هل أصبحت التسوية السورية جاهزة؟

2018.05.28 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تشير العديد من المعطيات المتعلقة بملف التسوية في سوريا إلى تقاربات بين اللاعبين الدوليين حول هذا الملف، فعلى الرغم من المشكلات الكثيرة والمتعددة بين أمريكا والغرب من جهة وروسيا من جهة ثانية، إلا أن ثمة جهود بذلت مؤخراً، الهدف منها بناء تصور للحل، الهدف منه تلبية أكبر قدر ممكن من مصالح اللاعبين، ويحمل هذا المسار من التقارب حالة اعتراف متبادلة بين الأطراف بما حققته في الملف السوري، وبناءً عليه، سيكون بالإمكان تشكيل لوحة المصالح المستقبلية، وشكل الحل وآلياته.

هناك اعتراف أمريكي واضح منذ إدارة أوباما بأهمية الدور الروسي في تشكيل الحل في سوريا، فإحدى الثوابت الأمريكية، بعد تجربتي أفغانستان والعراق، هي عدم التورط المباشر على الأرض، وإيجاد بدائل عن ذلك التدخل، أو تحديد حجم التدخل، وحصره بأشكال معينة من الدعم، وقد ظلّت واشنطن متمسكة بهذا المبدأ في عهد أوباما، والآن في عهد الرئيس ترامب، وقد آثرت واشنطن، على الرغم من أهمية وخطورة ملف الإرهاب بالنسبة لأمنها القومي، أن تكتفي بحربها ضد "داعش" بصيغة الضربات الجوية، من خلال التحالف الدولي على الإرهاب، أو من خلال دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، وتسليحها ضمن حدود المواجهة، وعكس هذا السلوك الأمريكي بين ولايتين للرئاسة قبولاً بقيام روسيا بدورٍ رئيس في الميدان السوري، وهو ما ترجمته موسكو عملياً من خلال تدخلها المباشر في أواخر سبتمبر/ أيلول 2015.

تمثلت الآلية الأمريكية تجاه روسيا بالسماح لها بتغيير المعادلات الميدانية، لكن مع إبراز أوراق الاعتراض والضغط كلما دعت الحاجة إلى ذلك، أو اللجوء إلى ضربات محدودة الأثر، كان المطلوب منها توجيه رسائل محددة إلى موسكو، وتذكيرها بضرورة القيام ببعض الخطوات، أو دفع موسكو إلى تحجيم نفوذ الحليف الإيراني، وفي أثناء ذلك، تمكّنت واشنطن من تشكيل نفوذ لها في الشمال السوري، بعد أن حوّلت "قوات سوريا الديمقراطية" من رأس حربة في مواجهة "داعش" إلى تابع لها، فمن المعروف والبديهي أن واشنطن هي الغطاء الذي يحمي دولياً تلك القوات، وبالتالي فإن الشمال السوري اليوم هو منطقة نفوذ أمريكي، عبر قوات محلية، مع عدد مهم من القواعد العسكرية الأمريكية، والقابلة مستقبلاً للتطوير والتوسّع في الإمكانيات والمهام.

أما الأجندة التركية تجاه الملف السوري فقد تراجعت خلال السنوات السبع الماضية، وترافق ذلك التراجع مع اعتراف تركي أوسع بمصالح اللاعبين الآخرين، بل دفعها إلى التعاون معهم عبر مسار أستانة، فأنقرة التي رفضت بداية التدخل الروسي عادت وقبلت به، بل أنها مضت خطوات واسعة في التنسيق مع موسكو، بعد فشل الانقلاب في تركيا في يوليو/ تموز 2016، وهو ما أوضح بشكل قاطع إعادة أنقرة لحساباتها في العلاقات الدولية بشكل عام، وفي الملف السوري بشكل خاص، وحددت لنفسها هدفاً عملياً، تمثل بقطع التواصل بين المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا، وكانت معركة "غصن الزيتون" التتويج الفعلي لهذا الهدف العملي، والذي لم يواجه اعتراضاً جدياً من قبل موسكو أو واشنطن.

اللاعب الإسرائيلي الذي انتقل من حالة الصمت تجاه الملف السوري في بداية الصراع الوطني إلى حالة التدخل المحدود في مرحلة لاحقة، ثم التدخل الجوي ضد أهداف لإيران و"حزب الله"، يمتلك هدفان واضحان، يتمثل الأول بتقليص نفوذ إيران في سوريا، وإبعاد قواتها عن حدوده، أما الهدف الاستراتيجي الثاني فيتمثل بأخذ حصته، من خلال الاعتراف بحقه في الجولان، وقد أبرزت تصريحات عدة لمسؤولين إسرائيليين، من بينها تصريح وزير الاستخبارات "إسرائيل كاتس" أن ملف الجولان يتصدر جدول الأعمال بين الدولة العبرية وواشنطن، كما أن التنسيق القوي بين تل أبيب وموسكو يوحي بشكل كبير بأن موسكو لن ترفض عملياً القبول بحق إسرائيل في الجولان، وأن أقصى ما يمكن أن تفعله موسكو هو إصدار بيان استنكار وإدانة، ما يعني فعلياً أن واشنطن وموسكو متفقتان على حصة إسرائيل في أي تسوية مقبلة في الملف السوري، بالإضافة إلى قبول غربي واسع بحصة إسرائيل، وعدم وجود اعتراض عربي جدي.

السؤال الذي يطرح نفسه في سياق التسوية السورية هو: ما هي حصة إيران؟

تدرك موسكو بأن تأمين نفوذ استراتيجي لها في سوريا يتعارض كلياً مع وجود نفوذ إيراني قوي، وقد أظهر قبولها، بل تعاونها، من أجل السماح لإسرائيل باستهداف قوات إيران في سوريا بأنها راغبة فعلياً بإحداث المزيد من الضغط على إيران، من أجل تقليص نفوذها، بل أنها مستعدة، في حال وجود تفاهمات مع واشنطن والغرب، أن تمضي نحو خطوات أكثر جدية في معالجة النفوذ الإيراني في سوريا.

ثمة مؤشر آخر لا يمكن إغفاله، وهو الانتخابات العراقية، والتي أظهرت تعاوناً متعدد الأطراف دولياً وعربياً وعراقياً، من أجل تقليص نفوذ القوى السياسية التابعة لإيران، وهو ما يعني أن التعاون من أجل تقليص النفوذ الإيراني يشمل أكثر من ساحة من ساحات نفوذها، كما أن انسحاب أمريكا من الملف النووي، وتشكيله عامل ضغط دولي إضافي، سيكون له مفعول مهم في تقليص نفوذ إيران، ودفعها نحو القبول بتسويات في المنطقة لا تتناسب مع طموحاتها وأهدافها التي وضعتها سابقاً، للاستفادة من الخلل الذي حدث في منظومة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

إن التسوية السياسية حول سوريا، ومنذ أن أصبح الخارج هو الأساس في تحديد مسارات الصراع فيها، لم تعد تسوية سورية، وإذا كانت تلك التسوية ستقترب من تحديد إطارها العام خلال الأشهر المقبلة، فهي لن تتضمن مصالح السوريين وطموحاتهم، بل ربما تحمل المزيد من الآلام والانكسارات لهم، وستزيد من تحدياتهم السياسية والإنسانية، فهي ستكشف عن مدى الهشاشة التي وصل إليها الوطن السوري.