icon
التغطية الحية

هربوا من الحرب في سوريا فقامت في أوكرانيا.. سوريان يسردان تجربتين للجوء

2022.11.07 | 15:39 دمشق

اللاجئان السوريان الصفوة وحامد ينتظران البت في طلب لجوئهما في بريطانيا
اللاجئان السوريان الصفوة وحامد ينتظران البت في طلب لجوئهما في بريطانيا
New York Times - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أخذ نحو عشرين شخصاً فروا من الحرب في أوكرانيا يحتسون الشاي في قاعة كنيسة صغيرة تقع شرقي لندن، ثم تناولوا الغداء معاً وهم يحاولون التعرف إلى بقية الأفراد ضمن مجتمعهم الجديد.

كان بينهم الشابان عبد الله الصفوة ومحسن حامد الذي كان يبتسم ويتحدث مع تلك المجموعة باللغة الروسية مع بضع كلمات حفظها من اللغة الأوكرانية خلال حديثهم عن تجاربهم المروعة.

السوريان محسن حامد وعبد الله الصفوة يحضران حفلة مخصصة للنازحين في لندن بتاريخ 14 أيار 2022

نازحان للمرة الثانية

ولكن بخلاف غيرهما الذين اجتمعوا لتناول الغداء، كانت تلك المرة الثانية التي يضطر فيها هذان الرجلان للنزوح، إذ كانت المرة الأولى عندما نزحا من بلدهما سوريا، والثانية من أوكرانيا، حيث أمضيا عقداً كاملاً من الزمان وهما يعيشان هناك وينتظران القادم المجهول.

وعن ذلك يحدثنا الصفوة الذي أسهب في الحديث عن تفاصيل تقديمهما على طلب لجوء في بريطانيا، فيقول: "لست أدري إن كان بوسعي البقاء هنا أم لا، وكيف سيتصرفون معنا، وهل سيعاملوننا كأوكرانيين أم كسوريين؟"

فر أكثر من سبعة ملايين شخص من أوكرانيا عند غزو روسيا لها في أواخر شباط الماضي بحسب الأرقام التي نشرتها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلا أن الغالبية العظمى من المواطنين الأوكرانيين تشملهم خطة إعادة التوطين المؤقتة في بريطانيا التي وضعتها وزارة الداخلية البريطانية من أجل برنامج التأشيرة الخاص بالأوكرانيين، وذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي تقدم حماية مؤقتة بلا تأشيرة لمن فر من تلك الحرب.

السوري محسن حامد في مكتبة بلندن في 21 أيلول 2022

 

منطقة رمادية

ولكن بين من فروا من تلك الحرب أشخاص من أمثال الصفوة وحامد اللذين يحتل وضعهما منطقة رمادية، فهم يبحثون عن مكان مزدهر وآمن ليعيدوا بناء حياتهم إلا أن بحثهم عن ذلك المكان تحول إلى قضية معقدة، وذلك لأنهم في بعض الدول، ومنها بريطانيا، يحصلون على دعم محدود مقارنة بما يحصل عليه المواطنون الأوكرانيون الذين فروا من الحرب نفسها وباتوا يسعون للم شتات حياتهم.

إذ بدون الجنسية الأوكرانية لا يحق لهذين الرجلين تقديم طلب ضمن برامج التأشيرة التي تقدم إعادة توطين مؤقتة لمن فروا من الحرب في أوكرانيا، ولذلك دخل كلاهما إلى بريطانيا خلسة عن طريق أيرلندا التي سمحت بدخول كل من فر من الحرب دون الحصول على تأشيرة، ومن ثم قدما طلب لجوء في بريطانيا.

محسن حامد يدلنا على الطريق الذي سلكه من أوديسا إلى بريطانيا

نزوح متعدد

حول ذلك تعلق شابيا مانتو وهي الناطقة العالمية باسم مفوضية اللاجئين بالقول بأن ظاهرة فرار الناس من أكثر من نزاع بتلك الطريقة والتي تعرف باسم النزوح المتعدد تعتبر من التحديات التي أصبحت شائعة مع عدد من الناس الذين نزحوا بسبب استمرار قيام الحروب في العالم، وتضيف: "إنه لوضع متقلقل بحق".

على الرغم من أن مانتو لم تدخل في تفاصيل قضية  الصفوة وحامد، إلا أنها ذكرت بأن استجابة الدول الأوروبية للمواطنين الأوكرانيين الفارين من الحرب بينت ما بوسع تلك الدول أن تقدمه من مساعدة.

