نصرة العراقيين لضحايا الزلزال في سوريا!

2023.02.26 | 07:25 دمشق

نصرة العراقيين لضحايا الزلزال في سوريا!
+A
حجم الخط
-A

يعرف التلاحم الإنساني بين بني البشر في المراحل العصيبة وبالذات في أزمات النزوح والفوضى المعاشية والحياتية نتيجة الحروب والكوارث الطبيعية وفي مقدمتها الزلازل والفيضانات.

وقبل أكثر من أسبوعين ضرب زلزال مدمر بلغت قوته 7,7 درجات على مقياس ريختر جنوب تركيا وامتدت اهتزازاته إلى شمال سوريا، وأسفر، حسب آخر حصيلة، عن مقتل نحو 50 ألف شخص في البلدين وعشرات آلاف الجرحى!

ويعد هذا الزلزال من الزلازل الكبيرة التي لم تضرب دول المنطقة منذ عشرات السنين، ودائما ما يوضح العلماء بأن الزلزال هو اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاط بركاني أو صهاري. وأن الزلازل تحدث فجأة من دون سابق إنذار، ويمكن أن تحدث في أي وقت، كما يمكن أن تؤدي إلى وقوع وفيات وإصابات وأضرار في الممتلكات وفقدان المأوى وسبل العيش وتعطيل البنية الأساسية الحيوية. وترجع معظم وفيات الزلازل إلى انهيار المباني أو نتيجة لأخطار ثانوية كالحرائق وأمواج تسونامي والفيضانات والانزلاقات الأرضية وإطلاق المواد الكيميائية أو السامة.

والزلزال الذي ضرب تركيا كان كارثة حقيقية، وقال أستاذ علوم الأرض والمحيطات في جامعة فيكتوريا الكندية الدكتور إدوين نيسن لوكالة الأناضول التركية، إن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، كان أحد أكبر الزلازل التي سُجلت على اليابسة، وأن هذا النوع من الزلازل المدمرة تحدث عادة في المحيطات وليس على اليابسة.

وأكد نيسن أن الزلزال لم يكن متوقعا رغم بيانات تركيا الغنية التي تعود بعضها إلى 1000 عام، كما أن مثل هذا الزلزال الضخم عادة لا يتكرر إلا كل 100 عام.

المعضلة الأولى التي واجهت الجميع كانت في صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة لكون النظام السوري لم يوافق بداية على فتح الحدود البرية

ومع الساعات الأولى للكارثة التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا يوم 6 شباط/فبراير 2023 والتي تعد أعنف كارثة (زلزال) يضرب منطقة الأناضول منذ ألفي عام، وفقا لمدير عام قسم الزلازل والحد من المخاطر في "آفاد" التركية أورهان تتار، لاحظنا أن غالبية دول وشعوب المنطقة والعالم قد أطلقوا نداءات عاجلة لمساعدة المنكوبين في كلا البلدين، وقد كان الشعب العراقي في مقدمة تلك الشعوب!

ولكن المعضلة الأولى التي واجهت الجميع كانت في صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة لكون النظام السوري لم يوافق بداية على فتح الحدود البرية إلا بعد أربعة أيام تقريبا من الكارثة مما تسبب بزيادة أعداد الضحايا وتأخر وصول المساعدات الطبية والإنسانية إليهم وكأن النظام أراد معاقبة الضحايا لأنهم غير خاضعين لسيطرة سلطانه وقواته!

وأعلنت وكالة الإعلام السورية الرسمية (سانا)، موافقة النظام السوري على إيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق خارج سيطرته في شمال البلاد، وأن النظام أعلن أيضا المناطق الأكثر تضررا من الزلزال، وهي اللاذقية وحماة وحلب وإدلب.

وقد كان للعراقيين، كمواطنين، مواقف واضحة وكبيرة وضاغطة على الجانب الرسمي في ضرورة نصرة ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، ولهذا لاحظنا أن البرلمان العراقي طالب حكومة بغداد في اليوم التالي للزلزال بتشكيل غرفة عمليات مشتركة لفتح الحدود واستقبال مصابي الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا.

وعلى الجانب الحكومي أعلنت حكومة بغداد وعلى لسان الناطق باسمها باسم العوادي عن تشكيل خلية أزمة حكومية انخرطت فيها (11) وزارة فضلاً عن الدفاع المدني والهلال الأحمر لتنظيم تقديم المساعدات الإغاثية للشعبين السوري والتركي.

