"نتنياهو إلى الأبد".. يستميت للبقاء في الحكم

2020.03.10 | 23:01 دمشق

img-20200114-wa0042.jpg
+A
حجم الخط
-A

سارع بنيامين نتنياهو، عقب إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات الإسرائيلية وبعد تدفق النتائج الأولية لفرز الأصوات، يوم الإثنين الماضي، إلى إعلان فوز حزبه الليكود وتكتله "اليمين واليمين المتطرف" في انتخابات الكنيست الـ23، بتقدم ملحوظ على معسكر "يسار - الوسط" الذي يتزعمه الجنرال السابق بيني غانتس.

في حال تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة من قبل رئيس الدولة باعتباره المتصدر في الانتخابات، ونجاحه بعد التكليف بجمع تحالف يضم 61 نائباً/مقعداً على الأقل من أصل 120 مقعداً في الكنيست، وهي الأغلبية المطلوبة (النصف زائد واحد) لتولي رئاسة الحكومة، ستكون هذه الولاية الخامسة له، والرابعة على التوالي، حيث تولى منصبه لأول مرة في عام 1996 إلى عام 1999، ومن عام 2009 إلى غاية الآن.

كما يعد نتنياهو (70 سنة) رئيس الوزراء الذي حكم إسرائيل أطول فترة، متخطياً بذلك، دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل و"مؤسسها".

إلا أن الفوز الذي وصفه نتنياهو بأنه "انتصار كبير"، أكبر من نصره في انتخابات 1996 عندما انتصر على شمعون بيرس، لم يكن حاسماً.

ففوز حزب الليكود بـ 36 مقعداً مقابل 33 مقعداً لحزب "أزرق أبيض"، وحصول

انتخابات الإثنين الماضي ثالث جولة انتخابية يخوضها الإسرائيليون في غضون أقل من سنة، ولم يحقق خلالها الصندوق الحسم لصالح أي من اليمين أو اليسار

كتلة اليمين على 58 مقعداً مقابل 55 مقعداً لليسار و7 مقاعد لحزب "إسرائيل بيتنا"، بحسب النتائج النهائية للجنة الانتخابات، لا يعني أن الطريق مفتوحة أمام نتنياهو لرئاسة الحكومة المقبلة، وعليه الحصول على ثلاث مقاعد من خصومه، وهذا الأمر مرهون بما سيجريه من اتصالات ومفاوضات في الأيام القليلة القادمة.

بذلك تكون انتخابات الإثنين الماضي ثالث جولة انتخابية يخوضها الإسرائيليون في غضون أقل من سنة، ولم يحقق خلالها الصندوق الحسم لصالح أي من اليمين أو اليسار، إن صح هذا التقسيم المتداول.

ويلجأ نتنياهو بعد كل جولة انتخابية غير حاسمة للدعوة إلى انتخابات أخرى، رافضاً تشكيل حكومة وحدة واسعة، للتخلص من تهم الفساد التي تلاحقه.

 

وفي هذا السياق يجري أعضاء كنيست من كتلة يسار- الوسط والقائمة العربية "القائمة المشتركة"، في الأيام التي عقبت الانتخابات الأخيرة، اتصالات لسن قانون يحظر على المتهم شغل منصب رئيس الوزراء.

ويقول المحلل الإسرائيلي، يوسي فرتر، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس": "من أجل مقعد أو مقعدين، نتنياهو مستعد لحرق الدولة"، موضحاً أن نتنياهو يستغل ضعف خصومه العاجزين عن خلق قوة سياسية بديلة تزيح اليمين المتربع في سدة الحكم والمستفرد منذ عقدين ونصف.

وعبارة "الأبد" في العنوان مستقاة من أدبيات البعث السوري ونظام الأسد، وليس بالضرورة أن تكون متطابقة في الحالة الإسرائيلية، إلا أنها تحاول توضيح التعطش للسلطة لدى الحكام.

ماذا فعل نتنياهو من أجل الحفاظ على الكرسي؟

تشرذم الخصوم

تنبئ تعقيدات التحالفات السياسية إلى عدم إمكانية وصول خصوم نتنياهو إلى تحالف يجمعهم، لأنهم أحزاب غير متجانسة ومختلفة الرؤى والمشارب ومتضادون بالإيدولوجيات، على عكس اليمين المتماسك.

