althania
icon
التغطية الحية

نتفليكس ومئة عام من العزلة

2024.12.15 | 17:35 دمشق

نتفليكس ومئة عام من العزلة
بوستر مئة عام من العزلة على شبكة Netflix
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- نتفليكس تطور محتواها لتشمل إنتاجات مقتبسة من روايات شهيرة مثل "مئة عام من العزلة"، مما يعكس نضجًا فنيًا ويعزز مكانتها في صناعة الترفيه.
- حصلت نتفليكس على حقوق تحويل "مئة عام من العزلة" إلى مسلسل يُصور في كولومبيا باللغة الإسبانية، مع بدء بثه في ديسمبر 2024، مما يتيح للجمهور العالمي اكتشاف عوالم ماركيز.
- رغم الانتقادات، أثبتت نتفليكس وجودها كمنصة ضخمة مع 260 مليون مشترك، ورفعت المستوى الفني للإنتاج البصري، محققة إشادة في مهرجانات عالمية.

في السنوات الأخيرة، شهدت منصة نتفليكس تطورًا ملحوظًا في نوعية المحتوى الذي تقدمه، مما عزز مكانتها كأحد أبرز مقدمي الخدمات الترفيهية في العالم. لم تقتصر نتفليكس على تقديم الأفلام والمسلسلات التجارية فحسب، بل بدأت بالاهتمام بجودة الإنتاج وبتقديم أعمال مقتبسة من روايات عالمية شهيرة، مسلطةً الضوء على الأدب الكلاسيكي والمعاصر من مختلف الثقافات.

من بين الأعمال الأدبية التي قررت نتفليكس تحويلها إلى مسلسلات، رواية "مئة عام من العزلة" للكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز. تعتبر هذه الرواية واحدة من أعظم الأعمال الأدبية في القرن العشرين، ومن أكثر الروايات المقروءة والمترجمة إلى لغات أخرى. بيع منها أكثر من 50 مليون نسخة، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. وقد حازت على إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.

يروي ماركيز أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال متعاقبة، والذين يعيشون في قرية ماكوندو الخيالية. الأحداث ممزوجة بالعناصر السحرية والواقعية بطريقة فريدة تجعل القارئ يغوص في عوالم مليئة بالسحر والغموض. حتى أن الشاعر بابلو نيرودا، الذي كان يعشق هذه الرواية، صرّح قائلًا على لسان بطل الرواية العقيد أورليانو: 

"انظروا البلاء الذي جلبناه لأنفسنا لمجرد أننا دعونا أميركيا لأكل الموز عندنا!"

ماركيز نفسه كان أيضًا كاتب سيناريو، وعمل في كتابة النصوص لفترات متلاحقة. ومن المعروف عنه أنه رفض مرارًا وتكرارًا، طيلة حياته، فكرة تحويل روايته الأقرب إلى قلبه "مئة عام من العزلة" إلى فيلم أو مسلسل. كان يخشى أن يضيع سحر الرواية وتعقيداتها الأدبية في عملية التحويل السينمائي. حتى أنه رفض عرضًا من الممثل أنطوني كوين لتحويل الرواية إلى فيلم مقابل مليون دولار، حيث بدا بوضوح أن خصوصية شخصية أورليانو بوينديا بالنسبة إليه تمنع بشدة تحويله إلى بطل سينمائي. وأغلب الظن -وهذا حقيقي- أنه كان يخشى أن ينتقص ذلك من صورة البطل مع ذلك، وبعد وفاته في عام 2014، بدأت الأمور تتغير. تمكنت نتفليكس من الحصول على حقوق تحويل الرواية إلى مسلسل من ورثة ماركيز، في خطوة جريئة ومثيرة للاهتمام. وقد صرّح الورثة:

يروي ماركيز أحداث المدينة من خلال سيرة عائلة بوينديا على مدى ستة أجيال متعاقبة، والذين يعيشون في قرية ماكوندو الخيالية. الأحداث ممزوجة بالعناصر السحرية والواقعية بطريقة فريدة تجعل القارئ يغوص في عوالم مليئة بالسحر والغموض

"مع تقدم مستوى الإنتاج، خصوصًا ومع اتساع آليات وإمكانات التصوير، لا مانع لدينا من تحويل الرواية إلى عمل درامي".

المسلسل سيجري تصويره في كولومبيا، مسقط رأس الكاتب الراحل، وسيكون ابنا ماركيز منتجين تنفيذيين له. كما ستكون اللغة الإسبانية لغة المسلسل .

وبالفعل تمت المباشرة في تصوير المسلسل. وفي شهر نيسان 2024، عندما حلت الذكرى العاشرة لوفاة الروائي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، وإحياءً لهذه المناسبة، نشرت منصة نتفليكس ولأول مرة مقطعًا ترويجيًا جذّاباً (ترايلر) لهذا المسلسل .

