icon
التغطية الحية

نحو نصف مليون ليرة سنوياً.. الطلاب السوريون ضحايا الأقساط الجامعية في تركيا

2025.09.29 | 06:25 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2025 | 06:30 دمشق

الدراسة في الجامعات التركية.. أهم ما يجب معرفته عن التعليم العالي في تركيا
جامعة إسطنبول الحكومية غربي تركيا
تلفزيون سوريا - سيما مشنطط
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تحديات مالية متزايدة: فرضت الجامعات التركية أقساطاً دراسية على الطلاب السوريين منذ 2021، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل كبير، حيث وصلت أقساط الطب إلى نصف مليون ليرة تركية سنوياً في 2025، مما جعل التعليم الجامعي بعيد المنال للعديد منهم.

- قصص معاناة الطلاب: يواجه الطلاب السوريون تحديات مالية كبيرة، مثل عصام الذي ترك دراسته وليلى التي عملت كسائقة لتغطية التكاليف، مما يعكس واقعاً صعباً يدفعهم للعمل أو التخلي عن التعليم.

- جهود الدعم والمبادرات: رغم وجود منح دولية، يبقى الدعم المالي محدوداً. ينظم اتحاد طلاب سوريا مبادرات لجمع التبرعات، لكن الجهود جزئية، ويواصل الطلاب التفوق رغم الصعوبات.

بدأت الجامعات التركية، مع مطلع العام الدراسي 2021، بفرض أقساط دراسية على الطلاب السوريين بعدما كانوا يُعاملون سابقاً معاملة الطالب التركي، وهو ما شكّل حينها نقطة تحوّل في مسار تعليم عشرات الآلاف منهم.

ومنذ ذلك العام أخذت الأقساط بالارتفاع تدريجياً حتى بلغت مستويات غير مسبوقة، عام 2025، إذ تقترب في تخصّص الطب من حدود نصف مليون ليرة تركية للسنة الدراسية الواحدة، في حين تترواح في غيره من التخصّصات بين 90 و150 ألف ليرة تركية.

هذا التصاعد الكبير جعل من التعليم الجامعي حلماً بعيد المنال لمعظم الطلاب السوريين، الذين وجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مرّ: الانسحاب من مقاعد الدراسة أو الغرق في ديون لا قدرة لهم على سدادها.

عصام - شاب سوري التحق بجامعة مرسين لدراسة البرمجة في العام الدراسي 2022/2023- يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "بدأت العمل منذ سن التاسعة لإعالة عائلتي وإخوتي بعد اعتقال والدي في سجون النظام السوري، وكنت المعيل الوحيد لهم لسنوات طويلة".

ويضيف: "السنوات الماضية لم تكن سهلة على الإطلاق، إذ أضطر للعمل ساعات طويلة يومياً، أحياناً حتى الليل، لتأمين احتياجات أسرتي الأساسية" قبل أن يتمكن من تحقيق حلمه بالدراسة الجامعية.

ويتابع: "كنت أرى في التعليم نافذة للخروج من الواقع القاسي الذي عشناه، وكان طموحي تطوير مهاراتي في البرمجة لأؤمّن مستقبلاً أفضل لي ولعائلتي، لكن مع ارتفاع الأقساط من 65 ألف ليرة إلى 94 ألفاً في سنتي الثانية، وجدت نفسي عاجزاً عن الاستمرار، واضطررت في النهاية إلى ترك مقاعد الدراسة".

يؤكّد عصام أنّ القرار كان مؤلماً للغاية، لأنّه لم يكن مجرّد توقّف عن الدراسة، بل فقدان فرصة لتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي بعد سنوات من المعاناة، مشيراً إلى أن كثيراً من زملائه يواجهون ظروفاً مشابهة، ما يجعل أزمة الأقساط الجامعية قضية تهدد مستقبل جيل كامل من الطلاب السوريين في تركيا.

"حصار مالي"

في العام الدراسي 2020-2021 بلغ عدد الطلاب السوريين المسجّلين في السنة الأولى (المستجدين) بمختلف الجامعات الحكومية نحو 10200 طالب، لكن في العام الدراسي التالي تراجع العدد إلى قرابة 5610 طلاب فقط، وفي العام الدراسي الفائت 2023-2024، انخفض أكثر ليصل إلى نحو 5200 طالب.

