icon
التغطية الحية

نساء يتحدين العادات ويستخدمن الدراجات كبديل للمواصلات في دمشق

2022.01.18 | 07:30 دمشق

image.gif
دمشق - جنى نجار
+A
حجم الخط
-A

"قررت ركوب الدراجة عندما كنت في البكالوريا حيث أسكن في منطقة صعبة المواصلات، كان يستغرق الطريق مني وقتاً طويلاً إلى بيتي، في البداية واجهت كثيرا من الاستغراب فمنطقة سكني شعبية والجميع كان ينظر إليّ باندهاش كيف يمكن لفتاة أن تركب دراجة؟!".

تتحدث سارة لتلفزيون سوريا عن تجربتها باستخدام الدراجة الهوائية كوسيلة للنقل، وردود الفعل التي واجهتها في الفترة الأولى تتابع: " بعد ذلك بدأت باستخدامها كوسيلة نقل إلى مكان عملي وببعض الأحيان نخرج في نزهة أنا وأصدقائي على الدراجة غالباً أتعرض لمضايقات مثلاً السيارات لا تسمح لي بالمرور إذا أردت قطع الشارع وأحياناً يقوم سائقو السيارات بالتضييق علي ومضايقتي بكلامهم، لكن ذلك لم يؤثر علي خاصة أن والدتي دعمتني وشجعتني أن أواجه هذه المعوقات وأستمر في ذلك".

من أحد السلوكات التي كانت محظورة لأسباب مجتمعية هو ركوب الدراجات الهوائية من قبل الفتيات واستخدامها كوسيلة للنقل، في السنوات الأخيرة بدأت هذه الظاهرة بالانتشار بالرغم من استنكار الأوساط الاجتماعية والأهل في معظم الأحيان إلا أن عدداً من الفتيات استطعن كسر الصورة النمطية وخلق حالة جديدة وحضور مختلف لهنَّ في الشارع السوري، نساء يقصدن أماكن عملهنَّ أو جامعاتهنَّ على دراجات هوائية، ليخففن من عبء المواصلات والانتظار.

أسباب مساعدة

غالباً ما تتصف فتيات المجتمع السوري بغياب المبادرة، فالصورة النمطية والنظام الاجتماعي القائم رسخ سلوكات محددة وخطوطاً حمراء يمنع على الفتاة تجاوزها، إلا أن الحرب أحدثت خللاً في النظام الاجتماعي سببه الحاجة الاقتصادية وكثرة المعوقات لتحقيق حياة معيشية مناسبة، من هذه المشكلات قلة المواصلات في سوريا بعد سنوات الحرب، وصعوبة التنقل بسبب الازدحام وغلاء المحروقات و عدم توفرها، ففي الوقت الذي يستغرق فيه ركوب المواصلات ساعة على أقل تقدير يمكن الوصول بربع ساعة على الدراجة الهوائية، ساعد ذلك الفتيات على المبادرة إلى سلوك جديد كركوب الدراجة الهوائية واستخدامها، خاصة أن ذلك يوفر كثيراً من المصاريف على عوائلهنَّ ويساعدهنَّ على استغلال الوقت، إحدى الفتيات في دمشق كانت تركب دراجتها مسرعة إلى عملها بثياب ملطخة بالطلاء توقفت لتتحدث لتلفزيون سوريا عن ذلك: "لا أستطيع أن أنتظر المواصلات، تنتهي حياتي على الطرقات في هذه الحال، أريد أن أعمل وأعود بسرعة، خاصة أني أعمل في ورشة للطلاء".

 

 

لا يتوقف الأمر على الفتيات الأصغر سناً، بل يشمل أيضاً نساءً في عمر متقدم يفكرن باقتناء الدراجات الهوائية و استخدامها للتنقل، وقالت السيدة مريم 58 عاماً لتلفزيون سوريا بأنها تنوي اقتناء دراجة هوائية قائلة: "لا أريد خدمات أصحاب السرافيس والسيارات الخاصة فهم يتحكمون بنا ويتعاملون مع حاجتنا لهم باستغلال، لا مشكلة لدي بركوب دراجة للوصول إلى المكان الذي أرغب الذهاب إليه وذلك سيسهل علي كثيراً عملي حيث أقوم بإعطاء دروس خاصة باللغة الفرنسية أستطيع الوصول لطلابي بسهولة أكبر وتوفير الوقت والجهد".

