هل ألغى النظام فعلاً المرسوم رقم 10؟

2018.10.26 | 23:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعلن يان إيغلاند مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في 18من تشرين الأول الجاري، أن روسيا أبلغت اجتماعا أمميا عقد في جنيف لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا بإلغاء نظام بشار الأسد للمرسوم رقم 10 سيء الصيت، المرسوم الذي صدر في نيسان الماضي، كان قد أعطى للمهجرين والنازحين مهلة شهر فقط لإثبات ملكيتهم لمنازل وأراض وعقارات في سوريا وإلا فإن النظام سيقوم بمصادرتها في سياق عملية إعادة الإعمار التي يزعم أنه يملك خطط ومشاريع  لبدئها.

كلام إيغلاند بدا لافتاً من حيث الشكل والمضمون، فلماذا تبلغ روسيا وليس النظام الأمم المتحدة بإلغاء المرسوم؟ وهل ألغى النظام المرسوم فعلاً؟ أم أن الإعلان مجرد مناورة من موسكو لحصد تأييد أوسع لدعواتها لإعادة الإعمار وعودة النازحين، بغض النظر عن الحلّ السياسي أو أي ضمانات قانونية وأمنية وحتى سياسية من الأمم المتحدة، أو حتى من روسيا نفسها بصفتها القوة القائمة بالاحتلال والمتحكمة بمجريات الأمور في سوريا، تحديداً في المناطق التي يسيطر عليها أو بالأحرى يحتلها النظام.

من حيث الشكل بدا لافتاً إبلاغ روسيا نفسها عن إلغاء المرسوم في تأكيد واضح ولا لبس فيه بتحكمها وسيطرتها التامة على النظام وقراراته وفرضها الوصاية عليه لدرجة الإعلان عن سياسات ومراسيم وإلغاء أخرى. كما جرى في هذه الحالة تحديداً، وكما يجري من قبل قاعدة حميميم وعدم إخفاء القاعدة لتدخلها في تفاصيل والتطورات في المناطق التي تحتلها والتي يديرها النظام شكلاً.

من حيث الشكل بدا لافتاً إبلاغ روسيا نفسها عن إلغاء المرسوم في تأكيد واضح ولا لبس فيه بتحكمها وسيطرتها التامة على النظام

من حيث الشكل أيضاً لسنا أمام تصريح علني وواضح عن إلغاء المرسوم، لا من قبل روسيا، ولا حتى من قبل النظام نفسه، وإنما أمام نقاش في الغرف المغلقة وإبلاغ شفهي ممكن إنكاره أو التنصل منه في أي وقت، وفي كل الأحوال لا يمكن اعتباره أي الإبلاغ دليل على أن المرسوم قد تم إلغاؤه فعلاً.

أما مضموناً فإن الإبلاغ الروسي، والزعم بإلغاء المرسوم، قد يكون مناورة فقط من أجل إنقاذ وعدم هدم التكتيك الروسي الساعي إلى تشجيع عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار دون أي ضمانات جدية، أو في سياق حلّ سياسي جدّي، بحيث يتم خلق أو تكريس واقع يساعد موسكو على القول أن لا داعي أو حاجة لأي عملية سياسية لا وفق إعلان جنيف، ولا أي قرار آخر، حيث أن الحلّ قد تم تنفيذه فعلاً بإعادة اللاجئين والشروع في إعادة الإعمار ولو حتى بالمصالحات المناطقية القهرية نفسها، التي روّجت لها موسكو وما زالت كبديل عن الحلّ السياسي.

توقيت الإبلاغ الروسي عن إلغاء المرسوم كان لافتاً أيضاً، فقد جاء بعد يومين فقط من بيان منظمة هيومان رايتس يوم الثلاثاء في 16 من تشرين الأول الذي تحدث عن منع النظام لعودة اللاجئين في بعض المناطق، ووضع العراقيل والصعوبات أمامهم في مناطق أخرى، وبعد تسعة أيام من حديث مسؤول لبناني معني بملف النازحين عن منع النظام لعودة النازحين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم ومناطقهم التي هجروا منها.

هيومان رايتس واتش تحدثت عن ممارسات النظام بشكل عام وفي منطقتي القابون وداريا بشكل خاص، قالت إن النظام منع ويمنع العودة إلى داريا بشكل تام، بينما يضع العراقيل على عودة النازحين إلى القابون أشارت إلى قيامه باستخدام جرافات وحتى متفجرات لهدم بنايات ومنازل ومنشآت سليمة وقائمة فعلاً، ولم تتضرر من بقصفه للمنطقة، وذلك بحجة تطهيرها من الألغام.

