نبرة الصحافة الغربية قبل وبعد الانتخابات التركية

2023.06.02 | 07:03 دمشق

نبرة الصحافة الغربية قبل وبعد الانتخابات التركية
+A
حجم الخط
-A

لفتت نبرة الصحافة الغربية اتجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأنظار قبل بدء الانتخابات التركية في الرابع عشر من أيار/مايو 2023، فلقد تميزت بانحياز واضح للمعارضة التركية صاحبه تشويه كبير للحقائق ولسمعة الرئيس التركي والحكومة التركية ككل.

عادةً تعمد الصحافة إلى استخدام مصطلحات وعبارات ذات مدلول سلبي أو إيجابي بهدف إيصال رسائل خفية غير مباشرة من شأنها أن تسهم في هندسة مواقف القراء عبر تأثير تراكمي يضمنه مرور الوقت، وهو ما تبرع به الصحافة الغربية عادةً. لكن خلال تغطية الانتخابات التركية لم يكن الحال كذلك، حيث تفاجأ القراء والنقاد معاً بنبرة الصحافة الغربية التي خرجت عن سياسة الرسائل غير المباشرة، ربما لضيق الوقت ورغبةً منها بتحقيق نتائج سريعة، وتوجهت بخطاب قاس وهجوم شرس على الرئيس التركي بينما لم تدخر جهداً في الترويج لمنافسيه في المعارضة.

لماذا هذا الهجوم المسعور على الرئيس الحالي والنظام الانتخابي إذا كان الأتراك أنفسهم لم يبدوا أي اعتراض على آلية الانتخابات ونزاهتها؟ لماذا الصحافة الغربية معنية بشؤون الوضع الداخلي التركي أكثر من الأتراك أنفسهم؟

على سبيل المثال، عنونت صحيفة الإيكونيميست البريطانية مقالها الذي نشرته في الرابع من أيار/مايو 2023 بـ "هل يمكن الإطاحة بأردوغان في الانتخابات التركية المقبلة؟" واستخدمت عبارات تعكس تحيُّزاً كبيراً وانعداماً لأبسط معايير المهنية الصحفية، مثل "أنقذوا الديمقراطية" و"على أردوغان الرحيل" و"ستُصلح الحكومة الجديدة العلاقات المتصدعة مع الغرب". كما عنونت مجلة فورين بوليسي الأميركية مقالها الذي نشرته في الثالث من نفس الشهر بـ "انتخابات تركيا لن تكون عادلة ولا نزيهة لكن ما زال باستطاعة المعارضة الفوز"، والذي يُشكك وبشكل واضح في نزاهة الانتخابات رغم أن المعارضة نفسها لم تنتقد الانتخابات ونزاهتها، لأن القاصي والداني يعرف استحالة التزوير في ظل نظام انتخابي مُعقد يستحيل معه تزوير أصوات الناخبين. أما قناة الحرة فربطت فوز أردوغان بتراجع قيمة العملة وتدهور الاقتصاد إضافة إلى مخاوفها بشأن "مجتمع الميم".

إذن، لماذا هذا الهجوم المسعور على الرئيس الحالي والنظام الانتخابي إذا كان الأتراك أنفسهم لم يبدوا أي اعتراض على آلية الانتخابات ونزاهتها؟ لماذا الصحافة الغربية معنية بشؤون الوضع الداخلي التركي أكثر من الأتراك أنفسهم؟ في واقع الأمر، وحسب صحيفة ديلي صباح التركية، ما يعني الصحف الغربية هو مصالح الغرب فقط وهي غير معنية بمصالح الشعب التركي وما يختاره عبر صناديق الاقتراع، ولو كانت معنية بالديمقراطية بهذا القدر لماذا لم تنتقد الانتخابات في بلدان أُخرى مثل مصر التي بلغت نسبة الفوز في الانتخابات الرئاسية فيها 97%؟

لاحقاً، بعد ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات وظهور تقدم الرئيس التركي لها بالرغم من عدم حصوله على 50% + 1، بالإضافة لفوز تحالف الجمهور الذي يقوده أردوغان بأكثر من نصف مقاعد البرلمان تغيرت نبرة الصحافة الغربية بشكل كبير، وخصوصاً عندما بدت ملامح شبه أكيدة على فوز أردوغان بالجولة الثانية، وهنا كان لزاماً على الصحافة الغربية أن تقوم بتغيير جذري في خطابها، فقالت صحيفة الإيكونيميست (صاحبة الهجوم الأعنف قبل الجولة الأولى من الانتخابات) إن أردوغان هو الأوفر حظاً في الفوز، أما مجلة فورين بوليسي فعنونت مقالها بـ "تركيا هي الأمل الوحيد للاتحاد الأوروبي"، وقالت صحيفة التايمز قبل الجولة الأولى إن فوز الرئيس الحالي "قد يجلب الفوضى"، لكن بعد الجولة الأولى غيرت خطابها وانقلبت على مرشح المعارضة وقالت إنه قام بـ "استغلال أزمة السوريين في الانتخابات". أما مجلة نيوزويك الأميركية، وبعد أن وصفت أردوغان بـ "الدكتاتور المتفرد بالسلطة الذي يشبه بوتين في أسلوبه"، غيرت خطابها وقالت "يجب أن نتوقف عن وصف أردوغان بالدكتاتور، فالدكتاتوريون لا يذهبون إلى جولات الإعادة".

