نهاية صواريخ إيران: لا صوت يعلو على صوت الحفّارات والنّاقلات

2022.06.16 | 06:08 دمشق

1035713117_0_0_5759_3116_1000x541_80_0_0_577622e571df0ebecafc0a434f27fee1.jpg
+A
حجم الخط
-A

رسمت إيران لصواريخها سلسلة مهمات بعيدة المدى ترتبط بوظيفة رسم حدود النّفوذ، والتّأثير على مسارات الأمن والسّياسة والاقتصاد في المنطقة، وفشل هذا التّأثيرعلى المجالين الدّوليّ والعالميّ.

أدّت الصّواريخ بالتّوازي مع المشروع النوويّ والتّدخلات الميدانيّة في المنطقة أدوارا صبت في صالح تمكين مشروعها التّمددي الإمبراطوريّ، ولكنها في الآن نفسه جعلتها رهينة لها بالكامل وعاجزة عن التّحرك والتّفاوض إلا من داخل العنوان الصّاروخي النّوويّ الميليشياوي.

لا يمكن إنكار نجاحها  في فرض وقائع ميدانيّة بارزة والنّطق باسمها خلال كل هذه الفترة، وخصوصاً مع تدخلها البارز في قمع الشّعب السّوريّ وثورته، ولكن كلّ هذا الحضور يبدو الآن مهدداً بالتّلاشي.

مع الاستثمارات الكبيرة للدول في مجالات التّكنولوجيا بدت إيران دولة خارج سياقات المنطقة، كما أنّ توظيف الخليج لسلاح النفط أثبت فاعليّة قصوى في إطار الكباشات القائمة داخل السّاحة الأوكرانيّة وما خلفته من ارتدادات عالميّة دفعت سعر النفط إلى التّحليق وكرسته سلاحاً لا يتفوّق عليه أي سلاح آخر.

منح هذا البعد دول الخليج التي تمنح صراعها مع إيران أولوية قصوى قدرة على استخدامه بطريقة حاسمة وحازمة، أجبرت إدارة بايدن على بناء استراتيجيّة جديدة في التّعامل مع المسألة الإيرانيّة ومع دول المنطقة بشكل عام.

سياسياً أظهرت الدبلوماسية الروسية نوعا من التشدد ضد إيران، وميدانيّاً أوعزت إلى إسرائيل برفع وتيرة استهداف مقار إيران وميليشياتها المعدة لتخزين الصواريخ

وبعد أن كانت إيران تمنّي النّفس بقرب التّوصل إلى اتّفاق نوويّ يؤمن لها كل ما كانت تحلم به، ويُخرج الحرس الثّوريّ من لائحة الإرهاب بما يعنيه ذلك من شرعنة اختراقاتها الأمنيّة في المنطقة، إضافة إلى الإفراج عن أموالها المحتجزة،  انقلبت الأمور وسلكت مساراً مغايرا، يُرجّح أن ترسم معالمه في الزّيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى السّعوديّة والّتي خرجت بعض عناوينها إلى العلن مسبقاً مع التّراجع عن فكرة إزالة الحرس الثّوري عن قائمة الإرهاب، والحديث عن صيغة اتّفاق جديد ضمن سلّة متكاملة تشمل الصّواريخ والميليشيات.

و كانت إيران قد استفادت من الانشغال الروسي في أوكرانيا للسّيطرة على عدة مواقع ميدانيّة في سوريا، فكان الرد الروسي على جبهات عديدة سياسيّة وميدانية.

سياسياً أظهرت الدبلوماسية الروسية نوعا من التشدد ضد إيران، وميدانيّاً أوعزت إلى إسرائيل برفع وتيرة استهداف مقار إيران وميليشياتها المعدة لتخزين الصواريخ، مع الإعلان المباشر عن أن الهجمات تمّت بالتنسيق المباشر معها.

 وكان لافتاً دخول الأميركيّين المعلن على خط استهداف إيران في سوريا والإفراج عن صور الأقمار الاصطناعيّة الأميركيّة العاملة فوق سوريا، ما أتاح توجيه ضربات دقيقة وفاعلة، والتّأكيد على أن ضرب صواريخ إيران يمثل عنواناً لتفاهم يجمع بينها وبين روسيا.

يؤكّد هذا المناخ أنّ الخطوط الحمر التي كانت أميركا تضعها في وجه حرب إسرائيلية ضد إيران توشك على الاختفاء، وأن الظروف باتت ناضجة للانتهاء من الحالة الإيرانيّة الّتي باتت بمنزلة نشاز يقلق راحة حفّارات النّفط في المنطقة، ويؤثّر على سيولة الاقتصاد فيها وفي العالم.