الوزير اللبناني معين المرعبي وهو المسؤول عن ملف النازحين في  حكومة تصريف الأعمال كان قد قال الثلاثاء في 9من  تشرين أول شيئاً مشابهاً، وأكّد أنه رغم الدعوات ومزاعم النظام وحلفائه عن تشجيع عودة النازحين إلا أنه يمنع  فعلاً عودتهم إلى بيوتهم في القصير وريفها والقلمون الغربي، وأنه رفض عودة معظم الأسماء التي قدمتها الجهات اللبنانية، علماً أنه قام أيضاً - كما فعل في القابون - بتدمير مباني ممتلكات وسكان آخرين في تلك المناطق، في سياق تطهير طائفي وتغيير ديموغرافي موصوف تبصره العين.

نحن أمام حيلة أو مناورة روسية لتخفيف الانتقادات ضد سياستها الرامية إلى عودة اللاجئين وإعادة الإعمار كبديل عن الحل السياسي دون توافق دولي ودون ضمانات جدية

بيان المنظمة الحقوقية الأممية وتصريح الوزير اللبناني وجّها ضربة قوية للحملة السياسية والإعلامية الروسية التي دعت إلى عودة المهجرين والنازحين إلى مناطق النظام في سياق سياسي بحت وصريح لا يهدف فقط إلى تكريس فكرة انتصاره أو استعادة قوته، وإنما كما قلنا سابقاً بهدف خلق وقائع وقطع الطريق على أي مساع من أجل حلّ سياسي جدّي عادل ومستدام وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بما فيها إعلان جنيف والقرار 2254.

طبعاً في السياق نفسه، وكي تكتمل الصورة ويرتسم المشهد، لا بد أن نتذكر مضمون المرسوم نفسه وغاياته السياسية والاستراتيجية، حيث شروط مجحفة من أجل عودة النازحين واللاجئين، وإثباتهم لملكياتهم وثرواتهم. وهي كانت محاولة صريحة أيضاً من نظام غير شرعي أصلاً لخلق إطار قانوني أو بالأحرى قوننة مصادرته وسرقته لأملاك الناس وثرواتهم، الخاصة - ما يتناقض مع المواثيق الدولية شرعة حقوق الإنسان حتى دستور النظام نفسه - وجعل عودتهم مستحيلة أو شبه مستحيلة، خاصة مع ملايين المعارضين للنظام وبقائه أما الهدف الفعلي له، فهو تأيسس سوريا المتجانسة كما سمّاها بشار الأسد أو سوريا المفيدة كما سماها الحشد الشعبي الإعلامي قبل ذلك بسنوات، وهي الأسماء الحركية للكيان الطائفي البشع البغيض حيث سكانه ومواطنيه موالون فقط للنظام، رغم كل جرائمه وحسب تعبير ووصف مسؤول المخابرات الجوية جميل الحسن فإن 10 – ملايين مؤيدين تابعين خاضعين أو أفضل من 30 مليون معارض وثائر.

وليس بعيداً عن المرسوم بل إن أفضل شرح له جاء فى الحقيقة من الحسن نفسه، الذي تحدث عن ملايين المطلوبين من اللاجئين والنازحين حيث سيتم اختيار بعضهم أو أفضلهم كمواطنين فى سوريا المتجانسة، علماً أنه تحدث بلهجة طائفية، وحتى عنصرية وإجرامية عن فئات وشرائح واسعة من الشعب السوري.

عموماً نحن أمام حيلة أو مناورة روسية لتخفيف الانتقادات ضد سياستها الرامية إلى عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار كبديل عن الحل السياسي دون توافق دولي ودون ضمانات جدية، وربما نكون أيضاً محاولة عملية تنفس صناعي للسياسة الروسية الميتة سريرياً، والمرفوضة إقليمياً ودولياً. أما فيما يخص النظام البشع فإننا نعرفه جيداً، وهو يتلقى الإملاءات من روسيا طبعاً، وقد يخفف إجراءات المرسوم على الأرض دون إلغائه فعلياً - لا يملك الشرعية في كل الأحوال لتطبيقه أو إعادة حكم البلد - تماماً كما فعل في قصة الإطباق اللاقطة التي كانت وما زالت ممنوعة قانوناً، رغم أنها تملأ سماء دمشق وبقية المدن السورية المحتلة تماماً، كما حصل ويحصل مع مكاتب التنظيمات الفلسطينية وغير الفلسطينية التي كانت تفتح بموافقة شفهية سياسية أو أمنية ثم يتم إغلاقها من قبل النظام عند الحاجة بذريعة عدم وجود ترخيص أو قانون يسمح بوجودها أصلاً.