نظام البعث وأكذوبة تحرير المرأة

2022.05.24 | 14:28 دمشق

36559_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحتاج الأنظمة الديكتاتوريّة الكسيحة إلى أكاذيب كثيرة تعينها على الظهور بالمظهر الحضاري السليم، وتكون تلك الأكاذيب بمنزلة العصا التي تتكئ عليها، فتحافظ على هيئتها المتماسكة ما أمكنها ذلك، ولعلّ النظام الأسديّ واحدٌ من تلك الأنظمة المعاقة التي استطاعت أن تخدع كثيرًا من السوريين فترةً طويلة، فقد بدأت عمليّة الخداع تلك بالأسد الأب واستمرّت إلى زمن الوريث الابن الذي لم يستطع المحافظة على إرث أبيه القائم على الكذب والتزييف والتشويه، في وقت لم تساعده وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي ساهمت إلى حد معقول في الكشف عن عملية التزييف تلك.

ربّما تكوّنت لدى بعض السوريين فكرة عن الجحيم الذي ألقوا إليه بقوة البسطار العسكري وكانوا حطبه؛ ثمّ صُوّر لهم على أنّه النعيم بعينه، وكان مصير من رفض تلك الرؤية المفروضة عليه من قِبل النظام الهلاك، ففي هذه البلاد؛ إمّا أن ترى الصورة التي يجبرك النظام على رؤيتها، أو تُقتلع عيناك فلا تعود قادرًا على إبصار شيء سوى الظلام، يتجلّى ذلك في إلقائك في غياهب سجون النظام وزنازينه التي تخرج منها بعد أنّ تمّت معالجة القصور السابق لديك في الرؤية، وفي هذا الصدد علينا ألّا ننسى أنّ النظام الأسديّ عادلٌ في هذا الخصوص ولا يفوّت فرصةً للمساواة بين الجنسين، فتصحيح الرؤى لا يقتصر عنده على جنسٍ بعينه؛ بل يشمل الجنسين، إذ كان للنساء السوريات نصيبٌ من الاعتقال والملاحقة بسبب قصور رؤيتهن وعجزهنّ عن إدراك النعيم الذي يرفلن بين جنباته في ظلّ حكم الأسد الأب والابن.

بالمقابل كان ديدن "القائد الخالد؛ باني سوريا الحديثة" تحرير المرأة وإشراكها في أعمال الدولة كلها، لتحصل على حقوقها المسلوبة منها منذ الأزل؛ فقد دأب على رعاية مسيرة تحررها المزيف الذي يقود هو دفّته، وفي خضمّ مسيرته الحافلة بالعطاء بوصفه الأوّل في كلّ الميادين المتّصلة بالحياة في سوريا؛ لم ينسَ المرأة السورية التي لا تعاني من أيّ قصورٍ في رؤيتها من سيب أفضاله وعطاءاته المتواصلة، فقد كان لها نصيبٌ وافرٌ من دعمه على حدّ زعمه وزعم جوقة المطبّلين له؛ أمّا النساء السوريّات معظمهنّ، فلم تختلف طريقة تفكيرهنّ وموقفهنّ من النظام السوريّ عن موقف السوريين بشكل عام؛ رغبةً أو رهبةً.

اعتدنا في المراحل المبكّرة من عمر الثورة على سماع اعتراضات كثيرة على قيام الثورة، معظم تلك الاعتراضات كانت تنطلق من مبدأ: (شو ناقصنا؟ وكنا عايشين!)، وعباراتٌ أخرى كثيرة تدور في الفلك نفسه، ربّما كان أصحابها محقّين في مقولاتهم تلك؛ خصوصًا الجيل الذي عاش في حقبة الأسد الأب الحالكة وترعرع في فترة حكمه الموسومة بالاستبداد الذي وصل إلى حدّ الإجرام في أحداث الثمانينيات.

تنسى أو تتناسى تلك المنخدعة أنّ مئات الطالبات تسربنَ من المدرسة بعد إنهائهنّ المرحلة الابتدائيّة، بسبب فرض مدربّي التربية العسكرية خلع الحجاب على الطالبات

لعلّ من أطرف الاعتراضات النسائيّة التي سمعتها من إحدى المؤمنات حتّى النخاع بالنعيم الذي يعيشه السوريون في كنف قائدهم على الثورة السورية؛ اعتراض إحدى الصديقات الموظفات من الدرجة الثانية أو الثالثة، ممن كانت لديها نشاطات مع الاتحاد النسائي حين دافعت عن النظام بقولها: "شو عملوا إلنا بيت الأسد؟ أصلًا ما حدا دعم المرأة متل حافظ الأسد، المرأة عنا ما شمّت هوا وطلعت ع الحياة غير على دور حافظ الأسد، وإذا قدرنا نتعلم ونفوت مدارس فالفضل إله!".

تنسى أو تتناسى تلك المنخدعة أنّ مئات الطالبات تسربنَ من المدرسة بعد إنهائهنّ المرحلة الابتدائيّة، بسبب فرض مدربّي التربية العسكرية خلع الحجاب على الطالبات في بلدة مُحافِظة؛ تنتمي إلى مُحافَظة صنّفها النظام الحاكم بأنّها حاضنة للإرهاب المتمثّل بـ (الإخوان المسلمين)، فكانوا ذريعته في اتّخاذ قرار بإبادة وحشية للمدينة في الثمانينيات من القرن المنصرم، لعلّ نظام البعث حينها سبق عتاة المثقّفين الذين ينادون بتحرّر المرأة، وأدرك أن الحجاب يحجب نور العلم والمعرفة فأصدرت "القيادة الحكيمة" قرارًا بضرورة نزعه!  