تشير دراسة أعدها اتحاد طلاب سوريا إلى أن 70% من الطلاب السوريين في مختلف السنوات الجامعية يجدون صعوبة بالغة في إتمام دراستهم بسبب الأقساط وزياداتها السنوية المرتفعة، ما يدفعهم إلى العمل في مهن مختلفة لتأمين تكاليف تلك الأقساط أو جزء منها، أمّا 30% المتبقية فقد عجزوا تماماً عن تغطية تلك التكاليف، ما اضطرهم إلى ترك مقاعدهم الدراسية.

وبالنظر إلى تطور الأقساط، فقد كان قسط الطب في جامعة مرسين للسنة الجامعية 2021 نحو 50 ألف ليرة تركية، ليصل في عام 2025 إلى نحو 500 ألف ليرة، أي قرابة عشرة أضعاف، أمّا قسط الهندسة فارتفع من نحو 8 آلاف ليرة عام 2021، إلى 180 ألف ليرة في 2025.

وقد انعكست الآية، إذ أصبحت أقساط الجامعات الحكومية أعلى من نظيراتها الخاصة بأضعاف، ما جعل حلم الدراسة بعيد المنال لعائلات لا تملك سوى الحد الأدنى من الدخل اليومي.

واضطر آلاف الطلاب للعمل لساعات طويلة، أو للتخلّي عن حلمهم الجامعي بالكامل، وما هذه الأرقام إلا انعكاس لواقع يومي يعيشه الطلاب السوريون في تركيا، حيث تعني كل زيادة في القسط صراعاً جديداً للبقاء على مقاعد الدراسة.

هذه الزيادات الكبيرة في الأقساط لم تؤثر فقط على الطلاب الجدد، بل شملت أيضاً مَن كانوا مستمرين في الدراسة، مثل ليلى، الطالبة في معهد إدارة الأعمال بجامعة مرسين للعام الدراسي 2022/2023.

تقول ليلى لـ موقع تلفزيون سوريا، إنّها أنهت عامين دراسيين لكنها لم تتمكن من اجتياز جميع المواد، وفي البداية كان وضع أسرتها مستقراً، حيث تكفّل والدها بدفع الأقساط التي تراوحت بين 5 آلاف و22 ألفاً و500 ليرة تركية.

وتضيف أنّ الرسوم ارتفعت مع مرور الوقت لتصل إلى 46 ألفاً و800 ليرة، ما جعل الاستمرار عبئاً ثقيلاً عليها، حيث حاولت مواجهة هذه التكاليف بالعمل كسائقة سيارة أجرة طوال عام كامل لتأمين المبلغ المطلوب، إلا أن الظروف أجبرتها على إنفاق ما جمعته في احتياجات معيشية أخرى، مردفةً: "اليوم أجد نفسي أمام آخر فرصة قبل أن يُشطب قيدي من الجامعة نهائياً".

كيف يواجه الطلاب السوريون نقص الدعم المالي؟

إلى جانب جهود الحكومة التركية لدعم الطلاب السوريين، توجد برامج منح ومساعدات دولية تهدف إلى تخفيف العبء المالي عنهم، من أبرزها: برنامج المنح الدراسية التابع للاتحاد الأوروبي، الذي يوفر دعماً مالياً لطلاب البكالوريوس والماجستير والدكتوراه السوريين في تركيا، حيث تصل قيمة المنحة إلى 360 يورو سنوياً لطلاب البكالوريوس و540 يورو لطلاب الماجستير والدكتوراه.

وعلى الرغم من أن هذه المنحة توفر دعماً مالياً، فإنها تغطي جزءاً يسيراً فقط من تكاليف الدراسة، ولا تكفي لمواجهة الأقساط السنوية الباهظة في بعض الجامعات التركية، التي قد تصل إلى نحو 500 ألف ليرة تركية للطب أو 150 ألفاً للهندسة.

ومن هذا المنطلق، يرى كثيرون أن على الاتحاد الأوروبي، الذي يُفترض أن يكون داعماً للاجئين، رفع قيمة منحته لتتناسب مع واقع الأقساط المتصاعدة، بحيث تصبح المساعدة فعلياً وسيلة لاستمرار الطلاب في التعليم بدلاً من أن تبقى محدودة الأثر.

وبالإضافة إلى المنح الرسمية، ينظّم اتحاد طلاب سوريا في بعض الجامعات مبادرات يسيرة تحت مسمى "نداء استغاثة"، تهدف إلى جمع مبالغ تُسهم في تغطية قسط الجامعة لبعض الطلاب من بين مئات المحتاجين، وفق الإمكانيات المتاحة لكل جامعة.

وتعتمد هذه المبادرات على التبرعات والقدرة التمويلية للاتحاد، بهدف تقديم دعم عاجل للطلاب الأكثر حاجة، مما يخفف جزءاً من العبء المالي ويتيح لهم مواصلة الدراسة.