وكذلك نشرت مجلة ديرشبيغل الألمانية، قبل بدء الانتخابات، مقالاً حذرت فيه من فوضى قد تشهدها تركيا في حال خسر أردوغان الانتخابات، وأشارت إلى أنه قد لا يقبل الهزيمة، لكن المجلة غيرت من خطابها حيال أردوغان بعد ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، ونشرت مقالاً أشارت من خلاله إلى أن نتائج الانتخابات أظهرت أن أردوغان لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة، ولفتت المجلة إلى أن نحو 30% من الناخبين المؤيدين لأردوغان يقفون معه دون قيد أو شرط، كما أنهم يثقون به ويعتقدون أنه سيقود البلاد لمستقبل جيد. كما رصدت وكالة الأناضول إشادة صحف وقنوات غربية أخرى مثل سكاي نيوز والغارديان ولوفيغارو بالانتخابات التركية وركزت على أهمية تركيا ودورها الاستراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

قد يكون التفسير الوحيد لهذا التغيُر في نبرة الخطاب هو أن القائمين على الصحافة الغربية (ومن وراءهم) يُدركون جيداً أن لتركيا أهميةً كبيرة ووزناً سياسياً لا يمكن تجاهله ويجب التعايش معه

هذا التغيُر الكبير في الخطاب جعل الصحافة الغربية عرضة للانتقادات الشديدة وطرح الكثير من التساؤلات حول مصداقيتها التي أصبحت على المحك، حيث إن الهجوم غير المُبرر من قبل الصحافة الغربية والتدخل السافر في إرادة الشعب التركي عكسا انحيازاً كبيراً في التغطية الصحفية رافقه انعدام واضح لمعايير الصحافة التي ما لبثت أن غيرت خطابها بمجرد ظهور مؤشرات فوز أردوغان.

قد يكون التفسير الوحيد لهذا التغيُر في نبرة الخطاب هو أن القائمين على الصحافة الغربية (ومن وراءهم) يُدركون جيداً أن لتركيا أهميةً كبيرة ووزناً سياسياً لا يمكن تجاهله ويجب التعايش معه، وهذا ما أكدته صحيفة (POLITICO) في مقالها الذي عنونته بـ "على الغرب أن يتعلم كيف يعيش مع أردوغان". على صعيد الشرق الأوسط تُعتبر تركيا بوابة عبور لجميع مناطق الصراع وهي حاضرة في أي تسوية أو مبادرة تتعلق بالمنطقة، ناهيك عن دور تركيا المحوري كوسيط دولي في كثير من الأزمات الدولية ومنها وساطتها في إبرام صفقة الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، وهذا ما أكدته شبكة سي إن إن الأميركية في مقالها الذي يرى أن تركيا سيكون لها دور حاسم في كل الأزمات العالمية القادمة. كما أن الندية التي يتعامل بها أردوغان مع الغرب فرضت عليهم احترام رغبات ومصالح تركيا في كثير من الملفات كان آخرها ملف انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.

ختاماً، هل وعت الصحافة الغربية خطأها ورضخت للأمر الواقع، أم ستستمر في خلط الأوراق كلما سنحت لها الفرصة؟ هذه ما ستوضحه المناسبات القادمة.

جدول بأهم التغييرات في خطاب الصحافة التركية قبل وبعد الانتخابات:

الصحيفة

قبل الانتخابات

بعد الجولة الأولى من الانتخابات

الإيكونيميست

-هل يمكن الإطاحة بأردوغان في الانتخابات التركية المقبلة؟

-أنقذوا الديمقراطية

-على أردوغان الرحيل

-ستُصلح الحكومة الجديدة العلاقات المتصدعة مع الغرب"

أردوغان هو الأوفر حظاً في الفوز

فورين بوليسي

انتخابات تركيا لن تكون عادلة ولا نزيهة لكن ما زال باستطاعة المعارضة الفوز

تركيا هي الأمل الوحيد للاتحاد الأوروبي

التايمز

فوز أردوغان قد يجلب الفوضى

كليتشدار أوغلوا استغل أزمة السوريين من أجل الفوز

ديرشبيغل

تركيا عرضة للفوضى في حال فوز أردوغان

أردوغان لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة تثق به وتعتقد أنه سيقود البلاد لمستقبل جيد

ليكسبرس

-أردوغان دكتاتور مستبد

عنوان المقال: أردوغان - بوتين.. ميثاق الحكام المستبدين

الانتخابات قدمت للأتراك خياراً سياسياً حقيقياً

نيوزويك

أردوغان دكتاتور متفرد بالسلطة يشبه بوتين في أسلوبه

يجب أن نتوقف عن وصف أردوغان بالدكتاتور، فالدكتاتوريون لا يذهبون إلى جولات الإعادة

لوفيغارو

أردوغان سيستخدم الفوضى لترويع الناخبين

الانتخابات التركية حظيت بنسبة مشاركة تاريخية

بلومبيرغ

 أردوغان يواجه ناخبين غاضبين من سنوات الفوضى الاقتصادية

الناخبون في طريقهم لإعادة انتخاب أردوغان من جديد

سي ان ان

انسحاب إنجة يعزز حظوظ كليتشدار أوغلو في هزيمة أردوغان

أردوغان ربح الانتخابات وسيكون لتركيا دور حاسم في كل الأزمات العالمية القادمة