icon
التغطية الحية

نفقات الزواج ترفع نسبة العنوسة في الشمال السوري

2020.09.25 | 05:22 دمشق

عرس
عرس جماعي ضمن مشروع عفاف في إدلب (تلفزيون سوريا)
إدلب - سونيا العلي
+A
حجم الخط
-A

تقف المهور المرتفعة عائقاً في وجه كثير من الشباب السوريين المقبلين على الزواج نتيجة ﺳﻮﺀ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، وخسارة معظم الشباب لفرصهم في الدراسة والعمل، فأصبح الراغب بالزواج مضطراً للاستدانة أو السفر لتأمين مهر عروسه، أو التخلي عن هذا الحلم بشكل نهائي بعد عجزه عن تأمين تكاليف الخطبة والعرس وتجهيز المنزل.

السفر للعمل وتأمين تكاليف الزواج

ﻣﺮﺍﺳﻢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ في ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺍﻟﺘﻘﻴﺪ ﺑﺄﻋﺮﺍﻑ ﻭﺗﻘﺎﻟﻴﺪ من ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﻬﺎ، ﺍﺑﺘﺪﺍﺀً باﻟﻤﻬﺮ ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ، ﻣﺮﻭﺭﺍً بالملابس ﻭﺣﻔﻞ الزﻓﺎﻑ، ﻭﻣﺎ ﻳﺮﺍﻓﻘﻪ من ﻛﻮﺍﻓﻴﺮ ﻭﺻﺎﻟﺔ ﻭﺯﻳﻨﺔ ﻭﺻﻮﻻً ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ، مما دفع كثيرا من الشباب لمغادرة سوريا للعمل في دول الجوار وتأمين تكاليف زواجهم، رغم عملهم بشكل غير قانوني وسط ظروف محفوفة بالمخاطر، وتقاضي أجور متدنية، وربما يتأخر أرباب الأعمال في دفعها لهم، وقد يفشل بعضهم في تحصيلها أيضاً.

منهم الشاب رضوان الحلاق (30 عاماً) من مدينة إدلب الذي سافر إلى تركيا للعمل، وتحصيل تكاليف زواجه وعن ذلك يتحدث لموقع تلفزيون سوريا قائلاً: "بعد إيجاد شريكة حياتي تمت الخطبة، لكنني لم أستطع تأمين المهر بسبب عملي المتقطع والغلاء الفاحش، لذلك قررت السفر إلى تركيا للعمل، وتأمين متطلبات الزواج المادية، والسكن الملائم لبناء حياة أسرية."

بعض الشباب خاطروا بحياتهم وأرواحهم، وركبوا البحر نحو الدول الأوروبية بهدف توفير الحد الأدنى من ظروف المعيشة، وتحسين أوضاعهم المادية ليتمكنوا من الزواج.

photo_2020-09-24_22-13-16.jpg
الذهب أحد أكبر تكاليف الزواج في الشمال السوري (تلفزيون سوريا)

 

انتشار العنوسة في سوريا

أمام هذا الواقع عزف كثير من الشبان عن الزواج، بعد أن أثر عليهم متغيرات عدة على صعيد المال والظروف الأمنية السائدة، الأمر الذي أدى لازدياد نسبة العنوسة في سوريا، والتي وصلت إلى 70 بالمئة بحسب إحصاءات حكومة النظام.

الشاب جمال المنديل (29عاماً) نازح من معرة النعمان إلى مدينة سرمدا الحدودية ألغى فكرة الزواج بعد ارتفاع التكاليف بصورة جنونية نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وعن ذلك يتحدث لموقع تلفزيون سوريا: " رصدت مبلغ مليون ليرة كنت وفرته خلال السنوات الماضية لإتمام تكاليف الزفاف، واستئجار المنزل، لكنني أحتاج إلى ضعفيه وهو خارج نطاق قدرتي".

يشير المنديل إلى أن ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﺍﻟﻀﺨﻢ ﺍﻟﺬﻱ كتبه أهل خطيبته هو خوفهم من حصول الطلاق، وخوف الأهل ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺆﺩﻱ "ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﺴﻬﻞ" ﻟﻄﻼﻕ ﺃﺳﻬﻞ، إلى جانب رغبته في الانتقال للعيش في تركيا بعد الزواج، وباعتبار ابنتهم ﺳﺘﺒﻘﻰ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﺔ، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻴﻦ يديها ما يؤمن مستقبلها ويضمن حقوقها.

الباحثة الاجتماعية جيهان مطر من معرة النعمان تقول: "ظروف الحرب السورية خلال الأعوام الفائتة أدى لتأخر زواج الشباب من كلا الجنسين؛ إذ إن التحاق الشباب بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية قد أسهم في عزوف الشباب عن فكرة الزواج، بالإضافة إلى النزوح الداخلي والخارجي لعدد كبير منهم مما أدى إلى قلة “العرسان”. بالإضافة للمعدلات العالية من البطالة والأزمات النفسية المتعددة وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والصحي مؤخراً مع استمرار انتشار وتفشي وباء كورونا بين السوريين."

