icon
التغطية الحية

نموذج جديد لـ"براغماتية الهيئة".. إطلاق النسخة الثانية لمجلس الشورى في إدلب

2021.11.30 | 05:41 دمشق

شورى إدلب
من اجتماعات "مجلس الشورى العام" في إدلب (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

تولي "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا اهتماماً خاصاً بالإدارة المدنية، مستفيدة من الهدوء النسبي في الجبهات وتوقّف المعارك الكبيرة، منذ بداية عام 2020.

ويتركز اهتمامها في نواحي التنظيم وتوزيع الاختصاصات والتوسع في إنشاء مديريات خدمية متخصصة، كما تعمل على إظهار دور العمل المؤسسي بشقيه "التنفيذي والتشريعي"، وتروّج لنموذج إداري يمكنه قيادة دولة.

مرت تجربة "تحرير الشام" في الإدارة المدنية بإدلب بعدة مراحل، منذ عام 2017، أي مع بداية تأسيس حكومة الإنقاذ، وحاولت لاحقاً إظهار انفتاحها على التيارات الأخرى بعد تأسيس مجلس الشورى العام، في عام 2019، ونسخته الثانية، أواخر العام 2021، وفي النسخة الثانية من الحكومة أيضاً.

وبدت سياسات "تحرير الشام" الخاصة بآليات ومحددات توسيع وتنظيم الإدارة المدنية أكثر "براغماتية"، وذلك من ناحية الاستفادة وضم الخبرات المختلفة بما فيها تلك القادمة من مناطق سيطرة نظام الأسد، فلم يعد مستغرباً أن تشاهد أكاديميين وموظفين حكوميين وأعضاء مجلس شورى (الذي هو بمثابة برلمان) قد تخرجوا من جامعات "النظام" أو عملوا فيها، خلال الأعوام القليلة الماضية 2018 و2019 و2020.

النسخة الثانية لـ مجلس الشورى العام

انتهت الدورة الأولى لمجلس الشورى العام التابع لـ"هيئة تحرير الشام"، أواخر شهر آب الماضي، واختار أعضاء المجلس في جلستهم الأخيرة التي عقدت في باب الهوى شمالي إدلب، رئيساً جديداً للجنة العليا للانتخابات، تمهيداً لإجراء انتخابات وتشكيل مجلس شورى جديد، في شهر تشرين الأول، واستمر المجلس المنتهية دورته يقوم بأعماله ريثما يتم انتخاب مجلس جديد.

في شهر تشرين الأول الفائت، أجرت "تحرير الشام" انتخابات لاختيار أعضاء جدد للمجلس، وتزعم محمد جمال شحود اللجنة العليا للانتخابات، وقُسّم العمل الانتخابي إلى دوائر انتخابية بحسب المناطق، وتحديد عدد الأعضاء الممثلين لكل منطقة من خلال التعداد السكاني في كل منها، وتم تمثيل المهجرين والنازحين بحسب أماكن وجودهم في إدلب ومحيطها، وقالت اللجنة إنّ النقابات والهيئات والاتحادات تم تمثيلها أيضاَ وخُصّصت لها أعداد محددة من الأعضاء.

مصادر متطابقة في إدلب قالت لموقع تلفزيون سوريا إنّ "انتخابات مجلس الشورى العام كانت شكلية في معظم الدوائر الانتخابية، وكان هناك تحديد مسبق لقوائم الناجحين، وهم في الغالب من المرضي عنهم من قبل تحرير الشام والمحسوبين عليها، وآخرين يعملون في النقابات والمؤسسات والهيئات التابعة لها، مثل نقابات المحامين والمهندسين ومجلس القبائل والعشائر السورية الذي يلقى اهتماماً خاصاً من زعيم الهيئة أبي محمد الجولاني والذي أمر مؤخراً في (27 من تشرين الثاني الحالي)، بافتتاح مكتب للأمانة العامة لمجلس العشائر السورية".

وأضافت المصادر أنّ "النسخة الثانية من مجلس الشورى العام نسخة مطورة عن الأولى، ففي الثانية باتت نسبة التمثيل أوسع من ناحية شمولها طيفاً واسعاً من ممثلي النازحين والمهجرين من مختلف المحافظات السورية، بالإضافة إلى تمثيل واسع لنقابات وهيئات تابعة لتحرير الشام وحكومتها الإنقاذ والتي جرى تأسيسها خلال العامين 2019 و2020".

