icon
التغطية الحية

نساء داعش.. رحلة التهريب من الهول إلى "دولة البادية" (تحقيق)

2020.12.06 | 04:25 دمشق

https_cdn.cnn_.com_cnnnext_dam_assets_190208151746-06-candian-woman-joned-caliphate-dscf4753.jpeg
تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

يكشف موقع تلفزيون سوريا في هذا التحقيق الأول من نوعه، عن رحلة نساء من مخيم الهول إلى عمق البادية السورية حيث يوجد عناصر تنظيم الدولة، الذين كثّفوا مؤخراً من نشاطهم فيما وصفه مراقبون عسكريون بـ "النهضة الجديدة" للتنظيم.

رحلة نساء التنظيم تتم عبر شبكة من المهربين والمتعاونين والمرتشين من حرس المخيم وعناصر وقياديين من قسد والجيش الوطني وقوات النظام.

وبعيداً عن كشف تفاصيل الرحلة الطويلة، يحتوي هذا التحقيق على مؤشر خطير لما يمكن اعتباره "إنشاء دولة جديدة" للتنظيم، وأن سيطرتهم المشتركة مع النظام على الصحراء السورية، باتت أفضل حالاً وتسمح لعائلاتهم بالعيش معهم.

التنسيق والتجهيز ومعايير الانتقاء

في بداية العملية يجري التنسيق بين نساء التنظيم فيما بينهن داخل مخيم الهول للاتفاق على اللواتي سوف يتم إيصالهن إلى البادية السورية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، والأولوية لمن كانت تحظى بأهمية أكبر في التنظيم خلال سيطرته على المنطقة.

وأسست نساء التنظيم مجموعة مصغرة داخل مخيم الهول بريف الحسكة الخاضع لسيطرة قوات قسد، لإدارة واختيار النساء وفق المعايير الآتية: أولاً "المهاجرات غير السوريات"، لأنهن يرغبن بتفجير أنفسهن، ومن ثم مكانة المرأة في التنظيم، والمعيار الثالث هو العمر وتاريخ الالتحاق بالتنظيم.

 

wewe.jpg

وفي هذا الصدد كشفت "شيرين احمي، الإدارية بقسم التحقيق بقوات الأسايش في بلدة الهول، لموقع تلفزيون سوريا، عن نتائج التحقيق مع امرأة عراقية الجنسية تدعى "أم غفران" بتاريخ الثالث من تشرين الأول الماضي، إذ اعترفت بوجود تلك المجموعات في جميع أقسام مخيم الهول، ويتم تغييرهن بين الحين والآخر لضمان عدم كشفهن من قبل قسد، وتعمل هذه المجموعات على أرشفة أسماء النسوة اللاتي يتم إخراجهن من المخيم على أوراق يتم دفنها تحت التراب في غالبية الأحيان.

وأشارت "شيرين احمي" إلى محاولة قوات الأسايش مراقبة سلوك النساء في المخيم وجرت عدة مرات عمليات تفتيش للخيم داخل الحيز الخامس في المخيم للكشف عن تلك المجموعات ورغم التحقيق المستمر مع النساء، فإنها باءت بالفشل الذريع ولم يتم الكشف عنها.

 

خارج أسوار الهول

يتم في المرحلة الأولى تهريب النساء من مخيم الهول إلى خارج أسوار المخيم عبر مهربين غالبيتهم من أبناء منطقة ريف الحسكة وذلك عبر صهاريج المياه التي تدخل إلى المخيم وكذلك عبر سيارات الإسعاف في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تتم عملية التهريب من خلال شراء إداريين في المخيم وتهريب النساء بواسطة سيارات عسكرية لقسد.

وتواصل فريقنا الصحفي خلال إعداد هذا التحقيق مع "خالد الجليل" وهو اسم حركي لأحد أهالي وسكان بلدة الهول والذي كان يعمل سابقاً على صهريج مياه داخل مخيم الهول وأكد أنه هو وشقيقه قاموا خلال الفترة الممتدة من 11-9-2019 حتى 5-3-2020 بتهريب 70 امرأة من المخيم، عراقيات وسوريات الجنسية، بينهن 14 امرأة تونسية الجنسية، إلى خارج أسوار المخيم.

