نحو النهاية الحتمية بكل دموية وغباء

2019.12.15 | 21:04 دمشق

438.jpg
+A
حجم الخط
-A

سرعان ما ذهبت أدراج رياح النسيان تلك المقابلة متعثرة الحظ، التي أجراها رأس نظام الأسد مع مذيعة إيطالية تابعة لتلفزيون "راي" الإيطالي، ولكن استرجاع  الحديث عنها قد يكون ضرورياً، لأنها ربما تمثل أحد مؤشرات خط النهاية الحتمية التي يحث نظام الاستبداد خطاه نحوها.

بداية، لا بد من القول إن إعلام الغرب بالمجمل ليس حراً، كما يُشاع، إلا بالقدر الذي يريده "الدافع للزمّار". ويقول المثل الانكليزي: (That who pays the piper, hears the tone he likes/ من يدفع للزمّار يسمع اللحن الذي يشاء)، فلا تجري مقابلة مع شخصية عالية الوظيفة، إلا ويكون لها غرض محدد. 

وفي الحالة الإيطالية هذه، ليس الأمر بالضرورة مادياً أو مافياوياً فقط  بل ربما يكون سياسياً أيضاً.

فمن بين دول الاتحاد الاوربي، تأتي إيطاليا بعد المجر في حماسها لإعادة تأهيل نظام الأسد. لقد تسابقت محطات غربية كثيرة على إجراء لقاءات تلفزيونية مع رأس النظام. وكانت غاية "الدافع للزمّار" واضحة؛ هناك من لا يريد لهذا النظام أن ينتهي، بسبب تقديمه خدمات جليلة، يعجز غيره عن تقديمها.

المشكلة في هذه المقابلة أن الجهة التي سجلتها، لم تبثها؛ لا لأنها تختلف عن عشرات المقابلات مع وسائل إعلام غربية، بل لأن مَن  رتبها أولاً ليس "الدافع للزمّار"، بل جهات مرتبطة مع عصابات مافيوية إيطالية استطاعت جلب مذيعة من المحطة إياها وهندست لها الحوار على أمل أن تأخذ المقابلة طريقها إلى التلفزيون الإيطالي؛ وثانياً، لإن فيها شططاً غير مألوف، ولا متفقاً عليه.

حتماً لم يكن السبب سرديته المألوفة عن محاربته للإرهاب، والمؤامرة الكونية

المشكلة لم تكن في المحتوى التقليدي المكرور والممجوج، بل بداية في خروجه عن النص وفِي هجومه المباشر على أولياء نعمة بقائه في كرسي الدم. حتماً لم يكن السبب سرديته المألوفة عن محاربته للإرهاب، والمؤامرة الكونية، وحرص الدولة على الشعب، والحكومة التي انتصرت، وعدم استخدام الكيماوي، وأنه لم يدمر شيئاً ولم يشرّد أحدا، وإن  داعش والنصرة هما مَن دمرا وشردا، وإنه قد أجرى مصالحات، وختام حديثه المنفصل عن الواقع بأنه لم يرتكب خطأً.

ومعروف أن العالم قد تعوّد على هذه السردية  التزييفية، وعلى النكران، والانفصام عن الواقع.

تمحورت الاستفسارات التقليدية والمتكررة بخصوص لغز وإشكالية تلك المقابلة حول عدم بث محطة تلفزيونية مرموقة مثل هذا الهراء المكرور المنفصم عن واقع سوريا بالمطلق؛ فما الجديد فيها حتى لا تُبَث! ولماذا يخشى، أو يرفض تلفزيون بثها!؟

ولكن الأكثر دهاءً وتفكراً كان يسأل فيما إذا كان عدم بثها حرصاً على ماء وجه هذا النظام المفلس، أو من أجل إعطائها قيمة إضافية، بحيث يصبح حجبها لا محتواها مركز الاهتمام.

كل تلك التساؤلات والأسباب في موجبات بثها أو حجبها واردة، إلا أن الحديث المباشر والفج إلى حد الوقاحة بأن أوروبا هي التي تقود المؤامرة على سوريا، وهي من جلب الإرهاب إليها، قد أغلق الباب على هذا النشاز، وأوصله إلى حد السياسة؛ ليخرج وزير خارجية إيطاليا متنصلاً من الموقف الإيطالي السابق في رغبة بلاده وعملها على إعادة تأهيل نظام الأسد ، ويقول  صراحة إنه لا عودة للعلاقات مع النظام، إلا بنجاح العملية السياسية، والالتزام المطلق بالقرار الدولي 2254.

أتت تلك المقابلة ونظام الأسد يسعى حثيثاً إلى إضفاء أجواء زائفة بأن الأمور أضحت على ما يُرام في سوريا. أتت مترافقة مع سردية إعلامية تقول بأنه لم يبق عليه إلا بعض الإرهابيين في إدلب؛ وإن الشمال الشرقي السوري بطريقه إلى العودة لحضن الوطن عبر الجيش العربي السوري الباسل والإخوة الروس. أتت متواكبة مع إشاعة نشوة النصر بأن الإرهاب والمؤامرة الكونية قد تمت هزيمتهما.. ولكن، وبموعد خبيث لكنه حقيقي، يدخل رئيس النظام علناً في المحظور؛ فتكون نشوة "النصر" تلك كصحوة الموت، وتكون إشارة النهاية المحتمة، ويكون فتح دفاتر الداخل الهش المتهتك الآيل للسقوط  بكل أبعاده. 

لقد فات النظام  أن ملفاته الإجرامية بدأت تنفتح، وأول غيثها القاتل "قانون سيزر". فاته تكشف وانفضاح موقفه المعطل للعملية السياسية حتى من قِبَل داعمه الأساسي الروسي؛ الذي بدأ يتململ من ألاعيبه. فاته أن أولئك المسؤولين عن بقائه هم ذاتهم في أزمة حقيقية داخل بلادهم ومع الخارج؛ وفِي اللحظة المناسبة سيرمونه كورقة نجسة في مهب الريح. هل نكون قد شهدنا آخر خطوة غبية نحو الهاوية الحتمية؟!