هل تتحول أفغانستان إلى بيئة جاذبة للجهاديين في سوريا؟

2021.09.14 | 06:09 دمشق

al-qaeda-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما إن أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان حتى بادرت كثير من الجماعات الجهادية إلى إصدار بيانات التهنئة والتبريك لانتصار حركة طالبان الأفغانية، فقد أصدرت تنسيقية الجهاد بقيادة أبي العبد أشداء بياناً في 16 آب/أغسطس2021، وهنأت تحرير الشام بانتصار طالبان في بيان لها يوم 18آب/أغسطس 2021 وأصدر حراس الدين بيان التبريك في 4 أيلول /سبتمبر 2021 كما صدر بيان تهنئة عن جماعة "فرقة الغرباء" بقيادة الجهادي الفرنسي عمر أومسن.

هذا الحدث الإقليمي المهم والتفاعل الكبير من الجماعات الجهادية في سوريا فتح الحديث عن فرضية انتقال عناصر أو جماعات جهادية من سوريا إلى أفغانستان بحثاً عن ملاذ آمن، أو إعادة إنتاج مشاريعها الجهادية في بيئة جديدة أو إعادة تموضعها ضمن بيئة مناسبة لاستمرارها.

وبالرغم من عدم وجود أي مؤشرات أو حديث داخل هذه الجماعات عن نيتها للانتقال إلى أفغانستان في الوقت الحالي، تبقى المجاميع الجهادية التي يُفترض أنها تفكر بالانتقال إلى أفغانستان هي ثلاث مجاميع جهادية أساسية:

  1. الحزب الإسلامي التركستاني.
  2. تنظيم داعش.
  3. وتنظيم القاعدة (حراس الدين).

يمكن لكثير من قادة الحزب الاستقرار في أفغانستان كلاجئين سياسيين من دون أن ينشطوا عسكرياً ضد الصين في هذه المرحلة، خصوصاً أن طالبان لا تود أبداً أن تسبب أي إزعاج للصين

بالنسبة للحزب التركستاني الإسلامي فإن الحزب ينطلق من استراتيجية مفادها أن سوريا هي مجرد ساحة تدريب وتجميع للقوى الجهادية التركستانية من أجل توجيه هذه القوة لتحرير إقليم تركستان الشرقية الذي تحتله الصين ويعدّ الحزب الأكثر عدداً في سوريا حيث يتراوح عدد عناصر الحزب بين 3000 مقاتل و3500 مقاتل وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد رفعت اسم "الحزب" من قوائم الإرهاب لديها في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وهو ما يعني رفع الفيتو الأميركي عن تنقلات الحزب والتحويلات المالية الداعمة له كما أن الحزب مرتبط أصلاً ببيعة لزعيم طالبان محمد عمر، ولديه مصلحة في الوجود ضمن أفغانستان للاقتراب من تركستان الشرقية على الحدود الصينية، خصوصاً بعد استنفاد تجربته في سوريا علماً أن الحزب يمتلك معسكرات للتدريب في ولايات أفغانية مثل قندهار وقندوز ومزار شريف وهيرات وعليه فمن المحتمل جداً أن ينتقل الحزب من سوريا إلى أفغانستان ويستفيد من وصول طالبان إلى السلطة.

ويمكن لكثير من قادة الحزب الاستقرار في أفغانستان كلاجئين سياسيين من دون أن ينشطوا عسكرياً ضد الصين في هذه المرحلة، خصوصاً أن طالبان لا تود أبداً أن تسبب أي إزعاج للصين في هذه المرحلة ويبقى توجه عناصر الحزب إلى أفغانستان مرتبطاً أساساً بعوامل الطرد من إدلب وعوامل الجذب إلى أفغانستان، إذ يبدو أن تحرير الشام ليست في وارد الضغط على التركستان خصوصاً بعد رسالة التطمين التي أرسلها الجولاني للمقاتلين الأجانب من خلال حديثه مع وكالة الأندبندنت التركية في يوم 6 أيلول/ سبتمبر2021 حيث شكر الجولاني المهاجرين على جهودهم، ووصفهم بأنهم لا يشكلون تهديداً لدولهم ووعد بعدم التخلي عنهم.

بالنسبة لفرع تنظيم القاعدة في سوريا (حراس الدين) فلم يعد للقاعدة في سوريا ذلك الوجود القوي بعد قيام تحرير الشام بتفكيك فصيل حراس الدين المرتبط بتنظيم القاعدة، وقد بدأ التنظيم يعمل على استراتيجية العمليات خلف خطوط العدو كما في عملية تل السمن التي نفذها التنظيم في الرقة بداية عام 2021، وهذا ما قد يدفع بقيادة الحراس إلى أن تنتقل إلى أفغانستان لتعويض نقص القيادات في قياداتها المركزية وعدم الدخول في صراع استنزاف مع تحرير الشام والاكتفاء بقيادة محلية من الصف الثاني لقيادة العمليات الميدانية خلف خطوط العدو.

