هل بدأ البازار على الأسد...؟

2020.05.07 | 00:02 دمشق

alasd_wzwjth.jpg
+A
حجم الخط
-A

إن أكثر ما يدعو السوريين اليوم للسخرية رغم الظروف القاسية التي يعيشونها هو "الاكتشاف" الروسي مؤخراً المتمثل بتفشي الفساد في حكومة الأسد، وفي تدني شعبيته، لكن ما يدهشهم أكثر هو حديث رامي مخلوف، الشريك الكامل في قتل وإفقار السوريين عن حقهم في المال العام واعتقال أجهزة الأمن للمواطنين...

ما تسربه بعض المراكز الإعلامية الروسية، وبعضها مقرب من دوائر صنع القرار في الكرملين، إضافة إلى بعض المواقع الإسرائيلية عن الفساد المستشري في نظام الأسد وحكومته، يعكس أكثر من جانب، فالأول هو موقف روسي من حجم هذا الفساد الذي يعيق توجهات السياسة الروسية في استثمار "نصرها" العسكري – تدميرها لعدة مدن وبلدات سورية-  والثاني جانب من التصارع مع إيران حول سورية، والثالث رسالة للغرب والولايات المتحدة بأنها على استعداد للتفاوض على رأس هذا النظام -بشار الأسد- الذي أصبح عائقاً أمام أي تقدم في المسار السياسي يمكن روسيا من قطف ثمار تدخلها الذي كلفها مليارات الدولارات، وحان الوقت لاسترداد ما أنفقته.

فالتقارير الروسية بمجملها ركزت على تفشي الفساد في حكومة النظام، ومحاولة جني الثروات وتهريبها لبنوك الغرب، إضافة إلى محاولات عرقلة العقود مع الشركات الروسية التي ترفض تقديم رشاوى لكبار المسؤولين الحكوميين مقابل الحصول على تلك العقود، بينما تعتمد الشركات الصينية عموماً هذه السياسة (تقديم الرشاوى الكبيرة) في الحصول على عقودها. والروس يعرفون ذلك، لكنهم يرفضون دفع الرشاوى لسبب بسيط، وهو أنهم يعتبرون أنفسهم من أنقذ النظام من الانهيار عام 2015، ولذلك فمن حقهم الحصول على هذه العقود بشكل حصري.

والتقرير الأهم الذي تحدث عن انحدار شعبية الأسد واحتمال عدم "انتخابه" في العام المقبل، حيث بيّن التقرير أن نسبة 32 في المئة هم من سينتخبونه، في حين أن 54 في المئة يفضلون رحيله، وبالتالي فالنظام مفتقر للشرعية، وأن السوريين يتطلعون إلى سياسيين "جدد" في السلطة قادرين على تجاوز الأزمة، معتبرين أن "القيادة الحالية لم تحقق هذه التطلعات بعد". وهذا يعود وفقاً للتقرير نفسه إلى حجم الفساد الكبير في بنية النظام وعجزه الكامل عن معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها السوريون.

الأمر الآخر هو التصارع الواضح بين روسيا وإيران حول الهيمنة على سوريا بمواردها وثرواتها وموقعها، فكلا القوتين تحاولان اقتسام بقايا جيش النظام، وفروع مخابراته، فروسيا أسست فيالق جديدة وتدمجها ضمن جيش النظام تضم حتى معارضين سابقين لنظام الأسد، بينما تسعى إيران أيضاً إلى محاولة دمج الميليشيات الطائفية بعد إعطائهم الجنسية السورية في تركيبة ما تبقى من جيش النظام وترميمه بما يتوافق مع دورها في المنطقة، فضلاً عن اختلاف رؤية وتحالفات البلدين في سورية، وخاصة تجاه الدور التركي الذي يتعزز بالشراكة مع روسيا على حساب إيران، وهو الأمر الذي كان واضحاً في اتفاقين بين الرئيسين أردوغان وبوتين في أيلول 2018، وآذار 2020 حول إدلب، حيث تدرك إيران بأن ثمة محاولات لإبعادها عن تقرير مصير سوريا ونظامها، وخاصة أن هذا الإبعاد يلاقي ترحيباً كبيراً من الغرب والولايات المتحدة، والأهم من اللاعب الأهم -الحاضر الغائب- في تلك العملية، إسرائيل.

عام 2021 سيشهد الجولة التاسعة من استفتاءات نظام العائلة الأسدية على الرئاسة (5 في عهد الأب، و3 في عهد الوريث الحالي)

الأمر الثالث، وهو أن هذا الهجوم والانتقادات الروسية تأتي مع اقتراب الموعد الذي سيطبق فيه قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة (الكونغرس والإدارة)، كما صرح بعض المسؤولين الأميركيين، أي فرض العقوبات الأميركية بحق النظام وداعميه والمتعاونين معه، وبالتأكيد سيشمل شركات وشخصيات روسية وإيرانية، إضافة إلى عودة الولايات المتحدة إلى الانخراط مجدداً في العملية السياسية في سورية، خاصة بعد الهجوم الأخير على إدلب، وتعرض شريكها التركي لضغوط كبرى، مما دفعها مؤخراً إلى التحذير من أن هجوم النظام على إدلب هو خطر استراتيجي. والمهم أكثر من ذلك، هو أن عام 2021 سيشهد الجولة التاسعة من استفتاءات نظام العائلة الأسدية على الرئاسة (5 في عهد الأب، و3 في عهد الوريث الحالي)، حيث كان الموقف الأميركي واضحاً بأن التجديد للأسد لن ينال اعتراف المجتمع الدولي، أي الرفض لهذه العملية، وهو ما يدفع روسيا التي تعد نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن ترتيباتها إلى البحث عن بديل يضمن لها استمرار مصالحها (المال من أجل إعادة الإعمار) ضمن تشابك عملية التصارع الجاري في سوريا.

