icon
التغطية الحية

هبوط حاد لليرة السورية.. أسباب ومؤشرات

2019.06.18 | 16:06 دمشق

فئات من العملة السورية (إنترنت)
وجيه حدّاد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

شكلت العقوبات الأميركية على سامر الفوز وشقيقيه ضربة موجعة لأوهام وأحلام النظام وداعميه، سواء من الناحية السياسية الرامية إلى إعادة تعويمه، أو الناحية الاقتصادية التي ظهرت آثارها في سرعة تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الذي وصل حتى الآن إلى 608 ليرة.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد  أدرجت 16 شخصا وكيانا على لائحة عقوباتها الأسبوع الماضي لارتباطهم اقتصاديا بنظام الأسد وتمويلهم المباشر له، وشملت العقوبات بالإضافة إلى عائلة الفوز الثلاثة كأشخاص، ثلاثة عشر كيانا اقتصاديا  تتبع معظمها لهم بشكل مباشر.

 

تسويق الفوز كوجه سني مقبول

وكان النظام في واحدة من ألاعيبه وفي إحدى صحفه، وتحديدا صحيفة "الوطن" المملوكة لرامي مخلوف قد أوحى قبل رمضان بوجود خلاف بين رامي مخلوف وسامر الفوز، في محاولة لتسويقه كشخصية اقتصادية سنية، تبدو وكأنها لا تمت بصلة لإمبراطورية آل "مخلوف الأسد" المالية، أو على الأقل تتمتع باستقلالية عالية عنهما، وذلك ضمن محاولات النظام للتحايل على المجتمع الدولي بالقول إن مسافة كبيرة تفصله عن سامر الفوز، وإنه ليس واحدا من واجهاته الاقتصادية.

واستكمالا لهذا المنحى أقام سامر الفوز فور عودته إلى سوريا التي بدت كانتصار، مأدبة عشاء في فندقه "الفورسيزون" جمع فيها أهم الشخصيات الاقتصادية الدائرة في فلك نظام الأسد في مشهد تم التسويق له ليبدو وكأنه فعليا قد أزاح رامي مخلوف من قيادة القاطرة، وحل مكانه كقطب اقتصادي قائد.

 

تأثير العقوبات على صرف الليرة

مع إعلان العقوبات على الفوز والكيانات الاقتصادية المرتبطة به تسارع هبوط الليرة السورية بشكل واضح ليتجاوز في الأيام الماضية عتبة 600 ليرة سورية للدولار، وهي المرة الثالثة التي يصل فيها إلى هذا المستوى منذ 2011، ولكنها الثانية خلال هذا العام فقد سبق أن ارتفع لأيام إلى هذا المستوى في ظل أزمة المازوت والبنزين الشديدة قبل شهرين.

وكان سعر الصرف في ربيع عام 2016 قد وصل إلى 640 ليرة سورية لفترة قصيرة، هبط تدريجيا بعدها، وعاد 2017 ليستقر عند حدود 450 حتى صيف 2018 ليبدأ ارتفاعه شبه اليومي وصولا إلى كسر حاجز 600 حاليا، في ظل صمت وغياب أي دور للمصرف المركزي السوري، وهو ما يفسر بين العجز والتواطؤ ضمن وضع اقتصادي شديد الصعوبة يعيشه النظام، وتنعكس مفاعيله المباشرة مزيدا من الضيق والحرمان في حياة السوريين التي باتت نسب الشرائح المسحوقة منهم هي الغالبية العظمى من الشعب السوري.

 

سعر الصرف والأسباب العسكرية

بالإضافة إلى العقوبات والوضع الاقتصادي المتهالك لدى النظام، لعبت الهزيمة النسبية في معارك حماة الأخيرة، وريف إدلب، دورا فاعلا في هبوط سعر الصرف، لفشلها أولا على الصعيد العسكري المباشر، وفشل الأهداف الاقتصادية المتوخاة منها، وهي السيطرة على الطرق الرئيسية  الواصلة بين حلب واللاذقية (M4) وحلب وحماة (M5) التي تقع في مناطق المعارضة، بالإضافة إلى ما تشكله العمليات الحربية من عامل استنزاف مباشر لاقتصاد النظام، وما تعكسه من حالة عدم استقرار عام.

 

سعر الصرف وموسم القمح

من الآليات المتبعة لدى النظام في التحكم النسبي بسعر الصرف، هي امتصاص السيولة السورية والحرص على ضخ الحد الأدنى منها في الأسواق، وهي أحد الأسباب التي تمنع النظام من إعطاء القروض أو تسهيلها، ويبلغ الإنفاق اليومي للسوريين على السلع والخدمات مبلغا بحدود 33 مليار ليرة سورية يوميا، لكن المعادلة تتغير في مواسم القمح بسبب اضطرار النظام إلى ضخ مبالغ ضخمة لشراء القمح ما يجعل الكتلة النقدية السورية المتداولة أكثر من المعتاد بعد موسم الحصاد، الأمر الذي يساعد على المزيد من هبوط سعر الصرف أمام الدولار.

لا يعتبر سعر صرف الليرة السورية في الوقت الراهن شأنا اقتصاديا بحتا كما في الظروف العادية، وإنما يعتبر مؤشرا لجملة من المعطيات السياسية الاقتصادية العسكرية الأمنية معا، تعبر عن عمق أزمة النظام واختناقه وعجز رعاته من الروس والإيرانيين عن إخراجه من غرفة الإنعاش وإدخاله في النادي الدولي من جديد وفق مخططاتهم لتعويمه من جديد.

وإن كان النظام قد استفاد في السنوات الماضية بشكل آني من انخفاض سعر صرف الليرة، عبر تخفيض القيم الفعلية للأجور والرواتب المتوجبة عليه، إلا أن ارتدادات هذه الفائدة بدأت تظهر بشكلها الكارثي عبر الانكماش الشديد للأسواق، وانخفاض قيم وارداته التي باتت شبه مقتصرة على الليرة السورية في ظل تراجع الدعم الخارجي له، ما يؤثر فعليا حتى على أذرعه الاقتصادية التي اعتاشت طويلا على هوامش الإنفاق الحكومي.

أما شعبيا، فمع كل تراجع في سعر صرف الليرة تلتهب الأسعار وتحلق بشكل يقلص القوة الشرائية لغالبية الشعب السوري التي باتت عاجزة عن تأمين مستلزمات حياتها اليومية، ومنها الغذائية، وأصبحت تعيش على هوامش الحياة أو المساعدات الخارجية، حيث يتنامى الشعور لدى المؤيدين بالإحباط والغضب من انقلاب الدولة عليهم، سواء من باب عجزها، أو خيانتها لهم.