icon
التغطية الحية

نساء يعملن في مرمى نيران النظام.. حقول حماة مصدر للرزق والموت

2019.05.07 | 14:05 دمشق

مقتل امرأة إثر قصف محيط بلدة الهبيط من قبل حواجز قوات النظام، آذار 2019 (الدفاع المدني)
إدلب - سيرين المصطفى - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أوقف التصعيد العسكري للنظام وروسيا في ريف حماة عشرات الورش النسائية التي كانت تجوب حقول المنطقة بحثاً عن قوت اليوم، لكن قبل أسابيع من الآن كانت الأراضي الزراعية المذكورة مصدرا للرزق والموت في نفس الوقت.

تجثو (أم محمد) على ركبتيها مخبئة رأسها بين يديها، بعد أن تنطق الشهادتين، سرعان ما تسمع صوت المدفع الموجود على الحاجز المتاخم للطامنة (القرية التي تعمل بها)، ثم تعود لعملها بالأرض مع الورشة "الفعالة" بعد أن تتجاوزها القذيفة بلحظات، داعية في قلبها أن يمر بسلام وقت عملها بـ"العيادي" أي تنظيف الأرض المزروعة من الأعشاب الضارة، دون أن تصاب هي أو النسوة اللاتي معها بأذىً، إذ غدت المعيلة الوحيدة لأسرتها المكونة من صبي وبنت، بعد وفاة رب الأسرة.

تروي (أم محمد) المرأة الأربعينية المنحدرة من قرية كفر سجنة لموقع تلفزيون سوريا:" أعلم أن عملي أشبه بالانتحار، لكن كما يقال "ما الذي يجبرك على المر إلا الأمرّ منه"، فليست لدي وسيلة غيرها تؤمن لي قوت اليوم لي ولأطفالي، كما أني لا أملك شهادة أو خبرة تؤهلني لمهنة أخرى أكثر أماناً، عدا ذلك فقد حاول صهري أن يسجل اسمي مع منظمات لتقدم لي دعماً، كغيري من الأرامل، كما ذهبت مراراً إلى المجلس المحلي في القرية لتقديم طلب مساعدة، لكن كل ذلك كان دون جدوى".

ليست أم محمد الوحيدة التي تعرّض نفسها للخطر في سبيل كسب لقمة عيشها، بل يوجد كثير من النساء في قرية كفر سجنة وقرى مجاورة لها من ريف إدلب الجنوبي، يعشن حالةً من الفقر والقلة في ظل ما فرضته عليهن الحرب من ظروف قاسية، كالغلاء و النزوح وغيرها من الهموم المادية والعائلية التي تزيد مع  القصف الذي قد يؤدي إلى موت المعيل  أو فقدان الممتلكات الشخصية، وهذا ما دفع نسبة كبيرةً منهن لامتهان أعمال في مناطق خطرة، كالعمل بمختلف الأشكال الزراعية(حصاد، قطاف، …..إلخ) في مناطق زراعية من ريف حماة،  كاللطامنة وكفر زيتا إضافة لمناطقَ أخرى بريف إدلب مثل الهبيط وغيرها من المناطق التي تتعرض لقصف يومي من قوات النظام وحلفائه الإيرانيين والروس.

عشرات الضحايا

وعن وضع اللطامنة يقول الناشط فياض الصطوف واحد من سكانها وعضو في "تجمع شباب اللطامنة: "القصف مستمر دائما على المنطقة، كما أن جميع النقاط مستهدفة، لعدم وجود هدنة بيننا وبين الحواجز، فأي شخص يعمل في الأرض معرض للموت أو الإصابة"، وأشار إلى أنه في السنة الماضية حصلت في اللطامنة حرائق للمحاصيل الزراعية (فستق وكرمة وحقول) إثر القصف، وحينها تجاوزت الخسائر المادية الملايين، كما قتل العشرات من الناس".

وأضاف: "قام تجمع شباب اللطامنة بإصدار إحصائية في 17آذار/مارس، وثقت مقتل 72 شخصا في ريف حماة وجرح 115 آخرين بنيران النظام والروس منذ إعلان سوتشي في الشهر التاسع من عام 2018 وحتى 17 آذار/مارس، واستهدف النظام خلال تلك الفترة أكثر من 35 نقطة بأكثر من 7 آلاف قذيفة مدفعية وصاروخية". وأكد أن عدد القتلى والجرحى بجانب عدد الغارات ازداد في الآونة الأخيرة لأن النظام لم يوقف تصعيده بعد على المنطقة.

وبحسب أحد عناصر الدفاع المدني:" في 12 آذار/مارس من العام الحالي، استهدف نظام الأسد الأراضي الزراعية لبلدة الهبيط بخمسة صواريخ عنقودية، مما أودى بحياة سيدة (وطفة قاطوف) واُصيبت فتاتان من العائلة ذاتها خلود قاطوف (بتر أطراف) وندى قاطوف."

