نظام الأسد بين استعادة السيطرة وتصفية الحسابات الداخلية

2018.11.08 | 00:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

 بعد استعادة السيطرة على أغلب المناطق المحررة بات واضحاً أن أكثر ما يثير قلق حليفي الأسد الرئيسيين روسيا وإيران هو ضعف قوات الأسد وعدم قدرتها على شن أية معارك بصورة منفردة، وعجزها عن أداء المهام القتالية دون مساعدة الحلفاء.

وهذا ما ظهر جلياً من خلال الاتفاق الذي عقده الروس مع تركيا في إدلب، والذي يمكن أن نقول بأن أحد أهم أسباب عقد هذا الاتفاق هو قناعة المحتل الروسي أن قوات الأسد في أضعف حالاتها وهي غير قادرة على بسط سيطرتها على باقي المناطق المحررة في الشمال السوري على الرغم من الدعم الكبير والمتعاظم للطيران الروسي والميليشيات الإيرانية، فسلاح الجو والسيطرة الجوية عادة لا يمكن أن تحسم معركة إذا لم يكن هناك قوات برية تستطيع السيطرة على الأرض.

هذا الضعف في جيش الأسد جاء عبر الكثير من الأحداث التي عصفت به من خلال الخسائر المستمرة والاستنزاف لقواه البشرية في أغلب المعارك التي خاضها، بالإضافة إلى استمرار عمليات

تقدر القوة الحالية للنظام بنحو 40 ألفا إلى 45 ألف مجند فقط، بينما تتطلب عمليات الانتشار ما يتراوح بين 100 ألف إلى 140 ألف مقاتل

الفرار والانشقاق والتهرب من الخدمة الإلزامية التي أدت الى إضعافه والتسبب بحدوث خسائر فادحة بين صفوف قواته، ويبدو من الواضح أن النظام لا يملك القدرة في المستقبل المنظور على استعادة وضعه السابق، حيث يعاني من استنزاف بالغ في قدراته، ولا يمتلك المجندون الجدد أية خبرة عسكرية أو رغبة في القتال.

ومع الحديث عن استعادة النظام السيطرة على معظم الأراضي السورية، أصبحت قواته أكثر تمدداً بسبب انتشارها على مناطق شاسعة من الأراضي السورية وهي لا تمتلك القدرة على بسط سيطرتها أو فرض هيبتها على هذه المناطق، حيث تقدر القوة الحالية للنظام بنحو 40 ألفا إلى 45 ألف مجند فقط، بينما تتطلب عمليات الانتشار ما يتراوح بين 100 ألف إلى 140 ألف مقاتل، ومع وجود هذا العدد في بداية الثورة لكنه لم يستطيع أن يبسط سيطرته على كافة الجغرافية السورية إذ كنا نشاهده عندما يفتح معركة على إحدى الجبهات يلتزم الهدوء على الجبهات الأخرى.

هذه التقديرات ليست نهائية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النظام وحلفاءه مازالوا يتكبدون المزيد من الخسائر في مختلف المحافظات السورية، وخاصة في السويداء، حيث سقط عشرات القتلى في صفوف النظام على يد تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول الماضي وتم نشر صور لعشرات القتلى في محيط تلول الصفا في البادية، الأمر الذي دفع بوكالة “سبوتنيك” الرسمية الروسية بعد ذلك إلى التسليم بضعف قوات النظام وفشلها في التقدم في السويداء بعد ثلاثة أشهر من المواجهات.

هذا بالإضافة إلى الخسائر الفادحة للميليشيات الرديفة لجيش الأسد كجيش التحرير الفلسطيني، كما وصل إلى محافظة طرطوس 19 قتيلاً، بينهم لواء ورائد وملازم أول، و16 عنصرا وصف ضابط، يتبع معظمهم للمخابرات الجوية والفرقة الرابعة، قتل أغلبهم في المواجهات مع “قوات سوريا الديمقراطية” في القامشلي، وكذلك على يد تنظيم “داعش” في السويداء، كما شهدت الأيام الماضية اندلاع مواجهات في اللاذقية بالأسلحة والقنابل بين عائلات مقرّبة من آل الأسد، حيث هاجم عناصر من عائلة مقربة من بشار الأسد فرعاً أمنياً في مدينة اللاذقية، بالإضافة إلى امتعاض الحاضنة الرئيسية للنظام من مظاهر التشبيح وإرهاب المواطنين المستمر في مناطق سيطرة النظام.