وأشارت المصادر إلى أن "قائمة الفائزين بمقاعد مجلس الشورى بنسخته الثانية ضمت الكثير من الأسماء التي لا تملك تاريخاً ثورياً، وهو أحد محددات الترشح والفوز بالعضوية التي تم وضعها في المؤتمر العام للثورة السورية الذي عقد في باب الهوى، شهر شباط 2019، ويضم المجلس الآن شخصيات عشائرية ووجهاء محليين يمثلون بعض المناطق لهم تاريخ وصلة سابقة بنظام الأسد وبعضهم أتى إلى إدلب، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أي في الفترة التي هيمنت فيها تحرير الشام على المنطقة".

في الـ25 من تشرين الأول الفائت، عقد مجلس الشورى العام بنسخته الجديدة جلسته الأولى في مقره بباب الهوى، وتم خلال الجلسة انتخاب مصطفى موسى رئيساً للمجلس وعبد الكريم بركات وعصام حبال نائبين له وبدري العبد الله أميناً للسر في المجلس.

و"موسى" كان رئيساً للمجلس في نسخته الأولى، حيث اختير بديلاً عن بسام صهيوني الذي استقال من منصبه، في عام 2020، وقيل حينها إن "صهيوني" استقال احتجاجاً على تحكّم "تحرير الشام" بنشاطات المجلس وقراراته، وعدم تمكينه حينها من تنفيذ عدة إصلاحات داخل المجلس الذي من المفترض أن يكون تشريعياً ويمثل جماعات السوريين الموجودين في إدلب.

ومنذ بداية شهر تشرين الثاني الجاري، بدأ رئيس المجلس مصطفى موسى في استقبال ممثلي إدارة المناطق والنقابات ولجان الاقتصاد والتعليم والزراعة وغيرها، وبدا المجلس جاهزاً للإعلان عن جلسته الطارئة، واستقبال زعيم تحرير الشام أبي محمد الجولاني، في 22 من تشرين الثاني، ليخطب في جموع الأعضاء الجدد ويعلن عن "مكرمته" بخصوص دعم الخبز، ولم يفوت "الجولاني" الذي تقمّص شخصية الزعيم الذي يخطب في برلمانه، الفرصة للحديث عن الأمن الغذائي والبطالة والتنمية الاقتصادية بمختلف قطاعاتها الزراعية والصناعية وغيرها، والتي زعم أنه بدأ يوليها اهتماماً خاصاً للنهوض بالمنطقة.

توسع براغماتي

كان  فاروق كشكش رئيس المؤتمر العام للثورة السورية الذي نظمته "هيئة تحرير الشام" في باب الهوى، بداية عام 2019، قد تحدث في كلمة له عن آلية لتشكيل مجلس شورى والذي من شأنه تحديد شكل الحكومة، وتختصر الآلية باختيار أشخاص من جميع الشرائح والمناطق في إدلب حتى المهجرين من باقي المناطق السورية.

أضاف "كشكش": "بعد ذلك ينتقى عشرة أشخاص تتركز مهامهم بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات التي تعمل على وضع معايير الترشيح لعضوية مجلس الشورى ووضع آليات الانتخابات والبرامج الزمنية المتعلقة بها، ويتم اختيار الأشخاص من قبل الشرائح المجتمعية والمناطق وفقاً لعدة شروط بينها أن يكون بين عمر 30 إلى 60 عاماً، ويحمل مؤهلاً علمياً وله تاريخ عمل في الثورة السورية".

يبدو أن مجلس الشورى العام قد خالف المحددات التي أعلن عنها عند تأسيسه، والتي كانت بمثابة نظام داخلي ينظم عملية ترشح أعضائه، وأهم بند خالفه المجلس (أن يكون المرشح صاحب عمل وتاريخ في الثورة السورية)، ولعله البند الذي استند عليه الطالب في جامعة إدلب إبراهيم شيخ رضوان لينتقد ترشح وفوز الدكتور وحيد فواز بعضوية مجلس الشورى، وهو خريج جامعة دمشق في عام 2017.

واعتبر "الشيخ رضوان" ترشح "فواز" بالأصل فيه خرق للمعايير والمحددات التي وضعها مؤتمر الثورة السورية، قبل عامين، وذلك بأن يكون المرشح له أسبقية ثورية على الأقل في الفترة ما قبل عام 2015.