وتبين مطر أن عزوف الشبان عن الزواج يعتبر من أخطر المشاكل الاجتماعية، والتي يمكن أن تؤثر على المدى الطويل بنمو المجتمع واستمراره.

وحمّلت مطر الشرائح المدنية وحتى الدينية في المجتمع المسؤولية تجاه هذه الظاهرة، مشيرة إلى أنه من واجب هذه الفئات توعية الشبان لضرورة بناء الأسرة، وحث المجتمع على التقليل من متطلبات الزفاف تماشياً مع الوضع الاقتصادي السائد.

غربلة النفقات والتخلي عن بعض عادات الزواج في سوريا

الخوف من العنوسة دفع بعض الآباء إلى تزويج فتياتهم لأول شاب يتقدم لهن، والتخلي عن طقوس الأعراس والاقتصار على الضروريات، حيث تتم الأعراس دون تكاليف وصخب، وفي كثير من الأحوال يكون الزواج بلا عرس، أو بحفلة عائلية بسيطة لا تكلف إلا القليل من المال، وذلك بعد الاتفاق بين العروسين على توفير تكاليف الزواج المرتفعة مقابل تأمين سكن واحتياجات أكثر أهمية من الحفل والبطاقات وفستان الزفاف، من منطلق “الستر” على الفتيات، وإلقاء المسؤولية على عاتق أزواجهن، والتخفيف من أعباء مصروفهن وسط الظروف الاقتصادية المتردية التي يعاني منها السوريون.

محمد الأسود (25عاماً) من مدينة إدلب يقول لموقع تلفزيون سوريا: "بعد اختيار شريكة حياتي، زرت أهلها برفقة والدتي وجلست مع والدها، وفي الصباح أبلغتهم عن الخطوبة، ودعوت أقاربي، وتمّ عقد القران مع وجود شهود على المقدّم والمؤخّر". ويتابع محمد أنّ "الأمور كانت ميسّرة بخلاف ما كان يجري في المنطقة، وبعد نحو ثلاثة أشهر، أقمنا حفل الزفاف الذي كان مماثلاً لحفل الخطوبة، إذ إنّنا حاولنا تقليص التكاليف قدر المستطاع. "

أم يوسف هي والدة العروس تقول: "يجب على الأهل مراعاة الظروف التي يمر بها الشباب، حيث فرضت الحرب الغلاء والبطالة، وأصبح من الصعب على الشباب تأمين آلاف الدولارات كمهور، لذلك اختصرنا العرس على جلسة عائلية اقتصرت على الأقارب، مع التخفيف من كميات الذهب التي طلبناها من العريس إلى أقلّ حدّ ممكن."

تشير أم يوسف إلى أن حفلات الزفاف في السابق كانت موسّعة جداً، فيحضر كثيرون ويقدّم في خلال الحفل الطعام للجميع كما تقتضي العادات، أمّا اليوم، فيجب أن يقتصر العرس على الأساسيات، بهدف تأسيس الأسرة الّتي تُعتبر ركيزةً أساسيّةً في المجتمع السّوريّ، ومنح فئة الشباب الاستقرار النّفسيّ والعاطفيّ، علماً أن غلاء المهور قد يفتح الباب أمام انتشار “الفساد” بين الشباب، من خلال لجوئهم إلى علاقات غير شرعية لا يقبلها المجتمع السوري.

photo_2020-09-24_22-12-51.jpg
إقبال على شراء الأثاث المستعمل لتجهيز العرس بسبب الغلاء (تلفزيون سوريا)

مبادرات خجولة لمساعدة الشباب

في ظل قلة فرص العمل للشباب قامت جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية حفل زفاف جماعي لـ 25 شابا ضمن مشروع "عفاف" الذي يهدف لتخفيف الأعباء عن الشبان، وتقديم الدعم المادي لمساعدتهم على الزواج وتكوين الأسرة، وتحقيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي.

مدير مشروع عفاف أحمد هاشم قال في حديثه لموقع تلفزيون سوريا عن أهداف المشروع إن "انطلاق المشروع جاء في ظل رغبة الكثيرين بالزواج وضعف الإمكانيات المادية لديهم، إضافة إلى كثرة عدد أرامل الحرب، حيث يشترط بكل مستفيد أن يكون عازباً ومقبلاً على الزواج من أرملة، بهدف حل أكثر من مشكلة بآن واحد، من تزويج الشبان وكفالة الأيتام وتزويج الأرامل."

ويبين هاشم بأنه تمت دراسة المشروع والتنسيق مع جميع المكاتب التابعة للجمعية في مناطق المعارضة، لتسجيل أسماء الشبان الراغبين بالزواج ضمن آلية عمل وشروط محددة، حيث تم منح العروسين ما يحتاجون إليه من أثاث منزلي وحلي وملابس، يتم اختيارها من قبل العروسين، بحيث تصل قيمة المشتريات إلى 1000 دولار أميركي، فضلاً عن تقديم مبلغ 50 دولارا شهرياً لمدة سنة كاملة بعد الزواج، كما تقدم عطاء كفالة للأيتام الموجودين ضمن أسر المستهدفين، ويأمل الهاشم أن تتكرر مثل هذه المشاريع التي تساعد فئة الشباب وتضمن كفالة الأيتام في نفس الوقت .