 

481805Image1.jpg

 

وتقتصر مهمة "الجليل" وغيره من المهربين على إخراج النساء من المخيم ومن ثم تسليمهن لمهرب آخر يقيم على أطراف بلدة الشدادي بريف الحسكة ويعمل في رعي الأغنام ويمتلك قطيعاً من المواشي، ويتنقل بين بلدات وقرى الحسكة، يقيم مؤقتا في كل منطقة بين الـ 20 يوماً والشهر.

وألقى حراس المخيم القبض على "الجليل" وشقيقه متلبسين، أثناء عملية تهريب 4 نساء عراقيات الجنسية بتاريخ الخامس من آذار الماضي، ليتم سجنهما 7 أشهر في سجن غويران بمدينة الحسكة، وأفرج عنهما بوساطة عشائرية وغرامة قدرها 20 ألف دولار أميركي.

ثوب بدوي ومسدس مع كاتم وجهاز ثريا.. من أين يتم الحصول عليها؟

خلال الإقامة المؤقتة لدى راعي الأغنام ومدتها شهر كحد أقصى، يتم تجهيز مستلزمات النساء من ألبسة جديدة تمثل الزي الخاص بالمنطقة وهي عباءة أو "فستان بدوي"، بالإضافة إلى سلاح فردي مزود بكاتم للصوت، وهاتف محمول فضائي من نوع "ثريا".

ولا تمثل عملية الحصول على السلاح الفردي وجهاز الاتصال الفضائي عملية صعبة جداً لراعي الأغنام، فهو يشتري السلاح والكاتم من عناصر من قسد والهواتف الفضائية يتم جلبها وتهريبها من منطقة عمليات نبع السلام شمالي الحسكة، وذلك بحسب ما نقله فريقنا عن "الجليل".

 

unnamed_1.jpg

 

ويبلغ سعر جهاز الاتصال الواحد 3500 دولار أميركي، بينما يتم بيع المسدس ومعه كاتم صوت وعشر رصاصات بسعر 5000 دولار أميركي.

وخلال فترة الشهر، يؤمّن الراعي أيضاً بطاقات هوية سورية مزورة بنفوس وإقامة تدل على أنهن من مدينة الحسكة أو دير الزور أو الرقة، لكن هذه المهمة غير مكلفة وتتم بمبلغ 150 دولارا للبطاقة الواحدة.

المهرب لا يحصل على المستلزمات المادية فقط، فهو يشتري المعلومات الاستخبارية التي تحذّره من إمكانية أن تشن "قسد" مداهمة للبلدة أو نشر حواجز طيارة في محيط المنطقة، ما يترك المهرب والنساء في هامش من الأمان ويتيح لهم الفرصة والوقت لتغيير مكان الإقامة، وهذا ما حصل في عدد من المرات.

الوصول إلى ضفاف الفرات

بعد تأمين كل المستلزمات تبدأ المرحلة الثانية التي يتم فيها التنسيق مع قياديين أو عناصر من قسد، لديهم القدرة على المرور من الحواجز دون التعرض للتفتيش، وذلك لنقل النساء من ريف الحسكة إلى ضفاف نهر الفرات.

وأكد إداري من مجلس الحسكة العسكري التابع لقوات قسد "جودي كوباني" لموقع تلفزيون سوريا، أن قواتهم ضبطت إدارياً في أمن الحواجز التابع لقوات الأسايش كان يعمل كـ "مرافق" للسيارات التي تضم نساء تنظيم الدولة على طريق الحسكة - دير الزور بتاريخ 23-1-2020.

وخلال التحقيق معه تبين أنه يقوم بتأمين النساء للوصول إلى ريف دير الزور على مقربة من نهر الفرات مقابل مبلغ مالي قدره 2500 دولار أميركي على المرأة الواحدة.

وأكد القيادي "جودي كوباني" أنه جرى إنشاء مركز تنسيق بين مجلس الحسكة العسكري وقوات الأسايش في الحسكة من جهة، ومجلس دير الزور العسكري وقوات الأسايش في دير الزور من جهة أخرى، بهدف تبادل المعلومات والأسماء المطلوبة والتنسيق للحواجز الطيارة على الطرق الواصلة بين دير الزور والحسكة.

من ضفة قسد إلى ضفة النظام

بعد وصول النساء إلى ريف دير الزور الشرقي، بهدف العبور نحو مناطق سيطرة قوات النظام على الضفة الأخرى من نهر الفرات الذي يفصل بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة قوات النظام.

