هل بدأ عصر التنين الصيني؟

2021.03.10 | 05:05 دمشق

shykhwkht-nft.jpg
+A
حجم الخط
-A

في الوقت الذي تئنّ فيه اقتصادات الدول الغربية تحت ضربات أزمة جائحة كورونا وما تلاها من إغلاقات متكررة شلت بشكل كبير حركة التجارة والصناعة والسياحة، يبدو وضع الصين، بلد منشأ الفيروس مختلفاً، فهي الوحيدة في العالم التي حققت العام الماضي2020 نمواً بلغ 2.3 بالمئة، ليس هذا وحسب، بل إن رئيس الوزراء الصيني، لي كيتشيانغ، كشف قبل أيام أنهم يطمحون لتحقيق معدل نمو يزيد على 6%، هذا في حين بقية دول العالم الأول تعاني من الانكماش والركود وتعثر مالي بسبب البطالة وانخفاض القوة الشرائية، وتدني فرص العمل المتاحة، وعجز موازنات يصحبه تضخم الدين العام بمعدلات غير مسبوقة.

الكل يتذكر كيف اندلعت العام الماضي "حرب كمامات" بين الدول الكبرى التي هرعت إلى الصين لكي تشتري كمامات تساعد على الحد من انتشار الوباء، بأسعار رخيصة، صحيح أن أكثر من شحنة تمت إعادتها لأنها غير مطابقة للمواصفات، ولكن رخص السعر والسرعة في الإنتاج هو ما كانت تسعى إليه هذه الدول، حتى الصناعية منها، وهذا ما لا يوجد إلا في الصين.

من أولى أولويات إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن هي مواجهة الصين وكبح سرعة نموها الاقتصادي، إذ يتوقع خبراء أن تصبح في غضون عام 2028 القوة الاقتصادية الأولى عالمياً، وهو تقدم أسرع بخمس سنوات مما كان متوقعاً سابقاً، لذلك فإن وضع الصين بعد وباء كورونا ليس كما قبلها، فهي أكثر المستفيدين من الوباء على مستوى العالم، وتتقدم إلى الأمام في حين أن غيرها إن لم يكن يتأخر فهو لا يتقدم.

تتوجه اليوم أغلب الشركات الغربية إلى شرق آسيا، حيث اليد العاملة الرخيصة والمواد الأولية الزهيدة الأسعار، ويرافق ذلك قوانين استثمارية مشجعة

على أن إدارة بايدن الديمقراطية لا يبدو أنها تسير في خط المواجهة العسكرية، ولكنها تخطط للتوجه إلى شرق آسيا لإطفاء نيران التنين في أرضه، على خطا الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي طرح شعار "التوجه شرقاً" وترك منطقتنا ذات الرمال المتحركة لمن يستطيع أن يسير فيها.

يأتي ملف الصين في مقدمة التحديات التي تواجه هذه الإدارة، خصوصاً أن الصين تحتوي مصانع لنحو 400 من أهم الماركات العالمية من أصل 500 مصنع عريق، لذلك تتوجه اليوم أغلب الشركات الغربية إلى شرق آسيا، حيث اليد العاملة الرخيصة والمواد الأولية الزهيدة الأسعار، ويرافق ذلك قوانين استثمارية مشجعة.

كانت الصين تحاول أن تلعب في المناطق الثانوية، تاركة الساحة للكبار لكي يتصارعوا ويصفّوا حساباتهم، ويضعفوا بعضهم بعضاً، ولكنها اليوم باتت تحاول أن تصل إلى المركز، خصوصاً بعد إطلاقها عام 2017 مشروعها الذي يسير على خطا طريق الحرير الدولي، هذا المشروع الذي سمي "الطريق والحزام" وتحاول من خلاله ربط نفسها مع كل دول العالم بشبكة طرقات حديثة، تقول بكين إن هذا المشروع سيكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، وهي تحاول تمتين علاقاتها مع دول العالم الثالث عبر تزويد الأخيرة بكميات من لقاح مضاد لفيروس كورونا "سينوفارم" تم تركيبه في الصين، كنوع من المساعدات، التي على أقل تقدير تضمن عبرها أن تتبنى هذه الدول روايتها حول انتشار الفيروس، ورغم أن فاعلية هذا اللقاح ضعيفة، فإنّ العديد من الدول سارعت لشرائه، في ظل التسابق الغربي المحموم على حيازة اللقاحات من الشركات المصنعة ذات الفعالية العالية كـ موديرنا وفايزر بيونتيك واسترازينكا وغيرها.

اليوم هناك كثير من الكلام يدور حول منشأ الفيروس، في ظل محاولات بكين إخفاء العديد من الأدلة، ومنع وفد منظمة الصحة العالمية من الحصول على كل البيانات، وأيضاً في ظل تقارير ودراسات صينية تصدر بين الفينة والأخرى لتقول إن منشأ الفيروس ليس صينياً، كمحاولة لاستباق تحميل المجتمع الدولي للصين مسؤولية انتشار الفيروس.

بكين تهدف إلى تأمين التنمية الاقتصادية وتشكيل النظام الدولي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة

الجمهورية الشعبية يبدو أنها بدأت تخطط لتوجه دولي جديد، فأعلنت اعتزامها زيادة الميزانية العسكرية بنسبة 6.8% خلال عام 2021 الحالي، خطوة لا تنظر إليها الدول الغربية بعين الارتياح، فسارعت ألمانيا إلى التحذير من التهديد المتزايد للقدرات العسكرية الجديدة للصين وروسيا، إذ رأت أن بكين تهدف إلى تأمين التنمية الاقتصادية وتشكيل النظام الدولي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، في حين تسعى روسيا لزعزعة استقرار الناتو وإضعافه كمبدأ للعمل.

وباء كورونا الذي أصاب أكثر من 115 مليون شخص في العالم، وتوفي بسببه أكثر من 2.5 مليون حالة. لم ينقشع غباره تماماً، ولكن حملات التطعيم تقول إن بداية نهايته تلوح في الأفق، ومع هذا لا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل النظام العالمي الجديد بعد كورونا، لا سيما أن التغييرات المفصلية في تاريخ البشرية، كانت دائماً تأتي بعد الجائحات والأوبئة، التي أغلبها يأتي تاريخياً من بلاد العرق الأصفر.

بلاد تعيش التناقض بأسمى معانيه، فرأسها شيوعي  وجسمها رأسمالي يضاهي الدول الغربية، بل يسبقها اقتصادياً وصناعياً- بمعزل عن جودة هذه الصناعة ولكنها تلبي الحاجات بأسعار رخيصة- وبين هذا وذاك دولة بوليسية تعد على شعبها أنفاسه، وهي من أسوأ دول العالم في مجال حقوق الإنسان، ليس هذا وحسب، بل هي تمارس إبادة جماعية بحق أقلية الأويغور، وتزج بنحو مليون ونصف المليون منهم في سجون جماعية لا تذكّرنا إلا بمعسكرات الاعتقال النازية، ومع هذه الصورة يبقى الترقب الممزوج بالقلق سيد الموقف، هل بدأ عصر الصين، أم أنه سيتم احتواؤها، وستجري إعادتها إلى حجمها ما قبل كورونا؟