اللافت في هذا التغيير أن غالبية النساء يشعرن به كإنجاز ونجاح على صعيدهنَّ الشخصي والعام، والنقاشات أو الحملات التي تنتشر عن إمكانية ركوب الدراجة لها مؤيدوها ومقبولة وتحفز النساء لفعل ذلك، المعوقات العامة هي بعض التصرفات التي يقوم بها شبان يرون في ذلك شيئاً جديداً أو سبباً للتسلية ومضايقة النساء، وبالرغم من الاستهجان من قبل الغالبية إلا أنه أصبح أمراً موجوداً وطبيعياً إلى حد ما.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

يمكننا الإقرار بأن استخدام الفتيات للدراجات الهوائية في سوريا هو قفزة مجتمعية مهمة لصالح النساء، سهلت من حصولها كثير من العوامل أحدها وسائل التواصل الاجتماعي وحالة الانفتاح التي خلقتها، فالأفكار تستطيع التأثير وإحداث تغيير بانتشارها على نطاق أوسع، وبانفتاح الفتيات السوريات والمجتمع بشكل عام على ثقافات أخرى، بدأت سلوكات مختلفة تلاقي رواجاً ومحاولات للمحاكاة في مجتمعنا، تتحدث كاترين عن ذلك:

"استخدام الدراجة بالنسبة لي هو ضرورة ضمن هذه الظروف الصعبة اقتصادياً وصعوبة المواصلات، أنا أعمل وأدرس في الجامعة في وقت واحد، وأحتاج للتنقل بين عدة أماكن يومياً، العادات والمعتقدات التي تعارض فكرة ركوب الفتاة لدراجة هي أفكار قديمة ولا تنتمي لجيلنا وحياتنا هذه، نحن بحاجة لإحداث تغيير بمواجهة ذلك وفرض سلوكات جديدة".

تتفق مع كاترين الكثير من الفتيات فالحياة أصبحت مختلفة والواقع يفرض العمل ضمن منظومة جديدة من القيم، يمكننا تجيير هذه الحاجة ضمن الظروف الاقتصادية الحالية لمصلحة المرأة بإحداث تغيير في وضعها مجتمعياً واقتصادياً.

وكانت قد انتشرت سابقاً العديد من الحملات عبر منصة فيس بوك والتي تدعو النساء لاستخدام الدراجات وإرساء ثقافة جديدة للتعامل مع وسائل النقل وفي العام ٢٠١٩ شاركت سبعون فتاة ضمن مدينة دمشق في فعالية لركوب الدراجات في الثامن من آذار وهو اليوم العالمي للمرأة من أجل التشديد على المساواة بين الجنسين وضرورة حصول المرأة على حقوقها.

التلاعب بأسعار الدراجات الهوائية في دمشق 

تبقى نسبة الفتيات اللواتي يقدن دراجات هوائية قليلة مقارنة بعدد الشبان، واستخدامها عموماً أقل مقارنة بالدراجات الكهربائية والنارية، إلا أن ذلك لم يمنع بائعي هذه الدراجات من التلاعب بأسعارها مع كل حملة تظهر لاعتمادها كوسيلة نقل، تتراوح أسعارها كحد أدنى بدءاً من مئتي ألف ليرة سورية وترتفع حسب نوعها وجودتها، قبل الحرب كانت هذه الدراجات ذاتها تباع ما بين الألفي ليرة للخمسة عشر ألف ليرة، ما زالت رغم ذلك ضمن الحد المعقول إذا ما قورنت بكلفة المواصلات التي يحتاجها المواطن شهرياً في سوريا، خاصة مع قلة عدد السرافيس وباصات النقل الداخلي، وتحكم أصحاب سيارات الأجرة بالأسعار واستغلال حاجة المواطنين للتنقل.

في الوقت ذاته لدى بعض الفتيات محاولات لركوب الدراجات النارية، خجولة بعض الشيء إلا أنها موجودة، ليلى فتاة تبلغ من العمر عشرين عاماً تستخدم الدراجة النارية الخاصة بأخيها في بعض الأحيان ولها نظرتها الخاصة في ذلك تقول:

"من أكثر الأشياء متعة في حياتي هي اللحظات التي أستطيع فيها قيادة الدراجة النارية، يعطيني ذلك ثقةً كبيرةً بنفسي وإحساساً بالإنجاز، تشعرني بشيء من القوة والثبات وأشعر بالتميز لأنني في عمر صغير استطعت تحقيق ذلك، أرى الصدمة في عيون من حولي عند رؤيتي وحلمي أن أقتني واحدة خاصة بي".

محاولات جديدة ومحفزة تخطوها فتيات المجتمع السوري تعزز من حضورهنَّ وتحقيقهنَّ لذواتهنَّ ككيانات حرة ومساوية للرجل، مهما كانت الأسباب لا بد أن تنتج عن ذلك مفاهيم جديدة وبنية مجتمعية أكثر توازناً وانفتاحاً، ومن المفيد جداً دعم مثل هذه المبادرات وتشجيعها لتصبح حالة طبيعية ومقبولة في الشارع السوري.