icon
التغطية الحية

نظام الأسد يطوق الشمال السوري بالمصالحات ويروج لمراكز "التسوية"

2022.04.04 | 06:16 دمشق

hyan_4.jpg
مركز التسوية في بلدة حيان
حلب ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

سمحت حواجز قوات النظام والميليشيات الموالية لها في ريف حلب الشمالي مع بداية شهر نيسان بمرور سلسٍ للراغبين بالتوجه إلى مركز التسوية الذي افتتحه النظام في 30 من آذار في بلدة حيان، وللمرة الأولى منذ عام 2018 سمحت الفرقة الرابعة والحواجز التابعة للميليشيات الإيرانية وميليشيا "نبل والزهراء" بمرور القادمين من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" شمالي حلب والتي تطلق عليها اسم "مناطق الشهباء" لإجراء المصالحة.

وسبق افتتاح مركز التسوية في حيان نشاط متصاعد خلال شهر آذار لعدد من الوجهاء المحليين والعشائريين، وأعضاء في "حزب البعث" ومسؤولين في المجالس البلدية التابعة للنظام شمالي حلب، وآخرين نشطوا في قلب مناطق قسد شمالي حلب، والذين تولوا الترويج شعبياً للمركز، والتواصل مع المطلوبين بما فيهم أولئك الذين أجروا تسويات في السنوات السابقة.

وعمل الفريق المفترض على تطبيق توصيات مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، والذي زار المركز قبيل افتتاحه بيوم واحد، في 29 من آذار، وكان حينها برفقة محمد سعيد زعيم ميليشيا "لواء القدس الفلسطيني" وعدد آخر من قادة الميليشيات.

وقالت مصادر محلية متطابقة في ريف حلب لموقع "تلفزيون سوريا" إن "اللواء لوقا أوصى بإعطاء عملية المصالحة زخماً كبيراً عبر محاولة إظهار صورة الإقبال الشديد على عمليات التسوية، والترويج للمصالحة عبر خطباء المساجد وحث الناس على التواصل مع أقاربهم في مناطق المعارضة وقسد لتشجيعهم على القدوم وإجراء المصالحة".

وأضافت المصادر "ومن الشخصيات الفاعلة التي عملت على تطبيق توصيات لوقا، يحيى الحاج علي وياسر كعدة من مدينة نبل، وسعيد الحسن من المعبطلي في منطقة عفرين، وإبراهيم ديبو رئيس مجلس مدينة تل رفعت، وحامد البج رئيس مجلس بلدة حيان، وغيرهم من الشخصيات النافذة التي تعرف بولائها المطلق للنظام والذين ينحدرون من عائلات اشترك أبناؤها في القتال إلى جانب قوات النظام ضمن ميليشيات رديفة".

وقال مصدر محلي في بلدة فافين شمالي حلب لموقع "تلفزيون سوريا" إن عدداً من الشخصيات المقربة من النظام في حلب، ومسؤولين في حزب البعث التقوا في آذار بإلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية (مسد) في بلدة فافين شمالي حلب والتي وافقت على السماح للراغبين بإجراء تسوية مع النظام بأن يتوجهوا إلى مركز التسوية في حيان في حال تم افتتاحه.

وأضاف المصدر "ينوي المئات من الأشخاص في مناطق قسد بريف حلب إجراء مصالحة، يعيشون في تل رفعت وأكثر من 30 قرية وبلدة تسيطر عليها قسد، قسم منهم متخلف عن الخدمة الإلزامية وآخرون منشقون وبعضهم مطلوب لإحدى الجهات الأمنية".

وبحسب المصدر فإن "السبب الرئيسي الذي يدفع المطلوبين في مناطق قسد بريف حلب للمصالحة وتسوية أوضاعهم هو اعتقادهم بأن النظام عائد إلى المنطقة ومن المفيد إجراء مصالحة تجنباً لأي عمل انتقامي لاحقاً بعد دخول قوات النظام".

وكانت إلهام أحمد قد وصلت إلى ريف حلب الشمالي في منتصف آذار، وشاركت في احتفالات عيد النوروز التي نظمتها "قسد" في مخيمات نازحي عفرين قرب فافين في 21 من الشهر ذاته، وكان لافتاً حينها مشاركة شخصيات مقربة من النظام في الاحتفالات، وبعد أيام دخلت أحمد إلى مناطق سيطرة قسد في حي الشيخ مقصود بحلب مروراً بحواجز الميليشيات الإيرانية المتمركزة قرب حيان.

من جهته، قال الناشط الإعلامي عبيدة حياني، إن "مركز التسوية الذي افتتحه النظام في حيان دعائي وتروج له عائلة البج الموالية والتي قاتل أبناؤها إلى جانب قوات النظام منذ بداية الثورة، وهي العائلة الوحيدة الباقية في حيان، أما باقي أهالي البلدة فجميعهم مهجَّرون ويعيشون في المناطق المحررة، والقسم الأكبر منهم يقطنون في منطقة عفرين، ولا أحد يريد العودة أو إجراء مصالحة" وفق حياني.

وأضاف حياني خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنَّ "فكرة المصالحة مستبعدة كلياً لدى أبناء البلدة المهجرين، فالجميع إما قاتل في صفوف الجيش الحر أو خرج في تظاهرات ضد النظام والمصالحة بالنسبة لهؤلاء تعني الذهاب إلى الموت، وهناك أسباب أخرى تجعل فكرة المصالحة مستبعدة، من بينها الوضع الأمني والاقتصادي المتردي في مناطق سيطرة النظام بريف حلب وهيمنة الميليشيات الإيرانية ولواء القدس على كل مناحي الحياة والقطاعات الحيوية في المنطقة، بما فيها منازل وأراضي المهجرين".

