icon
التغطية الحية

هجرة الحرفيين وانعدام الخدمات ترهق صناعة المفروشات في حلب

2023.06.03 | 12:02 دمشق

هجرة الحرفيين والظروف المادية أرهقت صناعة المفروشات في حلب
معرض لبيع المفروشات
تلفزيون سوريا - جلال سيريس
+A
حجم الخط
-A

بعد أن كانت صناعة المفروشات مزدهرة في حلب، أدت هجرة الحرفيين إلى الخارج وتردي الخدمات والأزمة المعيشية في سوريا، إلى كساد في البيع وشح في المعروض منها.

انقطاع الكهرباء لساعات طويلة واضطرار الورش إلى استخدام المازوت المستجر من السوق السوداء، دفع صانعي المفروشات إلى رفع أسعارهم، وتوقف الصناعة إلا عند الطلب وتأخر التسليم، هذا كله ما دفع الزبون وفقاً لصاحب معرض في حي شارع النيل يدعى "إسماعيل" للتوجه إلى سوق المستعمل لشراء ما يلزمه من أثاث.

ضمن هذه الظروف أكد أكثر من صاحب معرض مفروشات التقى معهم موقع تلفزيون سوريا، اضطرارهم إلى نقل عدد من عمالهم إلى مصر والأردن وكردستان العراق، وافتتاح معارض في هذه الدول، حيث يقول "أسامة" الذي يمتلك محلا للمفروشات في حي الجميلية، إن عائلته اضطرت للهجرة إلى مصر بعدما افتتح والده ورشة ومعرضا للمفروشات هناك بمساعدة شقيقه.

وأضاف أن عائلته وبعد افتتاح الورشة تمكنت من نقل عدد من الحرفيين الذين كانوا يعملون ضمن ورشتهم في مدينة حلب إلى مصر، مستغلين القوانين المساعدة في جذب المستثمرين إلى هناك.

وتابع بالقول: "اضطررت كوني قد أنهيت خدمتي الإلزامية منذ سنوات، وغير مطلوب للاحتياط، للبقاء في مدينة حلب، للحفاظ على المعرض والورشة بأمان من السرقات، بينما اضطر أخي الأصغر إلى الهجرة إلى مصر مع والدي لكونه مطلوبا للخدمة العسكرية، ولا يستطيع البقاء هنا".

وأشار إلى أنه يضطر في كثير من الأحيان لأن يستجر أموالا من معرضهم في مصر لدفع مصاريف المعرض والورشة من كهرباء وعمالة وضرائب، حيث أن المدخول أقل بكثير من المصروف.

بيع المفروشات الجديدة شبه متوقف في حلب

من جانبه يقول "أبو محمد" (اسم حركي) يمتلك معرضاً لبيع الموبيليا في حي الفرقان بمدينة حلب لموقع تلفزيون سوريا: "قبل عام 2012 كنا نبيع أكثر من 12 غرفة نوم وأكثر من 15 غرفة جلوس شهرياً".

ويضيف: "خلال السنوات التي تلت 2012، بدأت حركة البيع تخف بشكل تدريجي، خصوصاً بعد انتشار أسواق المستعمل، ومنافستها لأسعار الأطقم الجديدة".

من جانبه سخر إسماعيل، من وضع البيع بالقول: "تصلنا أحياناً قناعة أن الناس توقفت عن الزواج، ولم تعد مضطرة لشراء أثاث للمنزل، قد يمر شهر كامل من دون بيع طقم واحد سواء غرفة نوم أو غرفة جلوس".

وأضاف ممازحاً: "كنا سابقاً نرفض تخفيض الأسعار عند المساومة، فكانت أرباحنا تصل إلى ما يقارب الـ 50 في المئة، أما اليوم، فبتنا نتمسك بالزبون ونرضى بالربح القليل.. صار المهم بالنسبةِ لنا أن لا يتوقف عملنا ونغلق معارضنا ونضطر إلى تحويلها لمحال لبيع المواد الغذائية".

الأثاث "المجدد" بات خيار الزبائن

وأشار إلى أن ورش الموبيليا كانت تعمل على مدار الـ24 ساعة ضمن نظام الورديات، أما اليوم فصار العامل يأتي إلى الورشة حسب الطلب، ويتقاضى أجره على القطعة التي ينجزها.

وتابع: حتى إن أكثر من شركة مفروشات باتت تتعاون مع بعضها بعضا من خلال تشغيل الورش، بينما سابقاً كان هناك تنافس لجذب الحرفي ذي العمل المتقن واحتكاره، أما اليوم، فالجميع هنا لا يريد أن ينخفض العمل خوفاً من هجرة من بقي من الحرفيين والعمال.