وأحصت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، يوم 17 شباط/ فبراير حجم المساعدات الإغاثية المقدمة من العراق للشعبين السوري والتركي من جراء كارثة الزلزال، وأكد المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد إرسال (50) طائرة (24) منها إلى مطاري دمشق وحلب في سوريا حملت 126.5 طناً من المساعدات، ورافق هذه الرحلات (234) شخصاً من الموظفين والطواقم والوفود الرسمية والتي حملت مواد غذائية وطبية وإغاثية متنوعة ويضاف إليهم (35) ضابطا ومنتسبا من فرق البحث والتحري من مديرية الدفاع المدني إلى تركيا ومعهم فرق الهلال الأحمر العراقي التي توجهت إلى سوريا أيضاً.

وفي اليوم التالي 18/ شباط/ فبراير أرسل العراق ثلاث طائرات لأول مرة إلى مدينة اللاذقية السورية، وأرسلت وزارة التجارة العراقية (650) طنا من المواد الغذائية، ووزارة الدفاع (850) طناً من المواد الإغاثية، والنفط مليون لتر من الوقود وكذلك تبرعات أساتذة وطلبة جامعة البصرة وغيرها من المساعدات الشعبية التي أرسلت في الغالب عبر الجانب الرسمي العراقي.

وبحسب تقارير حقوقية، فإن العراق كان على رأس قائمة الدول التي قدمت المساعدات برياً عبر العديد من القوافل المؤلفة من مئات الشاحنات، ويقابلها دولة الإمارات المتحدة كأثر دول قدمت المساعدات عبر الطائرات.

ولم يكن إقليم كردستان العراق بعيدا عن نصرة الشعب السوري حيث أرسلت حكومة الإقليم في العاشر من شباط/ فبراير (14) شاحنات محملة بملابس وأغطية (بطانيات) وخيام أيضا لصالح المتضررين من الزلزال، وتضمنت الحملة كذلك عشرات الأطباء والكوادر الصحية إضافة إلى سيارات إسعاف.

ولم تكن الحملات العراقية على المستوى الرسمي فحسب، فقد تابعنا مساهمة العديد من المنظمات والهيئات الشعبية الدينية والمدنية بهذه الحملة ومنها هيئة علماء المسلمين في العراق التي دعت الهيئة الدول والمنظمات الإنسانية إلى المشاركة في إغاثة منكوبي الزلزال الذي ضرب منطقة تركيا وسوريا، معربةً عن التضامن الكامل مع البلدين.

وأرسلت الهيئة المساعدات الإنسانية بالتعاون مع جمعية (زدني) الإنسانية إلى أحد المجمعات السكنية البديلة التي اتخذتها العائلات السورية المتضررة من الزلزال في مناطق الشمال، حيث تشكو هناك من نقص حاد في المستلزمات الضرورية ووسائل التدفئة، والمواد الغذائية.

كارثة الزلزال الأخيرة أثبتت التلاحم التاريخي الشعبي بين الأشقاء في سوريا والعراق، وأكدت أن التلاحم الشعبي، العراقي والسوري، يمتاز بالأصالة والعراقة

وانطلقت في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى الشمالية حملة تبرع واسعة لضحايا الزلزال ولإنقاذ العوائل المتعففة والمنكوبة من الشعب السوري، وقد شملت هذه الحملات الشعبية غالبية محافظات العراق ومنها الأنبار وديالى وميسان وبغداد وغيرها!

إن كارثة الزلزال الأخيرة أثبتت التلاحم التاريخي الشعبي بين الأشقاء في سوريا والعراق، وأكدت بأن التلاحم الشعبي، العراقي والسوري، يمتاز بالأصالة والعراقة، وأثبتت الكارثة كذلك بأنه لا يمكن للسياسات غير المسؤولة أن تسحق التكاتف بين الشعوب العربية والإسلامية والأنقياء في كل أرجاء الكون!

وهكذا لاحظنا أن المصائب تكسر الحدود، وتجمع الشعوب وترغم الأنظمة على الرضوخ لإرادات الشعوب المتلاحمة وهذا ما حصل مع النظام السوري الذي أرغم على فتح الحدود لتقديم العون للمدن المنكوبة!

حقا لقد كانت مأساة الزلزال الأخيرة درسا عمليا كبيرا في التناصر الإنساني والتكاتف بين الشعوب، وبالذات بالنسبة لشعوب الدول القريبة من سوريا وتركيا والتي كانت مواقفها على أعلى المستويات الإنسانية الراقية والمليئة بالتراحم والعطاء.