السوري محسن حامد يمارس التمارين الرياضية في لندن

تاريخ الصورة 21 أيلول 2022

وفي ذات الوقت، عبرت المواقف والرسائل تجاه طالبي اللجوء الآخرين عن ترحيب فاتر مقارنة بالترحيب الذي حظي به الأوكرانيون، وتعلق مانتو على ذلك بقولها: "أعتقد أن أوكرانيا بينت لنا بأنه عند وجود التزام سياسي، يمكن للمقاربة الإنسانية أن تسود وتسيطر، كما يمكن استضافة اللاجئين". فلقد أرسلت دول من مختلف بقاع العالم، ومن بينها بريطانيا، مليارات الدولارات كمساعدات لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

كان الصفوة وحامد طالبين في أوكرانيا عندما قامت الحرب في سوريا عام 2011، ولهذا قررا عدم الرجوع إلى بلدهما مخافة أن يتم تجنيدهما في الجيش.

السوري عبد الله الصفوة بجانب نهر التايمز بلندن في 21 أيلول 2022

كان حامد يدرس في الأكاديمية البحرية الوطنية بمدينة أوديسا الواقعة جنوبي أوكرانيا، وذلك منذ عام 2009، على أمل أن يصبح بحاراً، ثم قبطاناً. ولكن عندما قامت الحرب في سوريا، قدم طلب لجوء في أوكرانيا.

حماية إنسانية

وهكذا أصبح هو والصفوة صديقين في أوديسا، بعدما ألفيا نفسيهما وقد علقا في حالة من انتظار المجهول الذي لا يأتي. بيد أنهما لم يحصلا على صفة لاجئ بشكل كامل في أوكرانيا، بما يتيح لهما التحول إلى مواطنين في نهاية المطاف، بل حصلا على صفة "الحماية الإنسانية" المحدودة.

ونتيجة لذلك، لم يتمكن حامد من اجتياز ساعات التدريب اللازمة على متن أحد المراكب حتى يتحول إلى قبطان، كما كان بوسعهما أن يعملا ولكن دون أن يغادرا البلد، حتى لرؤية أهلهما الذين فروا من سوريا. ثم عندما غزت روسيا أوكرانيا ألفيا نفسيهما لاجئين من جديد.

الآلاف يقفون في طابور للصعود على متن القطار حتى يسافروا من ليفيف إلى بولندا

تاريخ الصورة 4 آذار 2022

وحول ذلك يحدثنا حامد فيقول: "قال أهلي لي: رأينا ما حل بسوريا، لذا إياك أن تبقى". ولهذا استقل هو وأربعة من أصدقائه أحد القطارات المتوجهة نحو الحدود البولندية بعد مرور أيام على بداية الحرب. ومن هناك عبروا إلى الاتحاد الأوروبي بواسطة سيارة. أما الصفوة فكان يعيش في العاصمة الأوكرانية كييف عندما قامت الحرب، حيث أمضى سنوات عديدة وهو يحاول أن يؤسس حياته من جديد عبر إقامة مشروع سياحي ناجح.

"نحن نعرف روسيا جيداً"

إلا أن كل ذلك تبخر بين ليلة وضحاها، فأمسى يدرك بأن الرحيل قد أزف، وذلك خشية امتداد النزاع لفترة طويلة في أوكرانيا، وعن ذلك يعلق بالقول: "إننا نعرف روسيا من خلال ما فعلته بسوريا، فهذا ليس بجديد علينا، إذ لا يكترثون بأمر المدنيين، ولا يميزون بين العسكري والمدني، بل يقصفون الجميع، ولقد أدركت ذلك على الفور، وحسمت أمري، وقررت الرحيل".

وهكذا قاد الصفوة سيارته حتى وصل إلى الحدود البولندية برفقة جيرانه وذلك بعد يوم واحد على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، وهناك وصلته أخبار حامد.

أوكرانيون يزيلون الركام بعد تعرض مبنى سكني لقذائف صاروخية في العاصمة كييف تاريخ الصورة 25 شباط 2022

قرر الرجلان في نهاية المطاف أن يسافرا إلى بريطانيا، ظناً منهما أنها ستقدم أفضل فرصة لهما ليبدأا حياتهما من جديد، نظراً لأنهما يتحدثان بعض الإنكليزية ولديهم أقرباء هناك. ولكن حتى يصلا إلى هناك، بات عليهما الالتفاف على شروط التأشيرة، ولهذا سافرا في بداية الأمر إلى أيرلندا بما أنها خففت القيود على اللاجئين الهاربين من الحرب في أوكرانيا، ثم عبرا الحدود المفتوحة من أيرلندا الشمالية بما أنها جزء من المملكة المتحدة.

