نتنياهو وأميركا.. احتياجٌ وجحود

2023.03.31 | 05:55 دمشق

نتنياهو وأميركا.. احتياجٌ وجحود
+A
حجم الخط
-A

كان ممَّا أخذه رئيسُ الحكومة الإسرائيلية الحالية، بنيامين نتنياهو على سلَفه، نفتالي بينيت، انصياعَه الزائد لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. وذلك في الملفِّ الإيراني النووي، وفي الموضوع الفلسطيني.

واليوم تطفو خلافات أكثرِ حكومةٍ إسرائيلية؛ يمينيةً وتطرُّفًا، مع الإدارة الأميركية الديمقراطية على السطح؛ على خلفية محاولات نتيناهو وحلفائه في الائتلاف، تقليص صلاحيات المحكمة العليا، والتدخُّل في تعيين القضاة؛ بما يخدم استراتيجيته المتماهية مع رؤى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهم من غلاة المتطرفين العنصريين، ومن الدافعين بقوة دفَّة الاستيطان والتهويد، في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس.

هذا الخلاف الإسرائيلي الأميركي يحتدّ وسط هذا المنعطف البنيوي في منظومة الدولة والسياسة، لدى دولة الاحتلال، كما نقل موقع "والا" عن مصادر رسمية إسرائيلية أنّ بايدن عبَّرَ في رسالة لنتنياهو نقَلها السفيرُ الأميركي عن الغضب من إقالة وزير الدفاع  يوآف غالانت، وأنَّ بايدن، وفقًا للموقع المذكور، ونقلًا عن مصادر رسمية إسرائيلية: طالَبَ نتنياهو بلهجة قاسية بالتراجُع، فورًا، عن التعديلات القضائية.

وهذا كما يبدو ما حمل نتنياهو على نشر تغريدته على تويتر، في وقت غير معتاد قرابة الساعة الواحدة، بعد منتصف الليل، وجاء فيه: "عرفتُ الرئيس بايدن، منذ أكثر من 40 عامًا، وأنا أقدِّر التزامَه الطويل الأمد تُجاه إسرائيل". لكنه أضاف أن "إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها، وليس على أساس ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء".

وهنا تغدو المواجهة مع أميركا، الحليف الأقوى والأقرب إلى إسرائيل، ذات حدَّيْن، حدٍّ مفيد، وهو إظهار الوطنية والاستقلال؛ مقابل التعريض بما يشبه التبعية عند خصوم اليمين المتطرف؛ من أحزاب المعارضة، والذين يقود قادتُهم الاحتجاجاتِ الواسعة ضدَّ محاولات انقلاب نتنياهو.

يزداد موقف نتنياهو، ولاسيما في الساحة الخارجية، تردّيًّا، بالتذكير بإخفاقه، في منْع استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران

وحدٍّ ثانٍ، وهو إضعاف الدعم الأميركي وخصوصًا في المحيط الإقليمي، وتحديدًا في موضوع المواجهة مع إيران، وإجهاض مشروعها النووي الذي أخذ يتسارع تسارُعًا ملحوظًا في الفترة الأخيرة. وهذا ما تلقَّفته المعارضة، كما جاء على لسان زعيمها في الكنيست الإسرائيلية، يائير لبيد على "تويتر:" أنَّ إسرائيل أقرب حلفاء الولايات المتحدة، منذ عقود، لكن" الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ البلاد دمَّرت ذلك، في ثلاثة أشهر"، في تعالُقٍ مع تصريحات نتنياهو، أثناء لقائه أعضاء مجلس إدارة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "أيباك" AIPAC، أواسط شهر مارس، آذار، الجاري، حين أقرّ بحاجة إسرائيل إلى دعم دولي، وأميركي، على وجه الخصوص، إذ قال: "القوى العظمى تحتاج إلى تحالفات.. لذا فإن دولة صغيرة مثل إسرائيل تحتاج بالتأكيد إلى تحالفات". ثم انتقل تعيينًا، إلى أميركا والخطر الإيراني، بـــ"أن على إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب دول أخرى، منْعَ طهران من الحصول على أسلحة نووية".

ويزداد موقف نتنياهو، ولاسيما في الساحة الخارجية، تردّيًّا، بالتذكير بإخفاقه، في منْع استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وكذلك في تأثُّر العلاقات الإماراتية سلبًا بأداء وزراء حكومة نتنياهو، وعلى رأسهم ابن غفير وسموتريتش؛ من انتهاك الأوَّلِ للمسجد الأقصى، ودعوة الثاني إلى محْو بلدة حوّارة، في الضفة الغربية، ثم بإنكاره وجود شعب فلسطيني، وإعلانه الأردن جزءًا مستقبليًّا من إسرائيل.

