althania
icon
التغطية الحية

نسوة غزيات بلا معيل يواجهن حروباً أخرى من دون استسلام

2025.02.10 | 12:43 دمشق

 نسوة غزيات بلا معيل يواجهن حروباً أخرى دون استسلام
نسوة غزيات بلا معيل يواجهن حروباً أخرى دون استسلام
دعاء شاهين
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تعاني نساء غزة من تحديات كبيرة بعد الحرب الأخيرة، حيث يواجهن مسؤوليات مضاعفة لإعالة أسرهن في ظل ظروف معيشية صعبة ومعقدة.
- نساء مثل نسمة المدهون ووفاء ظاهر أصبحن معيلات وحيدات لأسرهن، ويظهرن قوة الإرادة والتصميم في مواجهة الصعاب رغم الألم والفقد.
- تواجه الأرامل تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة، مما يستدعي الحاجة إلى دعم نفسي ومعنوي ومادي لتعويض غياب المعيل والتخفيف من الأزمات المتراكمة.

في غزة، المدينة الساحلية ذات المساحة الجغرافية الصغيرة مقارنة بعدد سكانها الذي يتجاوز المليونين، تعيش نساؤها معتركاً حقيقياً، لا سيما بعد الحرب الأخيرة التي تركت ندوباً عميقة في الأرواح قبل الأجساد.

وبينما يخلف الدمار بيوتاً مهدمة وشوارع محطمة، فإنه أيضاً يسلب كثيرا من النساء معيلهن الوحيد، ليجدن أنفسهن في مواجهة حياة قاسية بلا سند، ويحملن على أكتافهن مسؤوليات مضاعفة لإعالة أسرهن وسط واقع معقد.

نسمة: الأم والأب في آن واحد

قبل الحرب، كانت تعيش الغزية نسمة المدهون، البالغة من العمر 29 عاماً، حياة بسيطة وآمنة في منزلها بمخيم جباليا، كان زوجها يعمل في ورشة نجارة، ويوفر بالكاد احتياجات أسرتهما المكونة من ثلاثة أطفال. 

لكن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة هدم منزلها واضطرت للنزوح إلى جنوبي قطاع غزة لتعيش في منزل أحد أقاربها مع أسرتها، وكانت تتقاسم مع زوجها أعباء حياتها اليومية من تعبئة المياه، وإشعال نيران الحطب للطهي، وحتى الاعتناء بالأطفال، والتنقل المستمر بسبب النزوح.

وبعد خمسة أشهر على نزوحها، وتحديداً في 2 مارس/آذار من العام الماضي، استهدفت طائرات الاحتلال مركبة كانت تمر في إحدى الشوارع  وتصادف وجود زوجها بجوارها، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة أودت بحياته على الفور، لتُحرم نسمة من زوجها في لحظة، وتصبح بلا معيل.

"الحياة لوحدي قاسية، أصبحت أقوم بدور الأم والأب في آن واحد"... بهذه الكلمات وصفت نسمة حالها كزوجة أصبحت أرملة، بينما كانت تربت على كتف طفها الصغير أيهم ذي العامين عله يغفى وينام بعد ليلة طويلة قضتها بجانبه لم تغفل عيناها عنه فهو مصاب بالتهابات معوية نتيجة تلوث المياه بغزة بسبب الحرب. 

"لم أكن أعرف كيف سأكمل حياتي كنت ربة منزل فقط، فجأة أصبحت لوحدي مكلفة بإعالة أسرة كاملة من كافة مناحي الحياة"، تضيف نسمة وعيناها تكاد تجهش بالبكاء، قبل أن تكمل: "مطلوب مني توفير العلاج لطفلي ورعايته والقيام بأعباء المنزل وواجباته وتوفير قوت أطفالي والبحث بين المؤسسات الإغاثية لمساعدتي، فلو كان زوجي معي كان سيخفف عني الكثير من الأعباء".

بالإضافة إلى الأزمات المركبة التي تعيشها نسمة وحدها مع أطفالها من دون معيل تركت داخلها ضغوطات نفسية ومجتمعية ومعيشية، فهي لا توقف البحث عن أي فرصة عمل تعوضها عن مد يدها للمؤسسات الإغاثية وتعيل أطفالها من مالها الخاص، وفق قولها.

 نسوة غزيات بلا معيل يواجهن حروباً أخرى دون استسلام

قصة نسمة وغيرها من النساء اللواتي أفقدتهن الحرب أزواجهن، ليست وحدها فهناك قرابة 2780 امرأة في غزة أصبحن بلا معيل، وفقاً لإحصاءات صادرة عن تقارير الأمم المتحدة.

وفاء: من ربة منزل إلى معيلة وحيدة

"نحن لم نختر هذه الحياة، لكنها فرضت علينا، وسنواصل مشوارنا من أجل أطفالنا"، بهذه الكلمات وصفت وفاء ظاهر (32 عاماً) واقعها الجديد بابتسامة عفوية، تحمل بين طياتها كثيرا من الألم، لكنها تعكس أيضاً قوة لا تنكسر.

