icon
التغطية الحية

هجوم فرنسا مثالاً.. كيف ضلل استخدام "الله أكبر" الإعلام؟

2020.11.18 | 05:19 دمشق

2020-10-29t145537z_1749301232_rc2esj91xf9d_rtrmadp_3_france-security-nice.jpg
شرطي فرنسي في موقع الهجوم في مدينة نيس ـ رويترز
إسطنبول ـ سامر قطريب
+A
حجم الخط
-A

نهاية شهر تشرين الأول الفائت نشرت وكالات الأنباء العالمية ووسائل إعلام غربية خبرا عاجلا عن هجوم نفذه "إرهابي إسلامي" صاح "الله أكبر" قبل شن هجومه في مدينة أفينيون الفرنسية، ليتضح لاحقا أن الهجوم نفذه متطرف يميني فرنسي من جماعة "جيل الهوية".

بعد التأكد من الخبر اختلفت العناوين في وسائل الإعلام الغربية من "هجوم إرهابي" إلى "هجوم مسلح"، ما يدل على العلاقة الشائكة في مثلث الإعلام والإرهاب والسياسة.

 

Capture.JPG رويترز.JPG
خبر هجوم أفينيون على وكالة رويترز

 

Capture_0.JPG
صحيفة إندبندنت البريطانية لم تصنف الهجوم اليميني إرهابياً

 

 

واشنطون بوست.JPG
صحيفة واشنطن بوست قبل أن تعدل خبر الهجوم في أفينيون

 

إذاعة أوروبا الفرنسية قالت "الشرطة تقتل بالرصاص شخصا في مدينة أفينيون بعدما هدد المارة بسكين وهو يردد الله أكبر" ونقلت الخبر عنها وكالة رويترز.

لكن بيانا للمدعي العام الفرنسي، أوضح أن المهاجم فرنسي وينحدر من أصول "شمال أفريقية"، وكان يحمل سلاحا ناريا، مضيفا أنه كان يعاني من "مشكلة نفسية"، وبالتالي لن يتم التحقيق في الحادث باعتباره "هجوما إرهابيا".

وأكد شخص تعرض للهجوم في أفينيون أن المهاجم الذي صوب السلاح نحوه كان يرتدي ملابس حركة الهوية اليمنية المتطرفة، مشيراً إلى أنه ألقى التحية النازية قبل أن يصوب السلاح باتجاهه.

تستطيع وسائل الإعلام تلافي الخطأ من خلال التصحيح والاعتذار أو الحذف ولكن هل يمكن محو أثره؟ تبقى وسائل التواصل الاجتماعي التي يتبنى بعضها الخطاب الشعبوي، والذي يتسم برد فعل سريع ومتوتر، مسرحا لخطاب الكراهية والتحريض، وقد أصبحت هذه المنصات مصدرا للخبر والمعلومة لدى كثير من الشرائح الاجتماعية.

وكان مرتكب مجزرة المسجد في مدينة "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا، قد بث جريمته مباشرة عبر تطبيق فيس بوك، قبل أن يقوم التطبيق بحذف المشاهد.

 

الكلمات تقتل مثل الرصاص

الأمم المتحدة حذرت سابقا من أن الكلمات تقتل مثل الرصاص وأن جرائم الكراهية، يسبقها خطاب كراهية، وطرحت مثالا الجرائم التي يتعرض لها الروهينغيا في ميانمار، والتي بدأت بخطاب كراهية.

ولفت أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه "مع وصول قنوات جديدة لخطاب الكراهية إلى جمهور أوسع من أي وقت مضى وبسرعة البرق، نحن جميعا - الأمم المتحدة والحكومات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات التعليمية - نحتاج إلى تصعيد استجاباتنا".

من ناحيته قال أداما ديانغ، المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، "تمشيا مع التزام الأمم المتحدة طويل الأمد بحماية جميع معايير حقوق الإنسان الدولية وتعزيزها وتنفيذها، فإن الاستراتيجية وخطة العمل لا تستدعيان مطلقا فرض قيود على حرية التعبير والرأي لمعالجة خطاب الكراهية. وأوضح قائلا إن الاستراتيجية، على النقيض من ذلك، "تتبنى مقاربة كلية تهدف إلى معالجة دورة حياة خطاب الكراهية بأكملها، من جذوره إلى تأثيره على المجتمعات. كما يُعتبر أن إكثار الكلام - البديل والإيجابي والروايات المضادة - هو الرد على خطاب الكراهية".

