم الانتقالي المنوط بها تهيئة البيئة الآمنة والمحايدة لأي انتخابات، وإدارة عملية الانتقالي السياسي في سوريا.

نفى الائتلاف أي نية لديه بذلك، وأصدر بياناً توضيحياً وقراراً بتعليق القرار السابق، تلاهما تصريح من رئيس الائتلاف بإلغاء تشكيل هيئة الانتخابات بشكل كامل، إلا أن هذا الإعلان لم يتبع بقرار رسمي، ما أبقى الجدل قائماً وزاد من التوجس والشكوك.
لكن وثيقة وفد المعارضة التي قدمت في نهاية الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي اختتمت يوم الجمعة الماضي في جنيف السويسرية، جددت التساؤل مرة أخرى حول توجهات مؤسسات المعارضة الحقيقية، بالنظر إلى أن الوثيقة اعتبرت أن مرجعيتها هو بيان مؤتمر سوتشي الذي انعقد عام ٢٠١٨، دون أن تشير إلى القرارات الدولية وبيان جنيف1.

المفاجأة الأخطر كانت بالكشف وللمرة الأولى عن توافق هيئة التفاوض مع الأمم المتحدة على ورقة المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا خلال مؤتمر جنيف٨، هذه الورقة التي كانت تسمى (لا ورقة) وأصبح اسمها بعد هذا التوافق (الورقة الحية) بعد أن رفضت الهيئة العليا للتفاوض المنحلة الموافقة عليها، قبل أن يتم حلها وإنتاج هيئة التفاوض التي أخذت على عاتقها منذ تشرين الأول ٢٠١٧ مهمة التفاوض رسمياً باسم المعارضة.

إن خطورة هذه الورقة لا تنبع فقط في التفافها على مضمون قرارات مجلس الأمن ومبادئ جنيف المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، فهذا أمر بات واضحاً منذ القبول بمخرجات مؤتمر سوتشي التي تعتبر اللجنة الدستورية أحدها، ما أدى إلى تجزأة العملية السياسية وتفتيتها إلى سلال بعد أن كانت كتلة واحدة يجب أن تنجز بشكل متزامن، بل الخطورة الأكبر هي في ما يمكن أن تؤدي إليه من تنازل عن بعض مرتكزات المرجعية الدولية في الحل، وأهمها هيئة الحكم الانتقالي التي تعتبر أكثر ما يزعج النظام وحليفته روسيا ويتمنيان التخلص من كل ما يشير إليها بأي ثمن.

مقدمات يبدو أنها كانت كافية لتشجيع أحد أعضاء وفد اللجنة الدستورية عن كتلة المستقلين في هيئة التفاوض لتتجرأ وتقول في ندوة حوارية يوم الثلاثاء أن القرار الدولي ٢٢٥٤ لا يتضمن بنداً يشير إلى هيئة الحكم الانتقالي، علماً أن هذا القرار صدق على قرار مجلس الأمن السابق له المتعلق بسوريا رقم ٢١١٨ والذي ينص بوضوح على هذا البند، فما الذي تريده روسيا وما الذي يمكن أن يحلم به النظام أكثر من ذلك؟!

والواقع فإن ترويج شخصيات وقوى في مؤسسات المعارضة لهذا التوجه، أي التنازل عن شرط هيئة الحكم الانتقالي لإتمام الحل السياسي في سوريا، كان قد بدأ قبل ذلك بفترة طويلة، وتحديداً منذ الانخراط في مسار أستانا والتحضير لمؤتمر سوتشي، حين دعا أحد أعضاء الائتلاف ووفد اللجنة الدستورية لاحقاً إلى نسيان هذا الشرط، ووقتها تم التعامل مع هذه الدعوة على أنها تعبير عن توجه إقليمي ودولي وليس عن إرادة لدى المعارضة.

والحديث عن هذا التوجه من قبل الدول المتدخلة في الصراع السوري، أو بعضها على الأقل كان يتضح بالفعل يوما بعد يوم، وآخر تجلياته كانت تصريحات مستشار الرئاسة التركية إبراهيم كالن، التي أكد فيها عقب لقائه المبعوث الأميركي إلى سوريا جويل رايبورن مطلع الشهر الحالي، على أنه "تم الاتفاق على ضرورة دعم أعمال اللجنة الدستورية السورية لضمان سلام دائم في سوريا، وخلق بيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين" دون الإشارة مجدداً إلى بند هيئة الحكم الانتقالي !

استبدال فكرة هيئة الحكم الانتقالي بتشارك النظام ومن يقبل من المعارضة في إنتاج نظام حكم جديد لن يحقق أي تغيير جدي إن لم نقل أنه سيعيد إنتاج النظام الحالي

معطيات عديدة وتطورات تتسارع في الفترة الأخيرة لتصنع بمجموعها لوحة قاتمة يصبح معها تخوف وشكوك الرأي العام الثوري والمعارض مبرراً من أن تكون المعارضة قد رضخت للضغوط أو قبلت بإسقاط مرجعيات القرارات الدولية حول الحل السياسي في سوريا، واستبدال فكرة هيئة الحكم الانتقالي بتشارك النظام ومن يقبل من المعارضة في إنتاج نظام حكم جديد لن يحقق أي تغيير جدي إن لم نقل أنه سيعيد إنتاج النظام الحالي.

إن التوضحيات التي صدرت عن رئيس وفد اللجنة الدستورية المعارض هادي البحرة وعدد من أعضاء الوفد عقب الجدل الذي أثارته وثيقتهم التي قدموها في ختام الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة يشبه في الواقع توضيحات وتفسيرات قادة الائتلاف عقب صدور قرار تشكيل هيئة الانتخابات، وهي توضيحات لا أثر قانوني لها أمام قوة القرار والوثيقة، ما يعقد من مهمة إقناع جمهور الثورة والمعارضة بالنوايا التي لا تكفي في النهاية لتغيير القناعات المبنية اليوم على معطيات، ويرتب على مسؤولي المعارضة اليوم مواجهة الجمهور بصراحة ووضوح وجرأة بالحقائق، والإعلان بقوة أنهم متمسكون بالمرجعيات الدولية للحل السياسي في سوريا تمسكاً غير قابل للتنازل أو التفريط لا جزئياً ولا كلياً بطبيعة الحال.