كما تشهد مدينة اللاذقية ومعظم مدن الساحل السوري انفلاتاً أمنياً وفرض أتاوات على المدنيين من قبل ميليشيا الدفاع الوطني، التي شكلها النظام كقوة رديفة لميليشياته منذ سنوات، وترافق ذلك مع إجراءات يقوم بها بعض المتنفذين في جيش الأسد أمثال سهيل الحسن الذي أصدر قراراً مفاجئاً بإنهاء عقود الكثير من عناصره في ما يسمى ميليشيات النمر وترافق ذلك مع حل بعض الميليشيات التابعة لجيش الأسد كمغاوير البعث.

تأتي تلك الإجراءات بالتزامن مع اندلاع خلافات حادة داخل الأروقة الأمنية الخاصة بالقصر الجمهوري، وتفاقم الحرب الداخلية بين مختلف الأطراف الموالية لبشار الأسد، والتي أدت خلال الشهرين الماضيين إلى اعتقال ثلاثة من كبار الضباط المسؤولين

تم التكتم على تسريح عدد من الضباط العلويين المقربين من بشار الأسد في الآونة الأخيرة، وخاصة في صفوف قيادات ميلشيا “النمر” التابعة للعميد سهيل الحسن، والذي يبدو أنه المستهدف الأكبر من عمليات التصفية

عن قسم الاستعلامات الخاص بالقصر الجمهوري، كما تم معاقبة 12 ضابطا في الموكب الرئاسي الخاص ببشار الأسد، ونقلهم إلى قطعات الجيش العسكرية، بعد تجريدهم من كامل الصلاحيات والمزايا التي يتمتعون بها نتيجة الخلافات التي تدور رحاها بين المسؤولين عن القصر وبين قيادات الصف الأول من الحرس الجمهوري وضباط آخرين يعملون داخل القصر.

وتم التكتم على تسريح عدد من الضباط العلويين المقربين من بشار الأسد في الآونة الأخيرة، وخاصة في صفوف قيادات ميلشيا “النمر” التابعة للعميد سهيل الحسن، والذي يبدو أنه المستهدف الأكبر من عمليات التصفية التي تجري في أروقة القصر الجمهوري بهدوء تمهيداً للمرحلة المقبلة.

كل ذلك ينذر بمعارك ستشتد أكثر مع وجود حلفاء لإيران وآخرون حلفاء لورسيا داخل المنظومة الأمنية السورية وداخل أروقة النظام لتصفية الحسابات فيما بينهم، يمكن أن تطول لسنوات لإثبات وجود كل طرف من الأطراف المتصارعة بأنه الأقوى والأجدر، ليكون حليفا مقنعا كي تتبناه روسيا أو إيران للاعتماد عليه في إعادة ترتيب إنتاج النظام من جديد، وهذا ما سيدخل أركان النظام السابق في معارك داخلية للسيطرة على القرار وأعتقد أن معظمها سيكون استخباراتيا من خلال استخدام أسلوب طالما نجح فيه الأسد الأب في بداية حكمه ضد معارضيه أو حتى ضد من يمكن أن يستطيع أن يكون بديل عنه وإن كان من أقرب المقربين منه وهو التصفيات الجسدية والتغييب في السجون والإبعاد خارج القطر.

فهل يمكن أن ينجح الأسد الابن كما نجح أبيه في إحكام السيطرة على الحكم في سوريا إلى خمسين عاما قادما، أم أن لأصحاب القرار في العالم رأي آخر؟، لهذا لم يتدخلوا حتى الآن بشكل جدي لحل القضية السورية وكما يبدو واضحا أن الهدف من هذا التريث هو إضعاف كافة الأطراف ليتم تصنيع من هو قادر على مسك زمام أمور الحكم في سوريا على طبق من ذهب لنصف قرن قادم.