صحيح أن طالبان قد التزمت في اتفاق الدوحة 29 شباط/ فبراير 2020 بمحاربة أي جماعة تشكل تهديداً وخطراً على الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية، وعدم إعطاء أي مأوى أو دعم لوجستي لهذه الجماعات، لكن يبدو أن طالبان أعطت تعهداً للولايات المتحدة بضبط سلوك هذه الجماعات وعليه فقد لا يكون إيواء عناصر وقيادات القاعدة يشكل خطاً أحمرَ للولايات المتحدة كما لا تريد حركة طالبان في هذه المرحلة أن تسبب إزعاجا للبلدان الأخرى بسبب دعم الجماعات المتطرفة بعد أن أصبح هدف طالبان التحول إلى حالة الدولة الساعية لفتح العلاقات مع جميع الدول والأطراف.

يتوقع أن يعمل فرع خراسان على استيعاب مقاتلين من سوريا والعراق ومناطق نزاعات أخرى والزجّ بهم في أفغانستان لخوض معركته ضد حركة طالبان التي يصفها بالمرتدة

بالنسبة لتنظيم داعش في سوريا ظهرت ولاية خراسان أو داعش/ خراسان في يناير كانون الثاني عام 2015 من عناصر أفغانية وباكستانية وكان التنظيم ينشط أساساً ضد طالبان والحكومة الأفغانية ويتوقع أن يعمل فرع خرسان على استيعاب مقاتلين من سوريا والعراق ومناطق نزاعات أخرى والزج بهم في أفغانستان لخوض معركته ضد حركة طالبان التي يصفها بالمرتدة ويرى فيها حالة منافسة لمشروعه بـ "الخلافة" خصوصاً بعد أن بدأت طالبان تستقطب اهتمام اكثير من الشباب الإسلامي وبات يُنظر إليها على أنها تجربة "ملهمة" وهو ما تخشاه داعش.

لقد جاءت أول علميات داعش في مطار كابل والتي استهدف بها القوات الأميركية وعناصر طالبان في يوم 26 آب/أغسطس 2021 كأول عملية بعد سيطرة طالبان على أفغانستان كرسالة لأتباع داعش من أجل الحشد والتجنيد ضد الخصم المنافس الصاعد جديداً "طالبان" وهو ما يرجح أن يدفع تنظيم داعش مزيداً من عناصره للاتجاه لأفغانستان بعد خسارته لكثير من مواقعه في سوريا والعراق واستغلال حالة الهشاشة الإدارية والأمنية هناك لملء هذا الفراغ، ومن المتوقع أن تشكل أفغانستان خياراً مغرياً لداعش حيث يمكنه إعادة إنتاج نفسه من خلال مواجهة مع طالبان في حرب لا دور فيها للتحالف الدولي.  

في الخلاصة لا توجد أي مؤشرات في الوقت الحالي على رغبة التنظيمات الجهادية في سوريا على نقل نشاطها إلى أفغانستان في ظل سيطرة طالبان على البلاد، لكن في حال تطورت الأحداث في سوريا لدرجة الضغط على هذه الجماعات ووجود عوامل جاذبة لها في أفغانستان فإنه من المرجح أن نشهد انتقالاً لها، لكن هذا الانتقال لا يفترض وجودَ نشاطٍ مُشابه لنشاط هذه الجماعات.

فبالنسبة للحزب التركستاني سيكون هذا الانتقال فرصة للاقتراب من حدود إقليم تركستان الشرقية الموطن الأصلي لعناصر التنظيم، لكن من المؤكد أنه لن يقدم على أية خطوة أو نشاط من شأنه أن يضرّ بعلاقة طالبان مع الصين خصوصاً أن التنظيم مرتبط ببيعة طالبان كما يبدو أن الحزب ليس في عجلة من أمره للعودة إلى أفغانستان بسبب ارتباط كثير من المقاتلين بعوائلهم وعلاقتهم الجيدة مع تركيا وتحرير الشام القوة المسيطرة على إدلب وعدم استهدافهم من التحالف الدولي. 

وبالنسبة لحراس الدين فرع القاعدة في سوريا والذي بقي محافظاً على بيعته لطالبان فمن المحتمل أن يسحب بعض قياداته إلى أفغانستان خصوصاً بعد خسارته كثيراً منها بسبب استهداف التحالف الدولي واختياره لاستراتيجية العمل من خلف خطوط العدو وعدم فتح جبهات مباشرة مع النظام تجنباً للاصطدام مع تحرير الشام التي تسببت بخسارته لكثير من مواقعه في إدلب.

أما بالنسبة لتنظيم داعش الذي خسر كثيراً من مواقعه طوال السنوات الماضية في سوريا والعراق فإن أفغانستان تشكل له بيئة مناسبة لإعادة تجمع قواه وتعويض خسائره من خلال تحقيق مكاسب هناك على حساب خصمه المنافس "طالبان".