icon
التغطية الحية

نسج قصة "إيلي كوهين".. وفاة جاسوس إسرائيلي من أصل سوري

2021.01.06 | 15:54 دمشق

00shoshan2-superjumbo.jpg
نيويورك تايمز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إسحق شوشان العميل السري الإسرائيلي سوري المولد الذي تظاهر بأنه عربي في بداية عمله، وشارك في تفجيرات وفي محاولة اغتيال، قبل أن يسهم بتطوير أساليب التجسس في بلاده، توفي في 28 من كانون الأول عن عمر ناهز 96 عاماً في تل أبيب.

وقد أكدت ابنته إيتي وفاته في مشفى إيخيلوف عندما أعلنت عن إصابته بجلطة دماغية أودت بحياته.

وفي تأبين له ظهر على تويتر، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي عمل لدى فرقة في الاستخبارات الإسرائيلية، التي ساهم السيد شوشان في تشكيلها، بأن السيد شوشان: "خاطر بحياته مرات ومرات" من أجل إسرائيل. وأضاف: "أجيال من المحاربين تعلموا على يديه، وأنا منهم".

ولد السيد شوشان باسم زكي شاشو في مدينة حلب بسوريا في عام 1924 لأسرة يهودية تتحدث العربية، ودرس في مدرسة فرنسية كما تعلم العبرية في مدارس يهودية تقليدية، ثم انضم في صدر شبابه لفرقة الكشافة العبرية الصهيونية. وعندما بلغ الثامنة عشرة من العمر، سافر مدفوعاً بصهيونيته إلى فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني وقتها، وخلال سنتين تم تجنيده بين صفوف البلماح وهي قوات مقاتلة يهودية سرية.

وخلال فترة تدريبه، تم فرزه إلى قطعة سرية تعرف باسم الفصيل العربي، ويضم هذا الفصيل يهوداً يمكنهم التنقل بهويات عربية بهدف جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات تخريبية إلى جانب عمليات قتل متعمدة.

وقد تم تشكيل تلك القطعة تحسباً لوقوع حرب في فلسطين بين اليهود والعرب حسبما ذكر يوآف جيلبير وهو أستاذ جامعي ومؤرخ متخصص بتلك الفترة.

وهكذا تم تدريب أفراد تلك القطعة، وجلهم من المهاجرين من الأراضي العربية، على جمع المعلومات الاستخبارية والقيام باتصالات سرية، مثل استخدام رموز مورس، بالإضافة إلى تعلم تكتيكات وأساليب المغاوير، واستخدام المتفجرات. كما درس هؤلاء وبشكل مكثف العادات العربية والإسلامية حتى يتمكنوا من العيش بين العرب وكأنهم منهم دون أن يثيروا أية شكوك.

ثم بدأ شوشان بالمشاركة في عمليات جمع المعلومات الاستخبارية بعد أجرت الأمم المتحدة في عام 1947 تصويتاً حول تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية، ما أجج اشتباكات كان من الممكن أن تتطور لحرب.

01Shoshan1-jumbo.jpg

صورة لشوشان أعدتها المخابرات الإسرائيلية لتستخدم في وثائق مزورة

 

دوره في محاولة اغتيال الشيخ نمر الخطيب

ولكن في شهر شباط من عام 1948 تم استدعاء شوشان ليضع جانباً آخر من تدريبه موضع التنفيذ، وذلك عندما طلب منه المشاركة باغتيال الزعيم الفلسطيني الشيخ نمر الخطيب الذي تواردت أنباء حول توجهه إلى فلسطين من لبنان حاملاً معه السلاح.

وهكذا كان من المقرر أن يقوم مسلحون بإطلاق النار على سيارة ذلك الشيخ، ثم يظهر شوشان في المشهد بوصفه أحد المارة العرب أثناء وقوع الحادث، إذ طلب منه أن يقترب ويتظاهر بأنه يحاول تقديم المساعدة، ولكن الهدف الحقيقي من كل ذلك هو التأكد من موت الشيخ، وفي حال عدم موته، لابد لشوشان أن يجهز عليه بواسطة مسدسه، وذلك حسبما ذكره السيد شوشان في مقابلة أجريت معه عام 2002.

وبالفعل تم إطلاق النار على الشيخ وإصابته في سيارته، فقد "رشها من نفذوا الاغتيال بالرصاص بواسطة رشاشاتهم" حسبما ذكر السيد شوشان، إلا أن الشيخ نجا من الموت بعدما قام جنود بريطانيون بمنع السيد شوشان من الوصول إلى السيارة، لكنه أصيب إصابات بالغة، فغادر فلسطين، وكف عن لعب دور فاعل في تلك الحرب.

وبعد مدة قصيرة، تم إرسال شوشان مع فرد آخر من الفصيل العربي إلى مرآب في حيفا، حيث أشارت المعلومات الاستخبارية إلى وجود قنبلة ملغمة زرعت في سيارة.

وعن ذلك يتحدث شوشان فيقول: "لم يشك أصحاب السيارات بنا على الإطلاق، لكنهم لم يسمحوا لنا بإدخال سيارتنا إلى المرآب بالطبع، غير أنهم سمحوا لنا بالدخول سريعاً إلى الحمام".

وكانت تلك الفترة كافية لنزع فتيل المؤقت الخاص بالعبوة الناسفة ثم الهرب من ذلك المكان، وبعد مرور دقائق على ذلك هز انفجار كبير أركان المنطقة كلها، فتهدم المرآب مع عدد من المباني المجاورة، وتسبب ذلك بمقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص وجرح كثير غيرهم.