أبرز خصوم نتنياهو هو تكتل "يسار - الوسط" بزعامة رئيس الأركان السابق، بيني غانتس، ويضم كل من حزب "أزرق أبيض" وهو حزب وسطي يرأسه غانتس (حصل على 33 مقعداً)، وتحالف اليسار التقليدي والمترهل، المكون من ثلاث أحزاب هي "العمال" و"الجسر" و"ميرتس"، بزعامة عامير بريتس (7 مقاعد).

واللافت في نتائج الانتخابات صعود الأحزاب العربية المنضوية تحت اسم "القائمة المشتركة" بزعامة أيمن عودة، بفوزها بـ 15 مقعداً، وفرضت نفسها، للمرة الثانية على التوالي وبشكل غير مسبوق، كثالث تكتل سياسي في إسرائيل.

ولكن لا شيء يجمع كتلة اليمين و"القائمة المشتركة" سوى قبة الكنيست، وهم في حالة عداء عميق، بسبب سياسات اليمين العنصرية بحق العرب في إسرائيل، بينما يطالب النواب العرب بإنهاء الاحتلال والعودة إلى حدود 67، وتبني حل الدولتين.

ويمارس نتنياهو أشد أساليب الإقصاء بحق النواب العرب، وقال صراحة في اجتماع مع قادة الأحزاب اليمينية عقب صدور نتائج الانتخابات، إن "العرب ليسوا جزءاً من المعادلة، وهذه هي إرادة الشعب".

ولا يجد نتنياهو حرجاً بتصريحاته العنصرية ضد "القائمة المشتركة"، وليس هذا فحسب، بل مجاهرته بالعداء للعرب تعد سلاحا لإحراج خصومه في اليسار.

 ومن أشد خصوم نتنياهو الشخصيين هو أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، وهو حزب قومي عنصري، محسوب على اليمين الصهيوني المناهض لليمين الديني من جهة، ويحارب العرب من جهة أخرى، فاز بـ 7 مقاعد.

ويُعرف ليبرمان بأنه "صانع الملوك" في معمعة الانتخابات الإسرائيلية، لأن مقاعد حزبه تعتبر بمثابة "بيضة القبان"، التي ترجح الكفة لأحد المعسكرين، إلا أنه يرفض بقاء نتنياهو بالسلطة، ويفرض شروطاً على غانتس.

برنامج ليبرمان الانتخابي يدعو إلى "لا لنتنياهو بعد اليوم"، وفي الوقت ذاته يفرض على غانتس عدم إشراك القائمة العربية كشرط للدخول في أي ائتلاف حكومي مع كتلة "يسار - الوسط".

وعبر إجراء حسابات بسيطة لعدد المقاعد أعلاه، في ظل استحالة توافق أعداء نتنياهو على تشكيل ائتلاف، مع العلم أن مجموع مقاعدهم يحقق الأغلبية المطلوبة، وفي مقابل تماسك كتلة اليمين، ستكون الكرة في ملعب نتنياهو لجلب ثلاثة مقاعد، عبر استدراج نواب من الفريق الخصم، وإلا ستبقى جميع الاحتمالات مفتوحة.

 

التشبث بالكرسي والتفرد بالسلطة

على الرغم من فشل نتنياهو ومنافسه غانتس في الجولتين السابقتين في تخطي عتبة الأغلبية المطلوبة، ورفضهما التشارك لتشكيل حكومة ائتلافية تجمعهما، كان نتنياهو الأكثر تمسكاً بالكرسي يرفض تقديم تنازلات لتشكيل حكومة ائتلافية واسعة تضم اليمين واليسار، لأنه يريدها حكومة ضيقة من كتلته اليمين واليمين المتطرف، لكي لا ينازعه أحد في الحكم.

وفي سبيل ذلك، كان نتنياهو يستخدم صلاحياته، باعتباره يحتفظ بمنصبه كرئيس للحكومة، ويدعو إلى انتخابات جديدة بعد كل جولة انتخابية لا تضمن تفرد كتلته.

فقد أرهق الشارع الإسرائيلي بالانتخابات المتكررة، الأمر الذي أدى إلى حالة من التذمر لدى الناخب الإسرائيلي، سيما الجولة الأخيرة التي جرت في أجواء يتفشى فيها فيروس "كورونا".

دخل "كورونا" على خط الانتخابات، وقد خصصت اللجنة المركزية للانتخابات 18 مركزاً انتخابياً خاصاً للخاضعين للحجر الصحي (المنزلي)، في الوقت الذي يزداد فيه عدد المصابين في إسرائيل.