لم تنسَ تلك المنخدعة المُعترضة على الثورة أن تستذكر (الإخوان المسلمين) وجرائمهم بحقّ النساء، وقد اقتبست معلوماتها عنهم من النظام؛ مصدر المعلومات الوحيد المُتاح عن تلك الجماعة "ذات الأصل المشبوه والتاريخ الأسود"، بالمقابل تسرد تلك الصديقة الهبات الممنوحة للنساء من خلال الاتحاد النسائي الذي بدأ بتمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا في وقتٍ مبكّرٍ، قبل أن تطلع علينا المنظمات النسويّة الجديدة بشعارات تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا وتصدّع رؤوسنا بها، فلطالما أقام الاتّحاد النسائيّ الذي يظلّه القائد برعايته؛ دورات محو أميّة وأشغال يدويّة ودورات تمريض وإسعافات أوليّة، كما دعم حصول المرأة على قروض لمشاريع صغيرة تضمن استقلالها الماديّ؛ شراء بقرة مثلًا، أو ماكينة خياطة أو صالون تجميل لامرأةٍ تلقّت التدريب والتأهيل في ردهاته، وعند أوّل تجربةٍ عمليّةٍ تكتشف المتورّطات بدخول مكان كهذا أنهنّ تعرضن لعملية تشويه شاملة، لكنّ صاحبته لن تعجز عن إقناع المشكّكة بالنتيجة، ما دام نظام الأسد قد أقنع كثيرًا من السوريين بأن الجحيم الذي يعيشونه هو النعيم بعينه.

أما التمكين السياسي للمرأة فلطالما كان حاضرًا في ذهن النظام ومن الأولويات لديه؛ يتجلّى ذلك من خلال الأنشطة العظيمة التي كان الاتحاد النسائي ينظّمها في الأرياف من دورات تثقيف حزبيّ ومحاضراتٍ تدبج في مديح الأسد الأب والحزب والتي يقتصر الحضور فيها على الموظفات أنفسهن وبعض الطالبات اللواتي يتمّ انتزاعهنّ من حصصهنّ الدرسيّة بوصفهنّ الديكور المكمّل للصورة المطلوبة.

كلّ ذلك يصبّ في خانة دعم المرأة وحقوقها في التعليم والتمكين الاقتصاديّ اللّذين لم يقتصر عطاء الأسد الأب عليهما، بل اتّسع عطاؤه ليشمل الترفيه، ولعلّ تلك الصديقة قصدت بعبارتها أنّ: "المرأة عنّا ما شمّت الهوا وطلعت على الحياة إلّا ع دور الأسد"؛ تلك الرحلة التي نظمت للناجحات في فحص العضوية العاملة للحزب، المرّة الأولى التي خرجنا فيها خارج حدود البلدة كانت لزيارة ضريح "الفارس الذهبيّ الرائد الركن المهندس المظليّ.." والشاب الوسيم الذي أهدرنا مصروفنا الضئيل على صوره، وملأنا بها صفحات دفاترنا المخصّصة لكتابة المحاضرات التي سنُمتحن بها، لنصبح أعضاء عاملين في الحزب، وكان للدفتر وترتيبه دور في عملية النجاح تلك، أشار علينا أحد المحاضرين بأن نكثر من صور القائد الأب والشهيد الباسل الذي كان المصاب به غضًا جللًا؛ وكأنه حين أفضى لنا بتلك المعلومة الخطيرة قد أفشى بسرّ تصنيع القنبلة النوويّة.

حين خرجنا إلى بلدانٍ أخرى قسرًا في زمن ابنه؛ اكتشفنا أن التعليم ليس منّة يتفضّل بها الحاكم على شعبه، اكتشفنا أن وجود القوانين التي تضمن للمرأة حقوقها في تلك البلدان أمرٌ بديهيّ كبداهة نزول المطر

إنّ ما سبق ذكره مجرّد غيض من فيض عطاء الأسد الأب؛ الأب الحكيم الذي يخصّ برعايته الضعيف من أبنائه حتّى يصبح أقوى، وهذا ما فعله مع المرأة السوريّة على حدّ زعمه وزعم مؤيّديه ومواليه، إلّا أنّنا حين خرجنا إلى بلدانٍ أخرى قسرًا في زمن ابنه؛ اكتشفنا أن التعليم ليس منّة يتفضّل بها الحاكم على شعبه، اكتشفنا أن وجود القوانين التي تضمن للمرأة حقوقها في تلك البلدان أمرٌ بديهيّ كبداهة نزول المطر في منتصف الشتاء، ولأن الأنظمة الديكتاتوريّة ترى الحقوق الأساسية لمواطنيها منّةً وهبةً منها، كان طبيعيًا جدًا أن يصف النظام السوريّ المحتجين بالمارقين والجاحدين، وأنّهم قد عضّوا يده الممدودة إليهم أبدًا، تلك اليد التي يراها هو وأنصاره باذخة في العطاء، بينما يراها الأحرار  يداً مصبوغة بالدم وموغلة في الإجرام.