وتسرد أم خالد، (واحدة من النساء العاملات في حقول المنطقة):"ما نمرُّ به الآن يتطلب منا العمل بأقصى جهدنا لسد الاحتياجات اليومية المطلوبة منا، فكل شيء غالي الثمن، المياه تأتي فقط مرتين شهريا، والكهرباء عن طريق الاشتراك بمولدة كهربائية تتطلب فاتورة شهرية، عدا المازوت والحطب في الشتاء، إلى جانب بنزين الموتور، وغيرها مما تحتاج إليه الأسرة من طعام وشراب وطبابة" توقفت عن الحديث لدقائق ثم تحولت وهي تهز برأسها لتردف بعد ذلك قائلة: "ولك بنتي مجرد الحكي بهالموضوع بيوجعلي راسي".

إلا أن مريم الفتاة التي لم تتجاوز سن الثامنة عشر فقد ذكرت شيئا مختلفا، إذ قالت بصوت هادئ: "لم يحالفني الحظ في الدراسة، فجلست في المنزل ليغزو حياتي الفراغ والملل، لذلك خرجت للعمل بالورشة كي أؤمن مصروفي الشخصي، وأساعد أهلي بالمصروف بالأخص أن حالة أبي المادية صعبة، كما أني أعمل ريثما يأتي نصيبي".

أما أم دياب بتجاعيد وجهها، وكفيها الخشنتين اللتين توحيان بأنها في العقد السادس من العمر في حين أشار سكون غرفتها والصور التي تملأ الجدران إلى أن صاحبة المنزل وحيدة، تروي لنا: "لدي سبعة أولاد، كل واحد منهم متزوج وله بيته ومسؤولياته، لذلك لا يأتي من قلبي أن آخذ منهم حتى ولو شيئاً قليلاً، فأجد عمل الورشة جيداً نوعاً ما، أغطي به تكاليف البيت، بعد موت زوجي بمرض منذ أربعة أعوام".

لم يعد ذلك مستغرباً

وعن ذلك النوع من العمالة في تلك المناطق يقول مسعود الصبيح (عضو في المجلس المحلي لقرية كفر سجنة):"ذلك الأمر أصبح اعتياديا نظرا لقساوة الظروف التي خلفتها الحرب، نحن لا نتجاهل الموضوع، وإنما لا نملك جهة داعمة لإيقاف تلك الظاهرة بشكل فعلي، بالأخص أن كل ما نستطيع فعله هو التواصل مع غرف المنظمات لتأمين مشاريع يدوية أو صناعية بسيطة لتوفير فرص عمل لتلك النساء، كما نتواصل مع الجمعيات للتكفل ببعض الأسر مثل منظمة people in need، ومنظمة إحسان، بالإضافة لمنظمة بنفسج".

وأكمل: "كان في السابق لدينا مكتب دعم امرأة، للتأكيد على دور المرأة في بناء المجتمع وتقدمه، ومن أجل تسجيل شكاوى النساء والاهتمام بأمورهن، إلا أنه توقف لمشكلات تتعلق بآلية تشكيل المجلس".

وأضاف:" حصلنا على بعض المشاريع البسيطة، مثل عاملات قطف زيتون لمدة شهر كامل، عن طريق منظمة سداد، خلال وقت قطاف الزيتون، إذ تكفلت المنظمة بقطاف الزيتون للأرامل، حيث كان لكل مستفيدة ٢ دونم، قطاف مع فلاحة وتقليم كذلك بخ للأشجار. وأيضا تدريب للمستفيدات زوجات المعتقلين على تعليب المواد الغذائية والتخليل وصناعة المربيات، من خلاله تم إخضاع المستفيدات لدورة استمرت 4 أشهر، بعدها تم شراء حليب بقري وتم صناعة أجبان ومن ثم بيعها، لتأخذ المستفيدات نسبة ربح شهرية".

إلا أن ذلك لم يكن كفيلا بتوفير مورد مالي للنساء يغنيهن عن تعريض أنفسهن للخطر بالعمل في مناطق القصف المستمر.

في حين أن تلك الظاهرة تقود إلى آثار سلبية نفسية على النساء، حسب الاختصاصي النفسي صافي بخصو، الذي قال لموقع تلفزيون سوريا:"بشكل عام في ظل الحرب تتغير الأدوار الاجتماعية، يعني في الوقت الذي كانت فيه المرأة مسؤولة عن تربية الأطفال وتسيير أمور المنزل سابقا، حاليا أصبحت مسؤولة عن تأمين كل ما تحتاج إليه الأسرة من طعام وشراب ولباس...... إلخ نظرا لغياب المعيل مايعني ازدياد العبء عليها، ويتطلب منها البحث عن عمل بحيث تستطيع توفير ما يلزم".

وأكد البخصو في النهاية أن عمل تلك النساء في مناطق التصعيد العسكري مُحالٌ أن يمرَّ بسلام، بسبب سوء الوضع الراهن، وكل ذلك ينعكس سلبا عليها ويمكن أن يسبب لها آثاراً سلبية، أو بمعنى آخر مشكلات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب بجانب الخوف أو اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، خاصة إذا كان ما تتعرض له هذه المرأة متكرراً أو بدرجة شديدة. وقال:" كون البنية الجسمية والنفسية للمرأة بطبيعتها أضعف من البنية الجسمية والنفسية للرجل، فستكون نسبة التأثر أكبر.