وأثناء انتظارهن في منازل متطرفة عن بلدات ريف دير الزور الشرقي، تجري النساء اتصالات مع عناصر من التنظيم، موجودين في البادية السورية الخاضعة لسيطرة قوات النظام، للتنسيق معهم وإعطائهن خطة سيرهن وتزويدهن بالمعلومات الكاملة عن الرحلة.

توصل فريقنا الصحفي لـ "أبو أمجد الشعيطي" الذي يعمل في تهريب المحروقات والبشر بين مناطق سيطرة قسد ومناطق سيطرة النظام عبر مياه نهر الفرات بريف دير الزور الشرقي، والذي أكد أن النساء ينتظرن لديه مدة 3-5 أيام لتأمين معبر مائي لخروجهن للضفة الأخرى وتسليمهن لمهرب آخر ينتظرهن هناك.

 

Tabqa-dam-Raqqa.jpg

 

وقال "أبو أمجد" إن تهريب النساء يتم خلال ساعات الليل وبعيداً عن المعابر المائية المتعارف عليها لدى سكان المنطقة، وذلك بقوارب صغيرة يستأجرها من صيادي الأسماك بمبلغ 25 ألف ليرة سورية لليوم الواحد.

ورفض "أبو أمجد" الحديث عن المبلغ المالي الذي يتقاضاه مقابل عملية التهريب التي يقوم بها، بينما أكد أنه يقوم بـ 3 عمليات تهريب في الشهر الواحد.

عبر سيارات الضباط

تعد هذه المرحلة هي الأسهل على نساء التنظيم نتيجة دفع المهرب رشاوى لحواجز قوات النظام المنتشرة في المنطقة، وفي بعض الأحيان يقوم المهرب بشراء الطريق "جميع الحواجز" عبر دفع مبلغ مالي لضباط في قوات النظام في المنطقة.

وأوضح مهرب من منطقة التبني الخاضعة لسيطرة قوات النظام بريف دير الزور الغربي ويدعى "محمود الخلف" وهو اسم حركي، لموقع تلفزيون سوريا، أنه ينتظر وصول النساء قرب ضفاف نهر الفرات ويجهّز سيارات زراعية لنقلهن.

ويكون المهرب قد رتّب كل ما يلزم مع ضباط النظام، ودفع مبالغ مالية لقياديين في الدفاع الوطني والفيلق الخامس المنتشرين في المنطقة تتراوح بين 50 إلى 150 ألف ليرة سورية، لضمان عدم تعرضهم للتفتيش والتدقيق وتسهيل عبورهم إلى ما بعد بلدة التبني في ريف دير الزور الغربي.

العودة لحضن تنظيم الدولة

في محيط بلدة التبني بريف دير الزور الغربي أو محيط بلدة معدان عتيق في ريف الرقة الشرقي، تتصل النساء الواصلات مع خلايا التنظيم الموجودين في البادية السورية بشكل عام وبادية حمص في الريف الشرقي بشكل خاص، ويتم إرسال الإحداثيات التي سيتم فيها اللقاء.

بعد ذلك تنطلق النساء مع ضباط وقياديين من قوات النظام والدفاع الوطني، بسياراتهم إلى عمق البادية. هؤلاء الضباط هم أنفسهم الذين يهربون السلاح والذخائر إلى خلايا التنظيم.

ينقل ضباط النظام بسياراتهم، كل امرأتين أو كل امرأة على حدة، كي لا ينتبه أحد إليهم، لكن في بعض الأحيان يقل هؤلاء الضباط والقياديين كل 6 أو 7 نساء دفعة واحدة.

 

59414493c4adee1d008b5f17.jpeg

 

ويتلقى ضباط النظام مبالغ طائلة تصل إلى 5000 دولار على كل امرأة يتم إيصالها إلى عناصر تنظيم الدولة في عمق البادية السورية.

وكشف عنصر في ميليشيا الدفاع الوطني في القسم الجنوبي من منطقة معدان عتيق الخاضعة لسيطرة قوات النظام في ريف الرقة الشرقي، لموقع تلفزيون سوريا، أن مفرزة أمن الدولة دهمت مقرهم جنوبي مدينة معدان بتاريخ 4-11-2020 واعتقلت "خضور الحسن" وهو قيادي في مجموعة "أبو علا الحموي" العاملة ضمن الدفاع الوطني، وذلك بعد مراقبته وإثبات تورطه في تهريب نساء التنظيم إلى البادية باعتراف من مهرب كان يعمل لديه وألقت مخابرات النظام القبض عليه.