نواقص النوروز كُردياً ومقتلة الهويّة السورية

2021.04.01 | 06:32 دمشق

photo_2021-03-31_19-43-59.jpg
+A
حجم الخط
-A

 

يحتفل الكُرد في سوريا في يومي 20/21 من كل آذار/مارس بعيدهم القومي، النوروز، رأس السنة الكُردية. بيد أن هذا العام حمل هموماً اقتصادية أضيفت للهم الكردي في صراعهم السياسي مع مختلف الأطراف السورية؛ حول الهويّة السياسية للشعب الكردي في سوريا. وبالرغم من الضائقة المالية والاقتصادية المريبة التي تعصف بالمنطقة، ومدّى تأثيرها على قواعد العيش المعتادة والمستوى المعيشي الذي يتكور على نفسه منذ أعوام، إلا أن تعدد مناطق الاحتفال هذا العام حمل عدّة رسائل لعل أبرزها، أولاً: أن القواعد الاجتماعية لا تزال ترتبط بالنبض والطلب القومي الكردي في سوريا، متحاملين على جراحهم المادية التي أثقلت أجساد أبنائهم، فانتقوا أماكن جديدة لا تتطلب مصاريف إضافية، أو منهم من وزع وقته واحتفاله بين فترات قبل وبعد الظهر في الطبيعة، والظهيرة في المنزل. وفي كل ذلك فعلاً شبيهٌ بالمقاومة سواء للفقر، أو للقرارات السياسية التي حددت أماكن معينة للاحتفال. وثانيتها: أن قلة المتجمهرين حول مسارح الفرق الفلكلورية حملت رسالة للقائمين عليها بضرورة تغيير النمطية وعدم تكرار الأجندة عينها المثبتة سنوياً، مع التقدير لكل جهدٍ مبذول. وثالثتها: احتفل الكُرد بنوروزهم رمزاً للخلاص من الظلم والطغيان. بيد أن تشعب الاحتفالات الرسمية في ليلة النوروز، أعادهم إلى عدم اشتراكهم بذاكرة جمعية واحدة. ففي قامشلو، والتي يعتبرها الكُرد بمثابة عاصمتهم التاريخية، تجاوزت نقاط الاحتفال أكثر من /15/ نقطة. وهو رقم كبير قياساً لمدينة يُمكن لمركبة متوسطة السرعة، قطع المسافة من بداياتها إلى نهايتها خلال /20د/. أما الرابعة: وهي الأسوأ، فإن عدم الاحتفال بجدّية وكثافة بشرية في عمق مدينة قامشلو، كانت سلبية كبيرة. فخلال الأعوام التي سبق الحدث السوري، دأبت الحكومة السورية على إفشال النوروز في المدينة، لإجهاض الهويّة الكُردية، سواء عبر ضخ كميات كبيرة من المياه لمناطق الاحتفال، أو بناء عدد من المساكن المتفرقة لتمزيق شمل المحتفلين، أو منع الاحتفال في أماكن محددة، أو غيرها من اختلاق الظروف التي هدفت بمجملها إلى منع إقامة النوروز في القامشلي. وللأسف لم تتمكن الأحزاب من الاتفاق على هذه النقطة التي كانت ستحسب لهم سياسياً وشعبياً للتخفيف من معاناة الأهالي المادية، ورسالة قومية وسياسية لكل الأطراف على مدى التجذر الشعبي للكرد في هذه المدينة المهمة.

من جهة أخرى، فإن رسائل التهاني التي صدرت عن المعارضة السورية سواء كشخصيات أو هيئات رسمية. هي وإن حملت إيجابية وتواصل الأخر مع الكُرد، حيث كان مفقوداً وممنوعاً طيلة العقود الماضية، وما بدعة عيد الأم في 21 آذار في سوريا، إلا للتغطية على تعطيل الجهات الرسمية في ذلك اليوم. إلا أن أربع مُحددات خطيرة تتضح عبر تلك الرسائل. الأولى: أن الكُرد وحدهم يعتبرون النوروز عيداً قومياً وأول أيام رأس السنة الجديدة، من بين الشعوب التي تحتفل في هذا اليوم، لذلك فإن التهاني التي شملت كل الشعوب، ربما لن تدخل ضمن أرشيف الكُرد، أو ضمن الذاكرة الكردية. الثانية: لم تبادر دولة عربية واحدة لتهنئة كُرد سوريا، وفي هذه معضلة مركبة، إحدى أطرافها الساسة الكُرد نفسهم، فهم لم يتمكنوا من كسب دولة واحدة كصديق أو حتى على صعيد بناء علاقات مقبولة. وطرفها الآخر هم العرب أنفسهم، الذين يكررون دوماً عدم اكتراثهم بتاريخ شعب مجاور لهم. الثالثة: وهي استمرار دمشق اتخاذ وضعية المزهرية في التعامل مع القضية الكُردية، فلم تصدر أي تهنئة أو إشارة خجولة ولو على مستوى مركز ثقافي، بهذه المناسبة.

