نحو مشاركة السوريين في العمل السياسي بتركيا

2022.01.23 | 05:10 دمشق

2540448810.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يعد السوريون في تركيا مجرد رقم يصل إلى نحو 4 ملايين فحسب، بل نتحدث عن مجتمع متكامل الأطراف بما فيه من أطفال وبالغين ومسنّين وطلاب وموظفين ومتخصصين وخبراء وعمال، ولأنهم في بلد مختلف عنهم في اللغة وكذلك في العادات والقوانين إلى حد كبير، فإن هذا المجتمع الوليد في دار الغربة والهجرة من الطبيعي أن يواجه مختلف الصعوبات لا سيما مع غياب دور الاندماج مع المجتمع المضيف.

ولا يعني الاندماج هنا أن يتخلى اللاجئ/المهاجر/المقيم عن كل شيء أو يتنازل عن كل شيء، بل أن يكون على قدر جيد من فهم المجتمع المضيف واحترام عاداته وقوانينه، ومواجهته من خلال القضاء والطرق المشروعة في حال حدوث خلاف ما، كما أن الاندماج يتطلب من المجتمع المضيف في المقابل التعامل مع اللاجئ/المهاجر/المقيم ضمن الإطار القانوني والإنساني، وأن لا يمارس ضده أي نوع من أنواع العنصرية والتمييز.

مع كل حادثة من هذه الحوادث التي اعتدنا على سماعها من حين لآخر، نشعر أننا بحاجة أكبر لحل يوقف هذه العبثية والاعتداءات الجماعية

هذا الكلام النظري لا يبدو سهلًا على الإطلاق حين محاولة اختباره على أرض الواقع، فالصورة ليست وردية أبدًا، على العكس؛ تبدو مضطربة لا تدعو إلى التفاؤل، خاصة في الآونة الأخيرة حيث كثرت الاعتداءات الفردية والجماعية وطالت منازل ومحال سوريين في إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن التركية.

ومع كل حادثة من هذه الحوادث التي اعتدنا على سماعها من حين لآخر، نشعر أننا بحاجة أكبر لحل يوقف هذه العبثية والاعتداءات الجماعية، ويضمن للجميع العيش بسلام وأمان، دون كراهية واعتداء وتجاوز.

في نقطة البحث عن حل؛ يبدو أن علينا التوقف قليلًا والنظر بجدية لما يمكن فعله، أمام استخدام المعارضة التركية للسوريين كورقة ضغط ضد الحكومة، أمام تأجيج العنصرية والكراهية من قبل كم كبير من وسائل الإعلام، أمام غياب جالية سورية منظّمة تعمل لصالح السوريين كلهم، أمام غياب كيان سوري لا يرى نفسه مضطرًا لأن يكون محسوبًا على أي حزب سياسي تركي، أمام فوضى ندين فيها ونقلق فيما بيننا دون أن يعلم جلّ الأتراك عن غضبنا ومشاعرنا شيئًا، فلا نتحدث بلغتهم بل بلغتنا حين التعليق حول حدث من جملة هذه الأحداث المأساوية.

قبل أيام ناقشت مع بعض الأصدقاء السوريين قضية أن يكون لهذا المجتمع السوري في تركيا دور ووجود في الحياة السياسية التركية، البعض رأى في ذلك خطوة جيدة نافعة، والبعض وجدها مستحيلة، والبعض رفضها من الأساس.

وفي الحقيقة، بينما كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء الصحفيين الأتراك حول الأزمة بين السوريين والأتراك، قال لي أنه لا يمكن تجاوز هذه الأزمة إلا من خلال دخول السوريين في الحياة السياسية التركية سواء بشكل مستقل أو من خلال الحضور داخل الأحزاب الموجودة الفاعلة، وحكا لي أن هذه الأزمات المجتمعية دائمًا ما كانت تنتهي بسيناريوهات مخيفة لو نظرنا إلى التاريخ القريب لتركيا والمنطقة على حد سواء.

ما يعني أن مزيدًا من الغضب والتأجيج والكراهية ولوم الذات أو الآخر لن يولد في الحقيقة شيئًا، بل ستكون النتيجة صفر فحسب، أو ستكون نتيجة مأساوية بين مجتمعين تجمع بينهما قواسم مشتركة عديدة.

ذكرت سابقًا أنه من الضروري تحرك من وصفتهم بـ "النخبة" من السوريين لفعل شيء وإثبات وجودهم وفتح قنوات تواصل مع الحكومة والمعارضة ومخاطبة الشارع التركي بلغته مثل إنشاء موقع إخباري يشرح القضية السورية ويكون لسان السوريين في تركيا، إضافة لمطالبة الحكومة التركية لتعزيز جهود الاندماج بين المجتمعين السوري والتركي ومكافحة الخطاب العنصري الذي تنتهجه المعارضة ووضع حد لذلك، وسنّ قوانين تجرّم الاعتداءات الفردية والجماعية على حد سواء.