من هنا تتضح المعادلة التي تقول إنه لا صواريخ مع النّفط وترسيم مناطق النفوذ، ولعلّ كلّ هذا الجدل الّذي يشتعل حاليا في لبنان حول ترسيم الحدود البحريّة ليس سوى محاولة للتّعمية على واقع جديد بات فيه سلاح الحزب عموماً والصاروخي خصوصاً موضوعاً بجديّة على طاولة التّفاوض.

يأتي المندوب الأممي آموس هوكشتاين إلى بيروت للحديث حول موضوع التّرسيم بعد أن كان حزب الله قد أطلق تهديدات خلبيّة يعلن فيها استعداده لحماية حقوق لبنان النّفطية، ورد القرار في ذلك إلى الصيغة الوهميّة التي تسمى الدّولة اللّبنانيّة. المفارقة أنّ حليفة العوني والذي ضحى من أجله في الانتخابات الأخيرة برجال النّظام السّوري بحثاً عن أيرنة شاملة للقرار البرلمانيّ اللّبنانيّ هو من وافق على تحديد الخط 23 بوصفه المنطقة اللّبنانيّة، ما شرعن إلى حد كبير عمليات استخراج الغاز الّتي تستعد إسرائيل لإنجازها.

وكذلك فإنّ رسالة تعطيل مطار دمشق الدّولي عن العمل تحت عنوان استخدامه لنقل الصّواريخ تؤشر إلى تطور جديد في معادلات الرّدع،  تكون بموجبها كل مطارات المنطقة عرضة لاستهداف مماثل، ما يعني أن الصواريخ التي تلعب بها إيران في المنطقة لم يعد لها مكان أمام مشاريع الاستثمار في النّفط والغاز، والّتي تتشارك فيها الدّول الكبرى والشّركات المتعددة الجنسيّات.

لا يمكن لإيران أن تستخدم صواريخها بالأصالة أو بالوكالة إلا بصيغة انتحاريّة، ولعل عملية لجم قدرتها على استخدامها وتصنيعها تتصاعد عبر تفعيل اختراقات أمنيّة عميقة، أنتجت سلاسل متصلة من الاغتيالات طالت المسؤولين عن صناعة الصواريخ والمسيرات، وكان آخرهم عالم الفضاء محمد عبدوس.

 يضاف إلى ذلك مد دول المنطقة بشبكات دفاعيّة متطوّرة قادرة على لجم أيّ عدوان صاروخيّ تفكر به بالتّوازي مع تشجيع إطلاق حوارات وتفاهمات في لحظة لا تمتلك فيها عناصر قوّة فاعلة تمكنها من فرض شروطها، وفي ظل تخلخل نفوذها في العراق مع تمرد الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي واستقالتها الجماعيّة، وانفجار أزمات اقتصاديّة داخلية غير مسبوقة، وانطلاق مظاهرات مطلبيّة وصلت إلى العاصمة طهران بعد أكبر انهيار كارثيّ للعملة الإيرانيّة أمام الدولار في وقت وجيز.

فشل عشرات محاولات نقل الصواريخ من سوريا إلى لبنان لا ينفي واقع أنّه بات منذ فترة طويلة معملاً للصّواريخ وبلداً يُدار من الأنفاق

صارت الصّواريخ سلاحا انتحاريّاً وكذلك المكابرة في موضوع التّخصيب ومحاولة إنتاج قنبلة نوويّة، ولكنّ السّعي الحثيث لنقل الصواريخ إلى أرض الخراب المسماة لبنان، والّتي تختلف درجة تمكين نفوذها فيها عن أي مكان آخر تجعل منها السّاحة الأكثر ملاءمةً لإطلاق حروب التّصفية وإعادة رسم الخرائط.

فشل عشرات محاولات نقل الصواريخ من سوريا إلي لبنان لا ينفي واقع أنّه بات منذ فترة طويلة معملاً للصّواريخ وبلداً يُدار من الأنفاق، ولكنّ اللّحظة الآن هي لحظة النّفط، ولا صوت يعلو فوق صوت الحفارات والناقلات.

قد يرتفع صوت الصّواريخ لمرة واحدة وأخيرة، وقد يتبدد هذا البلد قبل أن يعاد بناؤه بصيغة جديدة لا مكان فيها لحزب الله والصواريخ، ولكنّ السّلاح الأمضى في يده والّذي يتفوق على الصّواريخ يكمن في أنّه ربط مصير البلد بمصيره، وتالياً جعل، وبشكل أقرب إلى الكوميديا المغرقة في السواد، الدّفاع عن البلد دفاعاً عنه، وجعلنا نرجو مرغمين أن يحلّ خراب جميل وحاسم، يمكن من بعده العودة إلى شيء ما والبناء عليه إذا بقينا على قيد الحياة.