أما الرابعة: فهي التي خلقت هاجساً جديداً للكرد. حيث مصطلح "السوريين الكُرد" الذي ورد في بيان التهنئة من الائتلاف السوري، في إشارة إلى ضرورة تغليب الجانب الوطني على الانتماء القومي. لكن الرواية التي يسعى الائتلاف إلى تعويمها تتناقض وما تشهده أروقة ومراسلات المعارضة نفسها. حيث لا تزال "العربية" تقضم وتهضم "السورية" في كل شيء، وتفرض هويّة عربية على كتلة بشرية قومية خاصة ليست عربية. هذه الرواية التي تروجها النخب والزمر السياسية، تتناقض مع مساعيهم الخاصة. إذ لا يزال الانتماء العربي سباقاً على الانتماء الوطني السوري. بل إن المساعي تتوجه صوب أن تكون الجمهورية عربية سورية. بمعنى أن التفكر بالهويّة الوطنية السورية يبدأ من العمق والتفكير والحديث وفق الهويّة العربية، ثم يُطلب من الكُرد والآشوريين أن يكونوا سوريين ثم يتحدثون بهويّاتهم الفرعية، وكأنه يحق للعرب في سوريا، كونهم أكثرية أن يبدؤوا بعروبتهم ثم الالتفاف حول الهويّة الوطنية.

في ذلك ثمة مخادعات كبيرة من التاريخ المشترك سواء خلال العشرة أعوام المنصرمة، أو مدى التزام الكرد مع أقرانهم السوريين قبل بداية الــ2011. وأهم المخادعات هي أن رغبة تحكم الأكثرية وأبدية قيادتهم لا تزال تسيطر على العقول. وثاني المخادعات: أن التعامل مع القضايا والخصوصيات والمناسبات القومية للشعوب المغايرة في سوريا، لا تزال تمضي وفق عقلية ما قبل المظاهرات التشاركية في سوريا.

بالعموم: فإن تغاضي الدول العربية عن تهنئة كُرد سوريا، وإصرار المعارضة السورية وشبكة النخب السورية من تقديم الانتماء السوري على الحق القومي الكردي، إنما غيب جملة من التفاصيل. الأولى: العجيب أن تكون النخب السياسية والثقافية التي اختبرت كل أنواع الظلم والسجن في سبيل القناعات والحرية السياسية والديمقراطية، وهي بطبيعة الحال نُخب على المستويات الاجتماعية، السياسية، المعرفية، وحتّى الاقتصادية، تكون جزءاً من الخطاب "الخشبي" تجاه الهويّات الفرعية التي يجب أن تُطمس لصالح الهوية العربية السورية. والثاني: رغم عقد من الزمن على التظاهرات والمعارك والاشتباكات والحرب في سوريا، لا تزال نزعة العروبة تسيطر على عقول قسم ليس بالقليل من المتعاملين مع القضية الكردية. أما التفصيل الثالث: فإن الهويّة السورية الجامعة لا تزال جنينية، ضعيفة، هشّة، غير مؤهلة لتعلن عن نفسها كأمٍّ للهويّات جميعها.

في الحالات جميعها، لا تزال التفاصيل الخاصة بالأكثرية هي الطامحة لتشكيل أو صناعة تاريخ جديد لسورية، بوصفه تاريخاً عاماً شاملاً. وهي المقتلة التي لم تتمكن لا النخب ولا الأحزاب ولا الكتل السياسية السابقة والحالية الخروج منها.