في الماضي، تم إنتاج العديد من الأعمال السينمائية المأخوذة عن أشهر أعمال ماركيز، رغم أنها لم تحقق جميعها نفس النجاح. ففي عام 1987، أخرج الإيطالي فرانسيسكو روسي رواية "قصة موت معلن"، ومثّل فيها النجمان روبرت أفيريت وأورنيلا موتي. كذلك تحولت روايته الشهيرة "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" إلى فيلم سنة 1999، بتوقيع المخرج المكسيكي أرتورو ريبستين، ومن بطولة الممثل فرناندو لوجان والنجمة سلمى حايك. أما رواية "ساعة نحس"، فقد أخرجها البرازيلي راي جويرا في عام 2004. في حين تحولت روايته الجميلة والمعروفة "الحب في زمن الكوليرا" إلى فيلم من بطولة النجم الإسباني خافيير بارديم، ومن إخراج البريطاني مايك نيويل، سنة  2007.

هل تكون خطوة موفّقة؟

نأمل أن يكون تحويل رواية "مئة عام من العزلة" إلى مسلسل ليس مجرد خطوة تجارية، وإنما محاولة لجعل الأدب الكلاسيكي أقرب إلى جمهور العصر الحديث. فبفضل نتفليكس، سيتمكن ملايين الأشخاص حول العالم من اكتشاف عوالم ماركيز السحرية والاستمتاع بقصصه الفريدة. لكن، في الوقت ذاته، هناك نوع من الحذر في تقييم نتائج هذه المغامرة .

هل سيتمكن المسلسل من أن يجسد بشكل دقيق وجميل الأجواء السحرية والواقعية للرواية المبهرة و شخصياتها الفريدة؟ 

هل ستتمكن المنصة من تقديم عمل يعكس الروح الحقيقية للرواية، مع احترام تعقيداتها الأدبية والفكرية، وخاصة مفهوم الزمن فيها، الذي يقول عنه ماركيز نفسه: 

"الزمن هنا لا يسير في خط مستقيم، بل يدور ضمن دائرة"

الجمهور ينتظر بفارغ الصبر مشاهدة هذا العمل، خاصةً مع معرفة مدى اهتمام نتفليكس بجودة الإنتاج والدقة في التنفيذ والعناية الشديدة باختيار الممثلين. وقد أُعلن مؤخرًا أن بداية بث المسلسل ستكون في الأول من ديسمبر 2024.

نتفليكس.. من الانتقاد إلى التميز

رغم الانتقادات الكثيرة لأداء منصة نتفليكس الرقمية، إلا أنها تمكنت من إثبات وجودها كجهة إنتاجية ضخمة ومنصة مشاهدة عالمية للدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية، بمختلف أنواعها: الروائي، الوثائقي، وحتى الأفلام القصيرة والرسوم المتحركة. فقد وصل عدد المستخدمين فيها إلى أكثر من 260 مليون مشترك، أي أكثر من عدد سكان عشر دول أوروبية مجتمعة .

هذه المنصة استطاعت أيضًا أن ترفع المستوى الفني والتقني للإنتاج البصري العالمي، وبدأت تكرس أسلوبًا فنيًا يكاد يُسمى "أسلوب نتفليكس" أو Netflix Style الذي يعتمد بشكل كبير على عوامل التشويق والترفيه، خاصة من خلال أساليب الإثارة والعنف المبالغ فيه أحيانًا، أو من خلال المحتوى الذي يتناول بشكل موسع قصص عصابات المخدرات ومافيا التهريب والإجرام من جميع أنحاء العالم.

الآن، وبعد 26 عاما من الانطلاق و الانتشار والتوسع، اتجهت المنصة في السنوات الأخيرة نحو تكريس مفهوم الجودة والاهتمام بشكل أكبر بنوعية محتواها ومضمون إنتاجها. هذا التحول يعكس نضجًا فنيًا يسعى لتحقيق أهداف أسمى وأرقى في عالم الترفيه والمتعة، مما يعزز مكانتها كأحد أبرز رواد الصناعة في تقديم محتوى يجمع بين الإبداع والتقنية العالية ولا يزال أمام المنصة الكثير لتقدمه، خاصةً أن بعض أفلامها حظيت بإشادة كبيرة في مهرجانات سينمائية عالمية مرموقة، مثل مشاركتها في   ( مهرجان كان السينمائي ) وحصولها على بعض الترشيحات لأهم جوائز الأوسكار.

هذا النجاح جاء بعد سنوات من الشكوك التي أحاطت بإنتاجات نتفليكس، حيث تمحورت التساؤلات حول ما إذا كانت أفلامها تستحق أن تُعتبر جزءًا من فن السينما الحقيقي أم لا. كما تساءل النقاد عما إذا كان من المناسب أن تشارك هذه الأعمال في المهرجانات السينمائية العالمية، أو ما إذا كان ينبغي أن تقتصر مشاركتها على مهرجانات التلفزيون فقط.

هذه التساؤلات دفعت المنصة إلى العمل بجد على تحسين جودة إنتاجاتها السينمائية لتثبت أنها ليست مجرد منصة بث، بل كيان قادر على المنافسة في قلب الصناعة السينمائية العالمية.

مع "مئة عام من العزلة"، تواصل نتفليكس تحسين نوعية محتواها وتقديم أعمال تلبي تطلعات جمهورها المتنوع، مما يعزز مكانتها كمنصة رائدة في مجال الترفيه الرقمي. وبفضل هذه الجهود، تتحول الروايات الكلاسيكية إلى تجارب بصرية ملهمة، تعيد إحياء الأدب بطرق جديدة ومبتكرة، وتجذب أجيالًا جديدة إلى عالم القراءة والخيال.