وتعيل وفاء 4 من أبنائها أكبرهم يامن (7 أعوام) وأصغرهم توليب (3 أعوام)، التي كانت مدللة والدها، لكنها فقدته من دون أن تعرف مصيره، فلا تعلم إن كان حياً أو أسيراً أو قد استشهد.

كانت تعيش وفاء مع أطفالها وزوجها بمنزلهم بمخيم البريج وسط غزة، ولم يتركها ولو للحظة خوفاً عليهم في ظل الإبادة الجماعية التي يعيشها السكان.

بتاريخ 6 أبريل/نيسان من العام الماضي، كان الأطفال بحاجة لتناول الغذاء ولم يكن بالمنزل غاز الطهي، فقرروا الاستعاضة عنه بإشعال نيران الحطب كباقي العوائل الغزية التي تعيش حصارا إسرائيليا منذ بداية الحرب على غزة، مما دفع زوجها للذهاب في رحلة بحث عن أخشاب لاستخدامها كوقود لإشعال نيران للطهي في منطقة شرقي البريج، لكنه وفق قول زوجته وفاء يومها خرج ولم يعد.

ومنذ تلك اللحظة فقدت آثار زوجها ولم تعد تعرف فيما لو كان حياً أو أسيراً أو استشهد أو ربما تحللت جثته كون المنطقة التي ذهب لإحضار حطب منها تصنف ضمن المناطق الحمراء وتحت سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت، ومن المحتمل أن يكون تم استهدافه، رغم أنها تواصلت مع جهات عدة للبحث عنه ولم تخرج بأي نتيجة، فقررت الفتاة الغزية عدم الاستسلام وجمعت قواها من أجل أطفالها فهم بحاجتها بعد فقدان والدهم والمعيل لهم.

بينما كانت تتحدث وفاء قاطعها طفلها الصغير أيهم والذي كان يحمل بين يديه هاتفها النقال يشاهد صور والده معهم يقول بصوت خافت وبراءة الطفولة اليتيمة: "هذا بابا" لترد الأم قائلة بصوت مختنق بالحسرة " الألم ليس فقط في الفقد، بل في الشعور بالعجز"، وتضيف: "أطفالي يسألونني كل يوم متى سنعود إلى بيتنا، وأنا لا أملك إجابة".

وتكمل حديثها: "لم أكن مجهزة يوماً لفقد زوجي والمعيل الوحيد لنا، أشعر أني فقدت طاقتي نتيجة تحمل أعباء المنزل وحدي، فالمسؤولية كبيرة على عاتقي ما بين البحث عن زوجي المفقود، وتوفير احتياجات أطفالي، وقلة فرص العمل.. حاولت البحث عن عمل بدل زوجي الذي كان يعمل محاسباً، لكني لم أجد، فالحرب دمرت كل شيء".

وبجانب الأعباء النفسية ومعترك الحياة اليومية الذي تعيشه وحدها من دون معيل،  قررت وفاء امتهان صنعة جديدة رغم أنها خريجة إدارة أعمال، لكن في ظل الحرب فرص العمل في هذا الجانب شبه معدومة، فعملت على صنع وإعداد المعجنات بكافة أنواعها وبيعها للمحال التجارية بغزة لتوفير قوت يوم أطفالها، فبعد أن كانت ربة منزل تقوم بدورها المعروف كأم أصبحت المعيلة الوحيدة لأبنائها.

 نسوة غزيات بلا معيل يواجهن حروباً أخرى دون استسلام

أزمات مركبة تواجه نسوة غزة بلا معيل

بدوره، يقول الناشط الحقوقي سعيد عبد الله: "إن نساء غزة يعشن تحديات اجتماعية واقتصادية وحقوقية ضخمة خلال الحرب على غزة 2024، حيث ازداد عدد النساء الأرامل والفاقدات بشكل كبير بسبب ارتفاع أعداد الضحايا، وأصبحن غير قادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن، ويفتقرن إلى الوصول إلى المنظمات التي يمكن أن تساعدهن".

كما أشار إلى أن النساء يُصنَّفن قانونياً وإنسانياً ضمن الفئات الهشة في المجتمع، وهذا ما يجعلهن بحاجة إلى رعاية دائمة في أوقات الحروب والنزاعات، وخاصة الفاقدات والأرامل.

وقال في معرض حديثه إن النساء الفاقدات، كغيرهن من الفئات المهمشة، يعانين من العيش غير الكريم في مراكز النزوح، وفي ظروف لا تطاق تتسم بالازدحام ونقص الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والاستحمام.

وأضاف: "وتعيش الفاقدات في خيم لا تقي من حرارة الصيف الملتهبة ولا من برد الشتاء، كما يعانين من الفقر بدرجاته المختلفة والبطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، تعاني النساء من سوء التغذية أكثر مقارنة بالرجال، ويضطررن إلى الوقوف في طوابير طويلة تحت لهيب الشمس أو تحت الأمطار بانتظار الحصول على حصص المياه والغذاء والدواء".
وبيَّن أن مجمل الأوضاع التي تعيشها النساء الفاقدات يزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية والحياتية على كاهلهن، لذا فهن بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي والمعنوي والمادي لتعويض غياب معيلهن والتخفيف من الأزمات المتراكمة عليهن.