على المستوى الداخلي، وضمن نفس السياق من التصارع تأتي رسائل التهديد المبطنة والمتبادلة بين القصر وامبراطور المال، رامي مخلوف، الذي بنى ثروته الباهظة بسبب قرابته مع عائلة الأسد (ابن خال بشار الأسد)، وابن محمد مخلوف، راعي الفساد المالي للعائلة الحاكمة. وقد بدأت تلك الرسائل بتسريب رامي مخلوف لخبر شراء الأسد لوحة فنية لديفيد هوكني (أشهر رسام إنكليزي حاليا) بقيمة 30 مليون دولار هدية لزوجته -الوجه الصاعد في عالم السلطة والنفوذ- بمناسبة شفائها من مرض السرطان في الوقت الذي يعيش السوريون في فقر مدقع، إضافة إلى مشروع البطاقة الذكية التي تعهدها قريب لأسماء الأسد وأخوها (شركة تكامل)، هذا المشروع الذي حقق أرباحاً طائلة (قيمة البطاقة 400 ل.س)، ناهيك عن محتواه المخابراتي في جمع كثير من المعلومات عن السوريين.

هذا التسريب الذي أتى نتاجاً لمطالبة القصر الجمهوري -المكتب المالي- الذي تشرف عليه أسماء الأسد مباشرة بمبالغ طائلة تصل لحدود 233 مليار ل. س (ما يعادل حوالي 180 مليون دولار أميركي)، بينما أقر رامي مخلوف في مقطع الفيديو الأخير بمبلغ 123 مليار (103 ملايين دولار).وسبق هذه المطالبات عزل إيهاب مخلوف (شقيق رامي) في أيلول 2019، من إدارة المناطق الحرة وتولي الفرقة الرابعة -فرقة ماهر الأسد- المقربة من إيران الإشراف عليها، وفرض الحجز الاحتياطي على أموال رامي في نهاية العام الماضي بحجة تهربه من سداد مستحقاته إلى "الدولة"، المتمثلة بالمكتب المالي في القصر بإشراف أسماء الأخرس-الأسد.

ما تشير إليه التسريبات الأخيرة أن تصارع القوى الفاعلة في سوريا، سواء الداخلية أم الخارجية قد خرجت إلى السطح، بالنسبة للقوى الخارجية، هناك مسعى لإقصاء إيران، كونه يحقق مصالح الفاعلين الأقوى (أميركا، إسرائيل، روسيا، تركيا)، وقطف روسيا ثمن أعمالها من خلال الانتقال إلى مرحلة جديدة (إعادة الإعمار) واحتكارها لأمواله المتوقعة. أما بالنسبة للقوى الداخلية (بقايا جيش الأسد وفروع مخابراته، والميليشيات سواء التابعة لروسيا أو إيران، والقوى الاقتصادية التي نشأت بفضل علاقة توزيع الثروة الناتجة عن احتكار الدولة للبلاد والعباد للمقربين والموالين، فتشكلت تلك الطبقة الجديدة حول رامي مخلوف، الذي كان يتحكم بنصف الاقتصاد في سورية)، فما تقتضيه ترتيبات المرحلة وخاصة بعد تحقيق "النصر" العسكري هو إجبار تلك الطبقة الجديدة على دفع تكاليف ذلك الانتصار -الدمار، أو مصادرة أموالها، ولا ندري إن كان تصفيتها سيكون أمراً لاحقاً لمصادرة أموالها.

وسط هذا التصارع، أين يقف السوريون، فهم يعرفون قبل غيرهم مدى وحشية نظام الأسد وعصاباته من الجيش والمخابرات التي أذاقتهم شتى صنوف التعذيب والقتل. كما يعيشون فعلياً حجم الفساد والنهب واللصوصية التي تخترق جسد الجهاز البيروقراطي لحكومات الأسد المتعاقبة، فالطوابير التي يشهدها السوريون للحصول على الحدود الدنيا من المواد التموينية والغاز مرعبة، فضلاً عن غلاء الأسعار الذي يأكل جسد وأرواح السوريين، أما الكهرباء، فهي من النوادر، في الوقت الذي يقوم فيه عماد خميس (المهندس المُخبر) والحكومات من قبله بتصدير جزء مهم منها إلى لبنان "دعماً" للمقاومة، وتحويل الأموال لحساباتهم الخاصة في بنوك الغرب.

تتطلع الدول الفاعلة لتقرير مصير سوريا من دون السوريين، وما يجري ويتم تسريبه اليوم يعكس في أحد تجلياته هذا الصراع، فالروس والإيرانيون استولوا على ما تبقى من موارد البلاد، وأقاموا قواعد عسكرية، ورجال الأعمال الجدد إما مرتبطون مع روسيا أو مع إيران. وما يجري من صراع بين عائلتي الأسد ومخلوف في جانبه الأهم – رغم أنه يحمل جوانب أخرى- ليس إلا صراعًا على النفوذ في سوريا بين إيران وروسيا، فهل سيأخذ السوريون دورهم في الترتيبات التي تلوح في الأفق خاصة إذا قررت روسيا التخلي عن رأس النظام؟ هذا هو المطلوب، ولكن ما مدى إمكانية تحققه وسط الحالة البائسة التي يعيشها السوريون و"معارضتهم"، أم أننا سنبقى ننتظر ما يقرره الآخرون؟، هذا ما ستكشف عنه الفترة المقبلة التي لن تتجاوز العام...