تأتي كل هذه الجهود في إطار محاولات لدعم الطلاب السوريين في تركيا، غير أن هذه المساعدات تبقى جزئية مقارنة بحجم الارتفاع المستمر في الأقساط، ما يجعل الاعتماد عليها محدوداً في مواجهة الأزمة المالية الشاملة.

تحكي نور، التي أنهت دراستها الثانوية عام 2023 وتحلم بدراسة الطب البشري، عن معاناتها مع ارتفاع الأقساط الجامعية قائلة: "ارتفاع الأقساط حال دون التحاقي في السنة الأولى، ثم تكفّل أحد الأشخاص بتسديد الرسوم التي بدأت بـ300 ألف ليرة وارتفعت لاحقاً إلى 390 ألفاً، لكن بعد مغادرته تركيا عقب تحرير سوريا، اضطر إلى الاعتذار عن متابعة السداد، لأجد نفسي اليوم خارج الجامعة".

وتضيف أنّها، رغم ذلك، لن تتخلى عن حلمها، وأنها تخطط لمحاولة متابعة تعليمها في سوريا خلال الفترة المقبلة، حيث قد تكون التكاليف والمعيشة أكثر قابلية للتحمّل.

تعكس قصة نور واقع آلاف الطلاب السوريين، في حين تبقى المنح والمبادرات الحالية دعماً جزئياً لا يكفي لضمان استمرارهم في التعليم الجامعي.

"التفوّق السوري"

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الطلاب السوريون في الجامعات التركية، من ارتفاع أقساط الدراسة إلى غلاء المعيشة، لم يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي، بل سلكوا مسارات متعدّدة لمواجهة الصعوبات ومحاولة استكمال تعليمهم الجامعي.

فقد أوقف بعضهم دراستهم لسنة أو سنتين للعمل وتأمين الأقساط، في حين اضطر آخرون إلى ترك الجامعة نهائياً بسبب الضغوط المالية، وفي حين اختار كثيرون التخصّصات الأقل كلفة بدلاً من التخصّص الذي يحلمون بالإبداع فيه.

ولجأ بعض الطلاب إلى الالتحاق بجامعات خاصة أصبحت في أحيان كثيرة أقل كلفة من الجامعات الحكومية، في حين أجّل آخرون دراستهم بالكامل على أمل أن تتحسن أوضاعهم المادية مستقبلاً، هذا الواقع وضعهم أمام صراع دائم بين حلمهم الأكاديمي وواقعهم الاقتصادي الصعب، وهو تحدٍ يختبر إرادتهم وتصميمهم على النجاح رغم كل العقبات.

وحول هذه التحديات، أوضح محمد نجار، أحد مؤسسي منصة "يوس بوك" التعليمية، أن "ارتفاع الأقساط لم يقتصر على الطلاب السوريين فحسب، بل شمل جميع الطلاب الأجانب، مع تفاوت كبير في الرسوم بين جامعة وأخرى، هذا الواقع دفع كثيرين إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن اختيار التخصّص والجامعة، وأثّر مباشرة في خططهم الأكاديمية وحلمهم بالتفوق".

وأضاف نجار لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ من الحلول الممكنة تخفيف الأقساط أو إلغاؤها بالكامل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي مرّت بها سوريا، مشيراً إلى أنّ بعض الجامعات أعفت الطلاب الفلسطينيين القادمين من غزة، ما يثبت أن المؤسسات الأكاديمية قادرة على اتخاذ إجراءات استثنائية لدعم الفئات الأكثر حاجة، وهو ما يمكن أن يشكّل نموذجاً لتخفيف العبء عن الطلاب السوريين.

ورغم هذه التحديات، يواصل الطلاب السوريون إثبات قدرتهم على التفوق والنجاح الأكاديمي؛ إذ حصل كثيرون منهم على المراتب الأولى في تخصّصاتهم خلال السنوات الماضية، وشاركوا في مشاريع علمية وأبحاث أكاديمية، مؤكدين أن عزيمتهم وإصرارهم على التعلّم لا يتأثران بالقيود المالية. ويُعدّ هذا التفوق شهادة حية على قدرتهم على التكيّف وتجاوز الصعوبات، ويعكس إرادتهم في تحقيق أحلامهم مهما كانت الظروف.

يبقى السؤال الكبير: هل سيُقدَّم الدعم للطلاب السوريين بما يتناسب مع حجم التحديات التي يواجهونها، أم سيظل التفوق ثمرة جهود فردية محدودة؟