وهناك قدم كلاهما طلب لجوء بمجرد وصولهما إلى إنكلترا في منتصف شهر آذار الفائت.

"لا وطن لي"

يحدثنا حامد عن موظفي دائرة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية البريطانية الذين عالجوا طلب لجوئه فيقول: "أخبرتهم بأنه ليس لدي أي مكان آخر لأذهب إليه، وبأني أريد أن أتقدم بطلب لجوء لأنه لا وطن لدي في أي بقعة من بقاع العالم".

سمع هذان الرجلان عن عدد من السوريين الآخرين الذين قطعوا الطريق ذاته من أوكرانيا إلى بريطانيا، إذ في بداية الأمر سمحت وزارة الداخلية للأوكرانيين فحسب ممن يقيمون في بريطانيا أن يقوموا بدعم أهلهم الفارين من الحرب. ولكن في الربيع الماضي، طرحت وزارة الداخلية برنامجاً آخر يسمح للأوكرانيين الذين ليس لديهم أحد من أهلهم يقيم في بريطانيا أن يقوم شخص مقيم فيها بتمويلهم ودعمهم، كما سمحت لهم بالبقاء في بريطانيا لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

تعتبر وزارة الداخلية مسؤولة عن نظام اللجوء في بريطانيا، ولذلك اتخذت إجراءات صارمة للقضاء على الطرق غير القانونية التي يصل من خلالها من يفرون من الحرب إلى ذلك البلد، وكان من بين تلك الإجراءات محاولة فرض عدد من السياسات التي تعرضت لانتقادات حادة من قبل منظمات حقوقية وخبراء في حقوق الإنسان كونها تشتمل على ما يخالف قوانين اللجوء الدولية.

كما استنكرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة خطة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، ورفعت دعوى ضدها في المحكمة العليا ببريطانيا.

طرقات آمنة وقانونية!

بيد أن وزارة الداخلية رفضت الخوض بتفاصيل حالة الصفوة وحامد لأن هذه سياستها، لكنها أشارت إلى أن السياسات الحكومية القائمة مخصصة للمواطنين الأوكرانيين الذين يسعون للحصول على ملاذ مؤقت في بريطانيا، حيث أوضحت في بيان لها ما يلي: "ينبغي على الأشخاص تقديم طلب لجوء في أول دولة يصلون إليها، أما بالنسبة لمن هم بحاجة للحماية، فيجب عليهم أن يستعينوا بأحد الطرقات الآمنة والقانونية حتى يصلوا إلى المملكة المتحدة".

ولهذا غالباً ما يتم تأخير طالبي اللجوء من أمثال الصفوة وحامد في ظل نظام اللجوء البريطاني، حيث ينتظر هؤلاء القرار الفصل بالنسبة لطلباتهم والذي قد يستغرق شهوراً بل حتى سنوات حتى يتم البت فيه.

لا حق لطالب لجوء بالعمل في بريطانيا

وإلى أن يحين ذلك، يقيم هؤلاء في فنادق ويتم تقديم المواد الغذائية لهم ويحصلون على مبلغ 8 باوندات بالأسبوع، أي ما يعادل تسعة دولارات، وذلك حتى يقوموا بشراء المستلزمات الأساسية، ويدفعوا أجرة الركوب في المواصلات العامة، ولكن لا يحق لهم العمل، على الرغم من أن هذا هو الشيء الذي يتوق لفعله كل من الصفوة وحامد، إذ يقول الأول: "أخبرونا بأننا لا يحق لنا أن نعمل، وقدموا لنا هذا الفندق، كما أنهم يزودوننا بالمواد الغذائية، ولكن لم كل هذا؟ دعونا نعمل فحسب".

حالياً، يمضي هذان الرجلان وقتهما بحضور دروس اللغة الإنكليزية، كما يرتادان نادياً رياضياً، وقد تعرف كل منهما على معالم مدينة لندن. كما أصبح حامد يطالع روايات شارلوك هولمز ليحسن لغته الإنكليزية، وكثيراً ما يتنزه بالقرب من نهر التايمز ومتحف البحرية الوطني في غرينويتش، لأنه مايزال يحلم بأن يصبح قبطاناً، وعن ذلك يقول: "بما أني بحار، أتمنى أن أمتهن هذا العمل في يوم من الأيام"، وعن رحلاته المتكررة لذلك المكان يقول: "عندما أزور المتحف، أحس بشيء من السعادة".

المصدر: New York Times