وفي الحقيقة، أعرف العديد من السوريين الذين يجيدون التركية يقومون على الأقل بجهود فردية بجزء كبير مما ذكرته، ويعملون على فتح قنوات التواصل مع الحكومة والمعارضة، ولهم جزيل الامتنان والثناء.

لكن هل هذا يعتبر كافيًا؟

هنا نعود للحديث حول مسألة مشاركة السوريين في الحياة السياسية بتركيا، وبالطبع لا نتحدث في هذا الإطار عن 4 ملايين سوري ككل يقيم جلهم تحت بند "الحماية المؤقتة" ولا يُسمح له التنقل بين الولايات التركية إلا من خلال إذن سفر، ناهيك عن إمكانية مشاركته في الحياة السياسية أصلًا.

من نتحدث عنهم هنا هم السوريون الذين يحملون الجنسية التركية ويتقنون لغة البلد، وعلى معرفة جيدة بقوانينه وعاداته وقيمه وحتى تاريخه، فجميع هذه المفردات وأكثر لازمة لأي شخص يفكر في دخول ميدان السياسة في أي بلد من بلدان المهجر وليس تركيا فحسب.

لا أرى أن هذه الخطوة مستحيلة على الإطلاق، بقدر ما هي ممكنة مع شيء من الصعوبة، ولا تكمن هذه الصعوبة في دخول الميدان السياسي بحد ذاته بل في تقديم أنفسنا أمام الأتراك وإقناعهم بأننا موجودون، وهذا يعتمد على مدى اقتناعنا بأنفسنا أولًا، دون الاكتراث كثيرًا لما نحب سماعه حول أن الأتراك عنصريون لا يتقبلون هذا الأمر وما شابه من محفوظات عالقة في الأذهان.

نعم ربما يتفاوت مستوى مشاركة المهاجرين في العمل السياسي بين تركيا والدول الغربية، لكن هذا لا يعني انعدام هذا الأمر في تركيا، فالعديد من السياسيين الأتراك الموجودين والراحلين ليسوا من أصل تركي، بل هاجروا من بلدان مختلفة وتمكنوا مع مرور الوقت من إثبات أنفسهم.

ومن الضروري التفكير بجدية في هذه الخطوة من قبل السوريين-الأتراك في تركيا، لكن ضمن نقاط أرى أنها تضمن تحقيق أهداف مهمة مثل تمثيل السوريين والحفاظ على حقوقهم، مواجهة تيار العنصرية والتمييز والكراهية، وتجنيب البلاد والمجتمع من أزمة ومأساة الجميع في غنى عنها، والنقاط هي:

- أن يكون هناك جالية مجتمعية منظمة تمثل السوريين وتكون صوتهم عند الحكومة والمعارضة على حد سواء، دون أن تُحسب هذه الجالية على أي حزب سياسي في تركيا.

إنشاء حزب سياسي شريطة أن يكون من السوريين المجنسين والأتراك أنفسهم معًا، على أساس إنساني مشترك

- دخول السوريين في ميدان السياسة بشكل فردي دون إنشاء حزب سوري-تركي مثلًا، فهذه الخطوة ستأتي بنتائج سلبية.

- أن يدخل السوري-التركي ميدان السياسة ويعمل لأجل السوريين والأتراك على حد سواء، وأن تكون مهمته بعيدة عن تأجيج مشاعر الغضب والتوتر.

- إنشاء حزب سياسي شريطة أن يكون من السوريين المجنسين والأتراك أنفسهم معًا، على أساس إنساني مشترك، وهذه الخطوة لو تمت ستكون الدواء الناجع لجميع أبعاد الأزمة التي نشهدها، وليست مستحيلة لكنها تحتاج لجهد ودعم كبيرين، فالكثير من الأتراك يرفضون العنصرية والكراهية وربما يرحبون بفكرة إنشاء حزب سياسي مهمته مكافحة العنصرية وإرساء قيم العدالة والاحترام المتبادل.

أخيرًا، لا أقلل من أهمية أن يكون هذا الأمر موضوع بحث ودراسة وتمعن، علينا الإيمان بالعمل السياسي والقانوني حتى نضمن حقوقنا وحقوق الجيل القادم من المجنسين، والذي لن يفقد الجرأة بالتأكيد لدخول هذا الميدان ووضع حد لهذه الفوضى إن بقينا أو بقيت.