وفي عام 1948 عندما انسحبت القوات البريطانية من فلسطين، وأعلنت إسرائيل عن تشكيل دولتها، تم إرسال العملاء من الفصيل العربي إلى الدول العربية المجاورة، لتحقيق هدف مزدوج وهو جمع المعلومات وإحباط أية تهديدات يمكن أن تمثل خطراً على إسرائيل.

وعن ذلك يقول شوشان: "بالرغم من إرسالنا لجمع المعلومات الاستخبارية، إلا أننا اعتبرنا أنفسنا جنوداً، وصرنا نبحث عن فرصة لنتصرف على هذا الأساس".

شوشان في بيروت

وهكذا تم إرسال السيد شوشان إلى بيروت، حيث ابتاع هو وزملاؤه كشكاً وسيارة قديمة استخدموها كسيارة أجرة حتى يوفروا غطاء للنشاطات التي كانوا يقومون بها هناك.

وفي إحدى المرات طلبت من تلك المجموعة زرع قنبلة في أحد اليخوت الفارهة التي تعود لشخصية لبنانية ثرية، وقيل لهم بإن أدولف هتلر استخدم ذلك اليخت خلال الحرب العالمية الثانية، وأشارت المعلومات الاستخبارية إلى أن هذا المركب قد يتم تحويله إلى سفينة حربية تستخدم ضد اليهود. وهكذا فإن التفجير الذي حصل بعد زرع الملغمة في ذلك المركب لم يقم بإغراقه بل حطمه بما يضمن عدم استخدامه في عمليات عسكرية.

وكان من المفترض لأهم عملية يقوم بها هذا الفريق وهي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح أن تتم في شهر كانون الأول من عام 1948، إذ قام السيد شوشان ورفاقه بوضع خطة لقتل رئيس الوزراء وهم يرصدون تحركاته. إلا أن هذه العملية ألغيت في آخر لحظة بأمر من كبار القادة في إسرائيل، فأصيب السيد شوشان بخيبة أمل كبيرة نتيجة لذلك حسبما روى في تلك المقابلة.

وخلال السنتين اللتين أمضاهما شوشان في بيروت، التقى بأقارب المتوفين في حادثة تفجير مرآب حيفا، حيث تحدثوا إليه دون تحفظ ظناً منهم أنه فلسطيني، وحول ذلك يقول شوشان: "قبل ذلك لم أفكر أبداً بالأشخاص الذين ماتوا في تلك الحادثة". ثم يتذكر السيد شوشان في كتاب: (رجال الأسرار.. رجال الغموض) الذي صدر في عام 1990 والذي كتبه بالتعاون مع رافي ساتون، أحد زملائه السابقين في المخابرات الإسرائيلية، فيروي لنا ما اقترفته يداه بقوله: "هناك في بيروت، جلس عربي عجوز قبالتي وأخذ يبكي على ولديه اللذين قتلا في تفجير شاركت بتنفيذه".

وقد دفع القبض على أفراد من الفصيل العربي ثم إعدامهم إسرائيل إلى التخلي عن الاستعانة بجواسيس يهود يندمجون بين العرب. وهكذا توجه شوشان نحو تجنيد العملاء العرب وإدارتهم، ذلك الدور الذي حتم عليه تحويلهم إلى خونة.

وفي مقابلة أجريت مع زميله ساتون يقول: "اتضح أنه يتمتع بموهبة في هذا العمل أيضاً، وذلك لأن العملاء يمثلون أمراً إشكالياً، إذ يتعين عليك أن تعرف إن كانوا يكذبون عليك أم يصدقونك القول، مع عدم السماح لهم بابتزازك أو التحكم بالعلاقة التي تجمع بينكما، دون أن يضر ذلك باستعدادهم للتعاون معك".

عدا عن ذلك صار شوشان يدعو للعودة إلى برنامج دمج العملاء ضمن المجتمعات العربية، ما أدى إلى تشكيل فرقة "سايريت ماتكال" وهي فرقة تجسس متخصصة بالعمليات العسكرية الخاصة، وقد تم تشكيلها لتنفذ عمليات تعتمد على جمع المعلومات الاستخبارية، وذلك عبر الاستعانة بمقاتلين تدربوا على الاستعانة بساتر عربي، ومن بين أفراد تلك الفرقة ظهر الشاب بنيامين نتنياهو الذي يشغل منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي حالياً، وسلفه إيهود باراك الذي كان قائداً لتلك الفرقة.

وهكذا أحيلت للسيد شوشان مسؤولية تدريب أعضاء تلك الفرقة ليقدموا أنفسهم كعرب.

وقد شارك شوشان بتأليف قصة التاجر التي اعتمدها إيلي كوهين، ذلك الجاسوس الإسرائيلي الذي تغلغل ضمن أرفع دوائر النظام السوري في ستينيات القرن الماضي، إلا أن أمره افتضح، وتم إعدامه في نهاية المطاف.

يذكر أن شوشان تقاعد في عام 1982 لكن وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) كانت تطلبه من حين لآخر ليقوم بتدريب العملاء، أو المشاركة في بعض العمليات بنفسه في بعض الأحيان.

إذ عبر التخفي كان بوسعه أن يقدم نفسه كعجوز عربي بحاجة للمساعدة، ثم يدخل إلى بناء ليجري مكالمة هاتفية ضرورية مثلاً، أو ليتواصل بشكل عرضي مع الهدف الذي سيتم تجنيده. إذ إن كبر سنه لا يمكن أن يثير الريبة بحسب رأي رؤسائه ومدربيه.

 المصدر: نيويورك تايمز