وقال "الشيخ رضوان" عبر تطبيق "تلغرام" إنّ "عدم التزام الجهات العامة بمسؤولياتها والتعليمات الصادرة عنها ذاتها، يحتم على كل مهتم بالشأن العام ويحمل المسؤولية تجاه أهله وثورته أن يتساءل ألف مرة كيف يحصل مثل هذا الخرق للبنود التي هم من أقروها بأنفسهم، بغض النظر عن باقي الإجراءات التي اتفقنا أو اختلفنا فيها، ولربما سقط سهوا، ونحسن الظن بلجان المتابعة لكنها سقطة ليست بسيطة إطلاقا، وهي برسم أعضاء مجلس الشورى المنتخبين واللجان القانونية وكذلك جهات الرقابة العامة، استقيموا يرحمنا ويرحمكم الله".

وعلى الرغم من اشتراكه في تغطية الاحتجاجات التي دعمتها "تحرير الشام" ضد الدوريات الروسية على الطريق الدولي حلب اللاذقية (M4)، والترويج لدعايتها على الطريق، عام 2020، إلا أن ذلك لم يشفع له، وكان التعامل مع الطالب إبراهيم الشيخ رضوان قاسياً، لأنه انتقد كما يبدو وبشكل غير مباشر  "براغماتية تحرير الشام وانفتاحها المفترض".

كذلك شكّك الطالب "الشيخ رضوان" ببنود النظام الداخلي ومحددات الترشح لعضوية برلمان "الجولاني"، والمحددات والشروط مجهولة حتى الآن، ولا يُعرف إن تم تغييرها.

وقالت جامعة إدلب في قرارها إنّه اتُخذ بحق الطالب إبراهيم شيخ رضوان من كلية الاقتصاد/ فرع الدانا، قرار الحرمان من الامتحانات لدورتين بسبب ارتكاب فعل من شأنه الإساءة إلى سمعة الجامعة والعاملين فيها، وإخلال الطالب بقواعد المخاطبة أثناء حضوره لجنة الانضباط والاعتراض على عمل اللجنة.

أسامة العدني ويُقال إنه الذراع الأيمن للجهادي العراقي أبي ماريا القحطاني - عضو "شورى تحرير الشام" - قال عبر "تلغرام": "في النهاية يمكن أن نستخلص أنَّ من يحارب الهيئة والمؤسسات في إدلب لا يهمه الأمن ولا الأمان ولا غلاء الأسعار ولا الاختلافات، فهمه الأول والأخير هو محاربة المشروع السني في إدلب ولو كان البديل المشروع الصفوي أو الروسي".

وتابع: "قد بلغت الحرب الإعلامية العميلة على المشروع السني أوجها وتحوّلت إلى مراحل متطورة واستخدمت أساليب جديدة للتشويش على المسلمين في المناطق المحررة، وسط هدنةٍ مؤقتة تتبعها حربٌ قادمة لا محالة يعدّها العدو للنيل من أعراضنا ودمائنا، والجاهل لا يوازي بين هذه وتلك والعاقبة للمتقين الصابرين".

الباحث في الشأن السوري محمد السكري يرى أن "مؤسسات المعارضة السورية ضعيفة إلى حدٍ كبير من حيث الخبرات الأكاديمية والمهنية فقلما ما نجد شخصيات تكنوقراط اختصاصية تشغر مناصب إدارية، مما يدفع بالاستعانة بشخصيات ضعيفة، وهذا بالعموم يعيق عمليات التطوير والإدارة".

وأضاف "السكري" لموقع تلفزيون سوريا أنّه "في ظل انفتاح هيئة تحرير الشام على نموذجها الجديد بغية تقديم صورة جديدة مدنية عن إدارتها عملت على البحث عن حلول لهذا المعوق من خلال الاستعانة بشخصيات كانت تعمل لدى مؤسسات النظام أو تدرس في جامعات تحت سيطرته ولا سيما مع انعدام فرص عودة المهجرين السوريين في المنفى إلى سوريا".

وتابع: "بكل تأكيد الاستفادة من طواقم يقوم النظام بتأهيلها يساعد على خلق نموذج جيد في إدلب على صعيد الإدارة وتطوير الهياكل، ولكن يمكن القول بالرغم من انفتاح تحرير الشام وتقديم مثل هذه النوعية من الفرص إلّا أنّ الصورة القديمة الراسخة عنها بارتباطها بتنظيم القاعدة يعيق تحقيق تقدم وتطوير سريع، كذلك لا يشجع كثير العمل فيها إلّا عند الضرورة القصوى".

وأضاف: "أعتقد أنّ القادر على خلق نموذج إداري ومشجع ليوازي ويجابه جهاز النظام هي الحكومة السورية المؤقتة، ولكن للأسف في ظل عدم الاهتمام والجدية من الحكومة في ذلك وسيطرة شخصيات ضعيفة مهنياً وأكاديمياً، يصعب الجزم بقدرتها في المرحلة الراهنة على ذلك".