ندم أردني من التطبيع مع الأسد

2023.01.13 | 06:00 دمشق

ندم أردني من التطبيع مع الأسد
+A
حجم الخط
-A

قبل سنة من اليوم، كانَ الأردن في طليعة المُتحمّسين للتطبيع مع النّظام السّوريّ. يومذاك اعتقد الأردنيّون أنّهم يستطيعون عبر "الحوار" تبديد المخاوف التي باتت تُحاصر حدودهم مع سوريا. أسهمَت عمّان في تسويق التطبيعِ مع النّظام، حتّى انقلبَت الأمور رأساً على عقب في عامٍ ونصف.

لم يحتج الأمر سوى تجربة لأشهر قليلة، حتّى اكتشفَ الأردنيّون العكس. اختلفَ الوضع في عَمّان، ولم تكن التّجربة ناجحة على الإطلاق.

اكتشفَ الأردنيّون أنّ حدودهم مع درعا والسّويداء باتت مليئةً بالألغام التي لا يُمكن تجاوزها بسهولة. اعتقدَ المسؤولون في عمّان أنّ تطبيع العلاقات مع النّظام سيُبدّد القلق من الوجود الإيرانيّ في الجنوب السّوريّ. مع مرور الأيّام، زادَ هذا الوجود، وصارَ أكثر من اللحظة التي اتخذّ الأردن قراره في تطبيع العلاقة مع النّظام.

يُضاف إلى تعزيز الوجود الإيرانيّ في الجنوب السّوريّ، العمق الحيويّ للأمن القوميّ الأردنيّ، أنّه صارَ مُنطلقاً لعمليّات تهريب المُخدّرات والسّلاح والذّخائر وحتّى البشر بشكلٍ يوميّ.

لم يجد المسؤولون في عمّان آذاناً مصغيةً في دِمَشق. حزَمَ العاهل الأردنيّ عبد الله الثّانيّ أمره وطارَ إلى العاصمة الإماراتيّة، أبو ظبي.

طلبَ عاهل الأردن ألا يكونَ أيّ تطبيع عربيّ أو أيّ تطبيع آخر ترعاه الإمارات مع النّظام السّوريّ مجانيّاً

التقى برئيس الدّولة محمّد بن زايد، وكان همّه الوحيد ما يجري على حدوده الشّماليّة المُمتدّة على طول 375 كلم. طلبَ عبد الله الثّاني من الرّئيس الإماراتيّ أن تُعدّ الدّول العربيّة ورقة موحّدة بلائحة شروطٍ مُقابل التطبيع مع نظام الأسد. بكلام آخر، طلبَ عاهل الأردن ألا يكونَ أيّ تطبيع عربيّ أو أيّ تطبيع آخر ترعاه الإمارات مع النّظام السّوريّ مجانيّاً.

انبثَقت فكرة هذه الورقة بعد تقويم الجهات الأردنيّة المُختصّة لنتائج التّطبيع مع النّظام السّوريّ، فكانت النّتيجة سلبيّة، بلا ريب.

أكثر ما يُقلق الملك الأردنيّ أن تستغلّ إيران الوضع الدّاخليّ في بلاده، وتُزعزع استقرار نظامه. إذ تُحاصر إيران الأردن من جهتين، العراق في الشّمال الشّرقيّ، وسوريا شمالاً.

تتلخّصُ الورقة التي يسعى عبد الله الثّاني لتسويقها عربيّاً كالآتي:

- أن يُقدّم النّظام السّوريّ تنازلات جيوسياسيّة في جنوب سوريا، وأن تبتعد الميليشيات المدعومة من إيران عن الحدود مع الأردن 100 كلم.

- أن يُغيّرَ النّظام السّوريّ "طبيعة" العلاقة مع إيران، وأن يحدّ من نفوذها.

- أن يوقِف النّظام السّوريّ كلّ عمليّات تصنيع وتهريب وتصدير المُخدّرات وخصوصاً الكبتاغون، التي تُحاول اختراق الحدود الأردنيّة عبر محافظتيْ درعا والسّويداء بشكلٍ شبه يوميّ.