مع ذلك يحظى "بيبي"، وهو لقب نتنياهو المتداول في إسرائيل، بشعبية

لا يكف نتنياهو عن التفاخر بإنجازاته، محاولاً الظهور وتقديم نفسه كـ "رجل إسرائيل القوي"، القادر على تحقيق ما يعجز عنه الآخرون

كبيرة، ويصفه مناصروه بـ "الملك" و "ملك إسرائيل"، فيما يراه آخرون "شيطاناً" يأخذ البلاد نحو الهاوية عبر متاجراته السياسية في سبيل البقاء في السلطة.

ويركز نتنياهو في برنامجه الانتخابي على أنه سيضم غور الأردن والمستوطنات في الضفة، مستفيداً من علاقته الحميمة مع ترامب بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والسيادة على الجولان السوري المحتل.

ولا يكف نتنياهو عن التفاخر بإنجازاته، محاولاً الظهور وتقديم نفسه كـ "رجل إسرائيل القوي"، القادر على تحقيق ما يعجز عنه الآخرون، مؤكداً في كل مناسبة أن العديد من الدول العربية والإسلامية التي كانت بالأمس تعادي إسرائيل اليوم تبحث عن تطبيع العلاقات معها بفضل سياساته.

حدة الاستقطاب التي يشهدها الشارع الإسرائيلي أشار إليها المحلل الإسرائيلي، يوسي فرتر، في مقال نشره بصحيفة هآرتس، مصوراً ما يحدث بأنه صراع بين معسكرين، بين أحزاب دينية متشددة (الحريديم) لا تؤمن بالصهيونية، وبين أحزاب علمانية وصهيونية دينية.

 

انتخابات كسر العظم

دخل نتنياهو الجولة الثالثة من الانتخابات متسابقاً مع الزمن، قبل أسبوعين من موعد محاكمته بتهم الفساد، لأنه يخشى على مستقبله السياسي بسبب ما يواجهه من اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الثقة في ثلاث قضايا منفصلة.

ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة المركزية بالقدس في 17 من آذار/مارس الحالي، لذا يعول على بقائه في منصبه ليوفر لنفسه هامشا أكبر من الحماية.

ويرفض نتنياهو الاتهامات الموجهة ضده، ويصف ما يتعرض له بأنها عملية "تصفية سياسية" تستهدفه، ما دعا أنصاره لوصفه بـ "الساحر" لما يبديه من جلد في مواجهة الخصوم.

وحملته الانتخابية أظهرت بأنه كان أكثر استعدادا من خصمه في خوض الانتخابات الأخيرة، عبر تعزيز مواقعه الانتخابية في المناطق الطرفية، في الشمال والجنوب، التي أكسبته نحو 150 ألف صوت زيادة على الجولات السابقة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

ويقول المحلل السياسي لصحيفة "معاريف"، بن كسبيت، إن نتنياهو قام بحملة انتخابية مليئة بالأكاذيب والمناورات القذرة وصلت إلى حد التشهير بخصومه وتخوينهم، ونشر تسجيلات صوتية مجتزأة وتسجيل مكالمات تنال من صورة خصومه في حزب "أزرق أبيض" وحملتهم الانتخابية، وبقيت قضية هذه التسجيلات متفاعلة في خضم اليوم الانتخابي.

ويطالب بن كسبيت بإنهاء مهزلة الانتخابات التي تجاوزت "الخطوط الحمراء"، ويدعو كل من نتنياهو وغانتس إلى التخلي عن "الأنا"، والدخول في حكومة واسعة تناوبية، يتناوبان على رئاستها.  

ولكن يبقى احتمال فشل نتنياهو بجمع 61 مقعداً، مفتوحاً، عندها سينقل رئيس الدولة التكليف إلى أحد أعضاء الكنيست، بحسب القانون، وإذا لم يتوافق الفرقاء سيكون لا بد من الذهاب إلى انتخابات رابعة، إلا أنه خيار يعتبر بمثابة "كابوس" للإسرائيليين بسبب الإجهاد الانتخابي الذي نال الشارع، وفي حال دانته المحكمة المرتقبة ستكون فرص قبول ترشحه في الانتخابات القادمة صعبة، في ظل المساعي البرلمانية لسن قانون يحظر المتهم من شغل منصب رئيس الوزراء.

يبدو أن شهر آذار/مارس الحالي سيكون حاسماً بالنسبة لنتنياهو، إما أن يخرج من عنق الزجاجة ويستمر لولاية خامسة، أو أن ينهي حياته السياسية المديدة داخل قفص الاتهام؟