هل تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى ربيع سوري جديد؟

2022.04.03 | 05:54 دمشق

img-20211026-120659-616-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إنَّ مؤشر قياس أسعار الأغذية العالمية قد ارتفع خلال الشهر الفائت آذار/ مارس، 2022 إلى مستويات غير مسبوقة ليسجل (140.7) نقاط، وهي أعلى بـ (3.1) نقطة من المستوى الذي وصل إليه في شباط/ فبراير 2011، أي العام الذي شهد به توسع/ انتشار ثورات الربيع العربي.

وقد رُبط مؤشر الغذاء بشكلٍ مستمر بالاحتجاجات الشعبية ولا سيما في المنطقة العربية التي كانت تُعاني من سوء إدارة في الملفات الاقتصادية التي تعتمد إما على الاقتصاد الريعي أو الاقتصاد التقشفي.

يعود الحديث من جديد عن إمكانية اندلاع موجة ثانية من الربيع العربي، على هامش الأزمة الاقتصادية التي رمت بظلالها على العالم بأسره، وخاصة بعد أزمة كورونا التي تسببت بشلل اقتصادات كبيرة مع الحجر الصحي وتجميد العمل.

كان تأثير هذه الأزمات على الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة وألمانيا كبيراً جداً، حيث بلغ حجم التضخم في الولايات المتحدة حوالي (7.9%) في حين بلغ في ألمانيا (7.6)

وما إن عاد العالم بعد حرب طويلة ليبدأ بالتعافي الجزئي من أعقاب الجائحة، حتى أتت الحرب الأوكرانية مسببة أزمات اقتصادية كبيرة لا تقل أثراً عن الجائحة، وذلك بسبب انقطاع/ الحد من تصدير الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية في إطار العقوبات التي فُرضت نتيجة للحرب. هذا ما عدا انقطاع تصدير الزيوت النباتية، الأخيرة التي ساهمت بموجة من الاضطرابات الشعبية ولا سيما في تركيا، حيث تعتبر روسيا وأوكرانيا من أكبر مصدري الزيوت النباتية في العالم فضلاً عن الغاز.

كان تأثير هذه الأزمات على الاقتصادات الكبيرة مثل الولايات المتحدة وألمانيا كبيراً جداً، حيث بلغ حجم التضخم في الولايات المتحدة حوالي (7.9%) في حين بلغ في ألمانيا (7.6) بينما ارتفع في تركيا لمستويات غير مسبوقة مسجلاً (54.4%) خلال شهر آذار/ مارس، 2022 الجاري. في الواقع، هذه معدلات لم تصل لها تلك الدول على مدار العقود السابقة، وهذا يدفع للتأكيد على أن العالم يعاني من أزمة دولية واضحة.

في العودة للحديث عن الوطن العربي، ربما من الصعب بمكان مقارنة الأوضاع الاقتصادية في دول متقدمة أو في طور التقدم، بدول المنطقة ولا سيما في تلك التي تعاني من جراء الحروب التي فرضتها الأنظمة الشمولية وخاصة في سوريا.

النظام السوري، المتهالك على جميع المستويات، بات من الصعب عليه تحمل هذا العبء الكبير مع تراجع الدعم الروسي بسبب الحرب الأوكرانية، حيث بات يخشى أكثر من أي وقتٍ سبق بدء موجة ثانية من ثورة السوريين مع ترافق/ وجود حالة من الغليان والنفور والاستياء التي تعيشها مناطقه في ظل عدم توفر الاحتجاجات الأساسية من القمح والزيوت والغاز والكهرباء وغيرها.

يمكن القول، إن مقاربة ربط مؤشر الفاو بعودة الاحتجاجات الشعبية منطقي للغاية في جغرافيا تعوم على الثروات الباطنية والزراعية وغيرها، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأنّ مراهنة النظام السوري بالتحديد على مصطلح "الترهيب الطائفي" لتقويض تلك الموجات أصبح صعباً للغاية.

مع عدم وجود خيارات للبحث عن حياة جديدة للسوريين خارج سوريا، أو صعوبتها، لا يجد المواطن أمامه خيارات كثيرة سوى صنع فرصة جديدة وتحويلها إلى مكسب على صعيد بناء دولة جديدة ونظام جديد

وهذا ما يؤكده علم الاجتماع السياسي، فعندما تفقد الدول القدرة على توفير أبسط مقومات الحياة "بصرف النظر عن الأسباب" وفق هرم إبراهيم ماسلو الشهير تكون الثورة هي النتيجة المنطقية لواقع أنتج حالة صراع صفري. لكن، مع ذلك الجوع وحده غير كافٍ بقدر امتلاك الوعي السياسي ولو بالحد الأدنى لتخليص الدول من الأنظمة السائدة.

ومع عدم وجود خيارات للبحث عن حياة جديدة للسوريين خارج سوريا، أو صعوبتها، لا يجد المواطن أمامه خيارات كثيرة سوى صنع فرصة جديدة وتحويلها إلى مكسب على صعيد بناء دولة جديدة ونظام جديد، والتي قد تكون مفتاحاً لإنهاء المعاناة الإنسانية.

على أيّة حال، مع صعوبة تخيل الأمر في مناطق النظام إلّا أنَّ حتميات التاريخ حول الأسباب التي قد تدفع الشعوب للانتفاض ضد الأنظمة ثابتة -مع الأخذ بعين الاعتبار السياق- وأحد أهم مقوماتها العامل الاقتصادي.

بينما في الحالة السورية، في الأصل لا يوجد دولة ولا سيادة في حين تتوفر مقومات مشتركة على صعيد المشقّة والبؤس بين شرائح مناطق الصراع المختلفة لإعادة النظر والنقد الذاتي حول ضرورة الانخراط بمشروع الثورة الكلي من بُعدٍ جديد يقوم على الحاجة الماسة للتخلص/ الخلاص من الوضع القائم.