وصلت عمليات التسوية إلى محافظة حلب في كانون الثاني 2022، وافتتح المركز الأول في بلة مسكنة بريف حلب الشرقي، وشهر شباط افتتح المركز الثاني في بلدة دير حافر شرق حلب، الثالث افتتحه النظام في تل عرن القريبة بداية شهر آذار، واستقطبت المراكز الثلاثة بحسب تأكيدات مواقع إعلامية موالية قرابة 6 آلاف شخص.

ومن بين الآلاف الذين تحدث عنهم النظام عناصر سابقون في فصائل المعارضة وآخرون متهمون بالعمل مع تنظيم "الدولة" وهؤلاء كانوا قد أجروا تسوية في عام 2017 بعد سيطرة النظام على المنطقة، وانضم معظمهم مع الميليشيات الإيرانية و"قوات النمر"، لكن طلب منهم الحضور مرة أخرى لكي يتم إظهار الإقبال الكبير على المراكز.

وكما تم التنسيق بشكل مسبق لافتتاح المركز في حيان كان هناك تنسيق مماثل شرقي حلب ونشاط كبير لشيوخ العشائر الذين كان لهم دور كبير في الحشد الشعبي للمراكز، والتواصل مع الراغبين بالتسوية وخصوصاً المقيمين في مناطق "قسد". ويسعى شيوخ العشائر من وراء المشاركة في عمليات المصالحة إلى عدة أهداف، من بينها تعزيز موقفهم أمام أبناء العشيرة، وتعزيز مكانتهم داخل مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية والسعي للحصول على مكاسب معنوية ومادية، مقابل الجهود التي يبذلونها.

ويبدو أن قسماً كبيراً من المصالحين في مراكز شرقي حلب قد قدموا من مناطق "قسد" في منبج وعين العرب (كوباني)، وينقسم هؤلاء إلى قسمين، الأول أبناء منطقة ريف حلب الشرقي ويعيشون في مناطق قسد منذ أن سيطر النظام على المنطقة في عام 2017 ويرغبون بالعودة إلى أراضيهم للتخلص من الأعباء الاقتصادية المترتبة عليهم في منطقة النزوح في منبج، والقسم الآخر من أبناء منبج ومناطق سيطرة "قسد" في ريفها ويعتقد هؤلاء أن النظام سيتمدد إلى المنطقة قريباً ومن الجيد إجراء تسوية لتفادي أي أعمال انتقامية لاحقاً.

يرى الباحث في الشأن السوري محمد السكري، أن هذه التسوية لا تحقق أي شيء للنظام سوى الدعاية السياسية، فلا يوجد في الأصل أي إقبال من قبل الأهالي صوب تلك المراكز، والنظام عموماً فاقد للأمل في ناحية التعامل مع الملف السوري من منطلقات طوعية، ولكن هذه المراكز لها أهداف سياسية مرتبطة بترويج النظام لدعايته المستجدة، وهي أن الأعمال العسكرية انتهت وقد نجح في فرض هيمنته على المناطق، على الأقل أمام حاضنته الشعبية بعد فشله باستقطاب الشرائح التي كانت تقطن في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، ومثالها درعا.

يضيف السكري خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "يدل إصرار النظام على اعتماد هذه الآلية على فقدان الأمل وقلة الخيارات بعد انقطاع سبل إعادة بسط سيطرته على كل جغرافيا سوريا، باستخدام العنف المفرط بسبب تفاهمات إقليمية جرت أخرجته من المعادلة وقطعت عليه فرض سياسات تعسفية على الأهالي للعودة القسرية".

وفي 30 من آذار شهدت مدينة خان شيخون جنوبي إدلب والتي تحتضن المقر المؤقت لمجلس محافظة إدلب انعقاد مؤتمر المصالحة الأول والذي نظمته ما تسمى "المبادرة الأهلية للمصالحات الأهلية لجنة محافظة إدلب ودول الجوار"، وكان لافتاً حضور شيوخ عشائر وقادة ميليشيات عشائرية رديفة في المؤتمر بصفتهم وجهاء محليين من المفترض أن يسهموا بالمصالحة، ومن بينهم أحمد الدرويش زعيم ميليشيا الدرويش التي تقاتل في صفوف الفرقة 25 مهام خاصة "قوات النمر" التي يقودها سهيل الحسن المقرب من روسيا.

ويبدو أن مؤتمر المصالحة الذي نظم في خان شيخون هو خطوة استباقية قبل وصول قطار التسويات إلى المنطقة قادماً من ريف حلب، وغالباً سيعمل اللواء لوقا على افتتاح مركز خامس في محافظة حلب قبل الوصول إلى إدلب، وقد يستهدف ريف حلب الجنوبي مسقط رأس اللواء لوقا الذي ينحدر من بلدة خناصر.

وقال المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور لموقع تلفزيون سوريا إن "نظام الأسد يسعى إلى إعطاء صورة للمجتمع الدولي بأنه قد انتصر في حربه على الشعب السوري وهو حاليا يعمل لإعادة الحياة إلى طبيعتها، وليس هناك أي تهديدات أمنية تعيق عودة النازحين، بالتالي لا بد من الموافقة على عودته إلى المجتمع الدولي والجامعة العربية وصرف أموال إعادة الإعمار، كما أن عمليات التسوية تؤمن تدفق أعداد كبيرة من المصالحين وبالتالي رفد قواته والميليشيات الرديفة بأعداد إضافية من المجندين".