هذا، ولا ننسى سجلَّ العلاقة غير المريحة التي بدأها نتنياهو مع إدارة باراك أوباما، (ونائبه، وقتها، بايدن). وذلك حين ظل يتملَّص من ضغوطه الهادفة إلى تجميد الاستيطان، ثم حين ذهب، في عام 2015، دون موافقة البيت الأبيض؛ لمخاطبة الكونغرس، والتنديد بالاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران.

ولعل ردّ أوباما على كل هذا التعاطي السلبي من جانب نتنياهو جاء في ديسمبر/كانون الأول 2016، حين طالب مجلسُ الأمن إسرائيل بوقف بناء المستوطنات، ثم أمكن تبني القرار؛ بعد امتناع إدارة أوباما، آنذاك، عن التصويت؛ في خطوة جاءت عكس ممارساتها التي تحمي إسرائيل من إجراءات الأمم المتحدة.

لكن نتنياهو، وهو يعاني هذا المأزق السياسي، الذي يهدِّد، جديًّا، حياته السياسية، وهو بأمسّ الحاجة إلى حماية الأحزاب الدينية الصهيونية؛ من أن يُكشَف عنه الغطاء، ويفضي إلى الإدانة القضائية، ثم السجن؛ لارتكابه تهم خيانة وفساد خطيرة، نتنياهو في هذه الحالة يجد نفسه مضطرًا إلى استرضائهم، كما حصل في ذروة الأزمة الأخيرة، حين كشف ابن غفير أنه اتفق مع نتنياهو على تأجيل التعديلات القضائية، مقابل التصديق على إنشاء ما يسمى "الحرس الوطني"؛ ليضخِّم ذلك من صلاحيته، الأمنية الداخلية، ضد العرب الفلسطينيين، وضد أنصار المعارضة الليبرالية، وكان هذا هو الثمن الذي قبضَه ابن غفير؛ مقابل موافقته على إرجاء السعي لما يسمَّى " إصلاحات قضائية".

نعم، نتنياهو يتورَّط إلى هذه المنطقة الحرِجة، في العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي أهم داعم لإسرائيل، عسكريًّا، وماليًّا، وسياسيًّا، ودبلوماسيًّا، كما يقول المثل:" مكرهٌ أخاك لا بطل"؛ لأنه مِن أكثر العارفين بقوة الاعتماد الإسرائيلي على أميركا. وأن دولته لم ولن تستطيع خوض صراعات جدية في المنطقة، دون غطاء أميركي، أو طوق نجاة أميركي؛ خلافًا لوزيره الأهوج، ابن غفير، حين قال:" إنَّ إسرائيل ستحمي نفسها، دون الولايات المتحدة، إذا لم تدعمنا". بعد قولته المُلَوِّحة في وجه إدارة بايدن: "إنَّ عليهم أنْ يفهموا أن إسرائيل دولة مستقلة، وليست نجمة أخرى في علم الولايات المتحدة".

إن السلاح المُعَدّ، والمبالَغ في توظيفه، وهو معاداة السامية، أخذ يُستهلَك، بأنْ صِرْنا نرى زيادة الاجتراء على النقد العلني، من الدول الغربية

وبهذا يتبدّى الانقسام الذي كشفته تداعيات الصراع حول القضاء والمحكمة العليا، خارجيًّا، أيضًا، بين قوى واقعية خبِرت تأسيسَ الدولة، في كنف القوى الدولية، واستمراريتها، برعاية الولايات المتحدة، تحديدًا؛ فهي بحاجة وَفْق تصوُّرهم إلى استبقاء الالتحاق بالقيم الغربية؛ الديمقراطية الليبرالية، وقوى مقابلة طارئة على السياسة، دينية متطرفة؛ أكثر انغلاقًا، واعتدادًا بالقوة الذاتية، تقنيًّا وعسكريًّا، علمًا بأن تلك القوى الدينية هي الأقل انخراطًا في هذه المجالات البالغة الحيوية.

هذا الاتجاه الأخير يراكم أسباب العزوف عن دعم مثل هذه الدولة الآخِذة في الخروج عن قواعد اللعبة، ليس شعبيًّا، وفي أوساط النُّخَب الغربية؛ الأكاديمية والثقافية، وسواها، ولكن حتى في نظر السياسيين الغربيين الرسميين؛ ما يدعو إلى القول إن السلاح المُعَدّ، والمبالَغ في توظيفه، وهو معاداة السامية، أخذ يُستهلَك، بأنْ صِرْنا نرى زيادة الاجتراء على النقد العلني، من الدول الغربية، والهيئات الدولية لسياسات حكومة إسرائيل؛ بأيديولوجيتها الدينية الباديةِ العنصرية، والعدوان.