ولم يخفِ "أبو محمد" تخوفه من توقف حرفة الموبيليا في مدينة حلب بسبب تنوع المصادر، خصوصاً المستعمل أو ما بات يعرف بشكل صريح بـ "الأطقم المعفشة"، فهناك وفقاً لقوله ورشات تقوم بتجديد هذه المفروشات وعرضها بأسعار منافسة، على أنها بضاعة "لقطة" بحجة اضطرار صاحبها لبيعها بغرض السفر.

وأضاف قائلاً: "تجديد القطع وبيعها كان منتشرا سابقاً، ولها زبائنها الكثر وخصوصاً في المناطق الشعبية، أما اليوم وبسبب أسعارها الرخيصة مقارنةً بالجديدة، فباتت (مرغوبة) بشكل كبير حتى في الأحياء الميسورة من المدينة، فصار الزبون يأتي إلى معارض الأثاث الجديد ويحاول أن يأخذ الأطقم بسعر قريب من أسعار الأثاث الذي تم تجديده، وفي كثير من الأحيان نضطر إلى تخفيض السعر بشكل كبير لعدم خسارة الزبون".

من جانبه إسماعيل لم ينفِ ما اشتكى منه "أبو محمد" إلا أنه أكد أن هناك بعض الزبائن وعددهم قليل، يرفضون شراء الأثاث "المجدد"، لكونه حسب قوله منخفض الجودة أو كما يوصف بـ "نص عُمُر"، بسبب استخدام أنواع من القماش الخفيف والأخشاب السيئة القابلة للكسر سريعاً أو "راتان البلاستيك".

أما بالنسبة للأخشاب المستخدمة في صناعة الموبيليا (الجديدة) فأكد "أبو محمد" وجود كميات كبيرة من خشب الزان الذي كان مرغوباً بشدة لدى الزبائن في مدينة حلب بسبب صلابته (حسب تعبيره)، وصولاً إلى خشب البلوط والسنديان والسويد، إضافةً إلى الأنواع الأقل سعراً مثل الـ "MDF"، حيث لا يعاني سوق المفروشات من النقص، فبات المعروض من الأخشاب أكثر بكثير من المباع.

وأشار إلى انتشار أنواع جديدة دخلت في صناعة المفروشات غير الأخشاب، كنوع من تخفيض تكاليف التصنيع لجذب الزبائن، وأعطى مثالاً على ذلك "راتان البلاستيك" التي باتت تستخدم لصنع الخزن وأطقم الجلوس وتباع بأسعار رخيصة تناسب الوضع المادي الحالي.

وأكد أن أسعار المفروشات المصنعة من هذه الأنواع منخفضة لكون المواد الأولية رخيصة، على خلاف الأخشاب، والتعامل معها في التصنيع أسهل بكثير.

وأعطى "أبو محمد" مثالاً على اختلاف الأسعار بالقول: "طقم غرفة الجلوس الممتاز من الخشب الزان أو السويدي يمكن أن يصل سعره إلى 9 ملايين ليرة على الأقل، بينما المصنوعة من (بدائل الخشب) كما وصفها، فممكن أن يصل سعرها في أحسن الأحوال إلى 4 ملايين ليرة، أي النصف تقريباً.

من ورديتين إلى العمل حسب الطلب

من جانبه أكد يوسف وهو أحد الحرفيين العاملين في ورشة لصناعة المفروشات في منطقة الميدان وسط مدينة حلب: "سابقاً كان هناك ضغط عمل كبير في ورشات الموبيليا، حتى إننا كنا نعمل ضمن ورديتين، كل وردية 12 ساعة بشكل شبه متواصل".

وأضاف، كانت الورشة الواحدة تضم أكثر من عشرة "شغيلة" ضمن الوردية الواحدة من حرفيي قص خشب وبخ، وتنجيد وخياط، وعمال تحميل، و(معلم النجارة) أما اليوم فاكتفى صاحب الورشة بوردية واحدة فقط، مقتصرة على خمسة عمال ، يأتون إلى العمل حسب الطلب".

وأشار إلى أنه خلال الفترة الماضية اضطر للبقاء في منزله من دون عمل لأيام عديدة بسبب عدم وجود طلبات يجب إنجازها، وهذا ما جعله يفكر بشكل جدي بالانتقال إلى محافظة أخرى يكون فيها العمل أفضل، أو ترك مهنة المفروشات.