- وقف عمليّات تهريب السّلاح والذّخيرة إلى داخل أو عبر الأردن.

لا يتوجّسُ هاشميّو الأردن من إيران وميليشياتها فحسب. إذ هُناك خشية من "عودة تنظيم داعش" في حال تردّت الأوضاع الأمنيّة في مناطق سيطرة النّظام، مع الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة التي تعصفُ بمناطق سيطرته في دمشق وجنوب سوريا والسّاحل السّوريّ.

عامٌ ونصف من تطبيع العلاقات، كانت كافية تماماً لنقل تجربة عَمّان التي وجَدت ألا جدوى سيّاسية ولا أمنيّة ولا اقتصاديّة من التطبيع مع الأسد. فقد كانت الأشهر الـ 16 من تطبيع العلاقات حافلة في الاشتباكات بين حرس الحدود الأردنيّ وميليشيات إيران التي ترعى عمليّات التهريب على الحدود.

استنزفت إيران ما استطاعت قوى الحدود الأردنيّة، وفتحَت آفاقاً عابرة للحدود، من دون أن تُقدّم تنازلاً واحداً. صارَ اليوم قلق عبد الله الثّاني مُضاعفاً، خصوصاً إذا أقدمت دولٌ عربيّة أخرى على تطبيع العلاقة مع النّظام السّوريّ بشكلٍ مُنفرد، ما سيجعل موقفه التّفاوضيّ لحماية أمن بلاده القوميّ أصعبَ وأدقّ.

قرعَ جرس الإنذار بعد أن عايشَ استحالة إمكانيّة فصل التّوءمين إيران والنّظام السّوري مُقابل عروضِ تبادل السّفارات ومنح النّظام السّوريّ "شرعيّة" فقدها منذ 2011.

إيران لن تُسلّم الورقة السّوريّة التي تمسكها بيمينها وشمالها أبداً. يؤكّد هذا كلّ ما فعلته وتفعله طهران في سبيل تثبيت وجودها على امتداد الجغرافيا السّوريّة

يُدركُ الأردنيّون أن الشّروط التي يطلبونها قد يُطلَق عليها صفة "ضرب من ضروب المُستحيل". إذ إنّ الأسئلة الكُبرى تكمنُ هُنا: هل يستطيع نظام الأسد، في حال قرّرَ وهذا مُستبعد، إعادة صياغة علاقته مع إيران بهذه البساطة؟ وهل ستقبل إيران بالتّنازل عن نفوذها في سوريا بعد المعركة التي قادتها ضدّ السّوريين بمُستشاريها وميليشياتها وعناصر الحرس الثّوريّ منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثّورة السّوريّة؟

الواقع يقول إنّ إيران لن تُسلّم الورقة السّوريّة التي تمسكها بيمينها وشمالها أبداً. يؤكّد هذا كلّ ما فعلته وتفعله طهران في سبيل تثبيت وجودها على امتداد الجغرافيا السّوريّة، ولعلّ تهجير السّوريين من مدنهم وبلداتهم وقراهم واستقدام "سُكّانٍ جُدد"، هو أبلغُ تعبير عن كيف ينظر النّظام الإيرانيّ إلى الورقة السّوريّة.

زِد على ذلك القواعد العسكريّة التي أنشأتها إيران في البوكمال والكسوة وحلب والقلمون والقصير. هذه القواعد أنشأتها إيران كنقاطٍ مُتقدّمة لها في المنطقة، وهي في صلبِ مشروعها التّوسّعيّ المُمتدّ من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق وصنعاء.

لن يكون الرّهان على سلخِ إيران عن الأسد، أو الأسد عن إيران أمراً في غاية السّهولة، بل لن يكونَ من الواقع أساساً. قدّمَ الأردن تجربته المريرة، لعلّه يكون دليلاً وعبرةً لغيره.