في حين يقول المجلس الأوروبي، إن "الصحفيين والجهات الإعلامية الأخرى يتحملون مسؤولية توفير معلومات دقيقة وشاملة عن الأعمال الإرهابية والتهديدات المحتملة وتجنب التقارير الإعلامية المثيرة التي تؤدي إلى انتشار الرعب العام والخوف ومشاعر الفوضى".

ويشير المجلس إلى أنه يمكن أن تكون التغطية الإعلامية حاسمة في إثارة النقاش المستنير في حالات الأزمات، ويمكن للإعلاميين أيضا تقديم مساهمة إيجابية في الوقاية من الإرهاب من خلال إظهار كيفية استجابة الدول الأعضاء والمنظمات الدولية لهذه التهديدات.

 

الإرهاب والإعلام والسياسة انجذاب متبادل

تهتم الحركات المتطرفة بالإعلام، لأنها تسعى لنشر أعمالها وإثارة الرعب، في حين يجذب الإعلام الأحداث الطارئة والاستثنائية والأخبار الخاصة، وكلما نزف الخبر لاقى رواجاً، ما قد يجعل العامل "الدرامي" في الخبر يؤثر على عامل الدقة والموضوعية. وهنا في الخبر المذكور ما القيمة من ذكر كلمة "الله أكبر" في العنوان؟ وهل يعني ذلك الوقوع في التنميط والتعميم؟

استغل تنظيم الدولة سابقا شهوة الإعلام للأخبار المثيرة والاستثنائية والسريعة من خلال إصداراته، التي انتشرت بشكل كبير، واستطاع التنظيم جذب أكبر قدر من الاهتمام والمتابعة حول العالم.

هل هناك بالفعل تفضيل بين الصحفيين والسياسيين الأوروبيين لقصر كلمة "الإرهاب" على أحداث معينة، وعدم تطبيقها على أحداث أخرى؟ إن كانت عرقية أو دينية أو حتى جندرية؟ وهل يحمل استخدام مفردة الإرهاب تعميما غير مقصود على جماعة بعينها؟

الأسئلة أثارتها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي سبقت الهجمات التي شهدتها فرنسا الشهر الفائت، قبل أن يحاول توضيح ما عناه من خلال استخدام مفردات مثل "الإرهاب الإسلامي" و"إرهابي إسلامي".

وقال ماكرون حينها إن بلاده تعرضت لهجوم من "إرهابي إسلامي" عقب الهجوم الذي وقع في مدينة نيس وأودى بحياة ثلاثة أشخاص.

وأضاف ماكرون "إذا تعرضنا لهجوم فهذا بسبب قيمنا الخاصة بالحرية ورغبتنا في عدم الرضوخ للإرهاب".

وقبل ذلك شهدت فرنسا مقتل مدرّس فرنسي عرض رسوماً مسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، على يد طالبٍ مِن أصل شيشاني.

الابتعاد عن التنميط والترويج في الأخبار للسلم الاجتماعي هي من مهمة الإعلام المسؤول، إضافة لتفادي الانجرار وراء الأجندات السياسية، لأن التغافل عن ذلك قد يؤدي لرد فعل معاكس وهو ما نفذه المهاجم اليميني في أفينيون.

يشدد المجلس الأوروبي على ضرورة التفريق عند التعامل مع تسمية وظاهرة "الإرهاب" في كل من السياسة والإعلام. ويشير إلى أن الاستخدام الحذر لمصطلح "الإرهاب" لا يستبعد ضرورة الإبلاغ عن أي هجوم عنيف كبير في المجتمع ، لكنه يساهم في التمييز بين الميول ذات الدوافع السياسية والسلوك الإجرامي المتطرف. ويشدد على أن "الإرهاب هو أسلوب  وليس سمة أولية لمجموعة كاملة".

يواجه الصحفيون والإعلاميون تحديات كبيرة مؤخرا عند تغطيتهم للهجمات "الإرهابية" المتكررة. ويشكل انتقال "الإرهاب" إلى بيئة وسائط رقمية تتسم بالانتشار الواسع للمعلومات وبسرعة غير مسبوقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحديا خطيرا للمهنة نفسها.

 

اقرأ أيضا:وصفه إعلام فرنسي بأنه مسلم.. القضاء يكشف هوية مسلح "أفينيون"