icon
التغطية الحية

ناشونال إنترست: حان الوقت للاستعداد لتفكك روسيا

2022.06.28 | 12:07 دمشق

جنود شيشانيون - المصدر: ناشيونال إنترست
جنود شيشانيون - المصدر: ناشيونال إنترست
ناشيونال إنترست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محقاً عندما فكر بأن ثورة ذات لون واحد، بوسعها أن تطيح بالهيكل السياسي لنظام الحكم شبه الاستبدادي في روسيا، قد بدأت بالتقدم الحتمي نحو موسكو. إلا أن البرنامج الاجتماعي المتحفظ الذي تقدم به بوتين منذ مدة قريبة قد يوقف تلك الثورة، أو أن مغامرته غير المحسوبة في أوكرانيا قد تسرع من حالة التعبئة ضد نزعته الانتقامية.

إلا أن سعي بوتين الحثيث لتشكيل خارطة روسيا وجغرافيتها قبل أن يغلق نظام الحكم الليبرالي نافذة الفرص للأبد يعتبر تصرفاً عقلانياً، بيد أن المؤكد هو أن الدستور الليبرالي في موسكو سيؤدي إلى انفصال المزيد من الأراضي التي توجد فيها أقليات روسية.

لذلك يجب أن يفكر المخططون الاستراتيجيون الغربيون بكل وضوح بشكل التنظيم الجيوسياسي الذي يفضلونه بالنسبة لأوراسيا قبل أن تبدأ روسيا بالتفكك تلقائياً، لا في أثناء تفككها.

كان لانفصال الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961 بعد الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا، وتوحيد فيتنام في عام 1957، وتوحيد ألمانيا في 1871 و 1990، تبعات استراتيجية إقليمية. وقد كان الاتحاد السوفييتي يضم 15% من مساحة العالم قبل تفككه، ما أدى إلى ظهور 15 دولة جديدة وسلسلة من التغيرات الجيوسياسية على مستوى تلك القارة. فحالة الوحدة في القوقاز تحولت إلى ساحة حرب بين المصالح الروسية والتركية والإيرانية والغربية.

وفي آسيا الوسطى تداخلت مناطق النفوذ بين روسيا والصين، ثم أصبحت عرضة للتهديد من قبل الموجة التكفيرية ومقاتليها.

كما بقيت النزعة الوحدوية الروسية مشكلة في دول البلطيق، سواء في أوكرانيا ومولدوفا في أوروبا، أو في كازاخستان في آسيا الوسطى. وبالمقابل، سيطرت روسيا على 11% من أراضي العالم، معظمها ضمن أراضي أوراسيا الشمالية الواسعة التي يرجح البعض تحولها إلى أراض خصبة بعد التغير المناخي الذي أصاب العالم، كما تشترك روسيا بالحدود مع دولة أوراسية صاعدة، ألا وهي الصين الشيوعية.

مناطق عصية على الانفصال

تعتبر روسيا أكثر تجانساً من الاتحاد السوفييتي على مستوى العرق واللغة، بوجود 78% من سكانها ينتمون إلى العرق الروسي، ولذلك من غير المرجح أن يتحول تفككها إلى كارثة كما حدث مع الاتحاد السوفييتي، إذ بالرغم من أن الشعوب ذات الأصول التركية تمثل 9% من سكان روسيا (وهم بالأصل من التتار 4%، والباكشير 1%، والشوفاش 1%، وتأتي بعدها أقليات أقل عدداً)، إلا أن تنوعهم من حيث اللغة والدين يجعل من أمر الانفصال أمراً مستبعداً.

كما أن الشعوب التركية تستقر في جنوبي جبال الأورال داخل الجزء الأوروبي من روسيا، ضمن منطقة جانبية يمكن عزلها بسهولة، بينما تتألف القوقاز من تجمعات متماسكة جغرافياً، وتضم 1.5 مليون نسمة من الشيشان، ونحو مليون من الآفار والموردفين، وأربعة تجمعات أخرى لا يتعدى تعداد سكانها النصف مليون.

ولذلك لن يقف أحد ضد أي استفتاء شعبي من أجل الاستقلال في موسكو الليبرالية الجديدة، إلا أن النسبة الكبيرة من السكان الأذريين في داغستان ستتسبب وبسرعة في قيام صراع عرقي لابد أن يتوسع هناك وفي كل منطقة مستقلة مجاورة. وتلك التطورات قد تؤدي إلى ظهور انتهاكات وتجاوزات من قبل تركيا وإيران.

تهديد من قبل الصين

أما في الشرق الأقصى، فالأغلبية الروسية الراجحة تكفي لقضاء على أي دافع للاستقلال، إذ تنقسم منطقة ساخا (وتمثل 2% من المساحة الإجمالية للأراضي في العالم)، بالتساوي بين مليون نسمة من المواطنين الروس والياكوت، وتتميز منطقة بوريات بالتوزع السكاني ذاته. كما لا يتعرض أي مجتمع ضمن هاتين المنطقتين لأي تحريض عرقي إزاء العرقية الروسية، ويعود ذلك لحالة الاندماج التي تسود فيهما. إلا أن التحولات الثورية للحكومة، حتى إن لم تصاحبها انتفاضات، يمكن أن تشل وبشكل كبير أي آثار قد تظهر بالنسبة لوحدة الدولة وأمنها.

إذ أدى الانقلاب الذي شنته لجنة أمن الدولة في آب 1991 ضد رئيس الاتحاد السوفييتي وقتها، ميخائيل غورباتشوف، إلى حالة تدهور ومن ثم إلى انهيار الاتحاد السوفييتي بشكل لم يتوقعه أحد. لذا إن قامت ثورة مظلة في موسكو جعلت من روسيا دولة غير حازمة على المستوى السياسي، كما كان الاتحاد السوفييتي عند خروجه من حلف وارسو، عندها قد تصبح الأراضي الروسية القصية غير منيعة، ومن المؤكد أن تقوم الشيشان بإعلان استقلالها على الفور في ظل تلك الظروف، كما سبق لها أن فعلت في عام 1991.

تتسم المناطق الروسية الواقعة في أقصى الشرق بكثافة سكانية ضعيفة، إذ لا يعيش في شرقي إيركوتسك سوى ستة ملايين من البشر، أي أن تعدادهم قل بنسبة 25% عما كان عليه في عام 2000. كما أن لدى الصين دافعا تاريخيا مهما، وآخر يتصل بالموارد، قد يدفعها لاستعادة الأراضي الواقعة شمالي نهري آمور وأوسوري، والتي تنازلت عنها إمبراطورية مانشو لروسيا في عام 1860. أي أن ضعف روسيا في أقصى الشرق قد يتسبب بظهور سلسلة من التدخلات الصينية في منغوليا، وكذلك في منطقتي بوريات وساخا.

ثمة سابقة للغرب بالتدخل في سيبيريا، إذ في آب عام 1918، هبط الجنود الأميركيون واليابانيون والبريطانيون والهنود والكنديون والأستراليون والصينيون في فلاديفوستوك، وبعضهم تقدم إلى إيركوتسك عبر سكة حديد تربط كل أجزاء سيبيريا ببعضها، وذلك لوقف المد الياباني هناك. إلا أنه من الصعب قيام تدخل في عصرنا هذا من جهة البحر، وذلك نظراً لقرب المجال الجوي الحصين للصين، ولكن هنالك موانئ بدائية يمكن الاقتراب منها تحت غطاء القواعد الجوية اليابانية في جزيرة هوكايدو. فإلى جانب ساحل بريمورسكي كراي، تشمل تلك المناطق رودنايا وسفيتلايا، وخاباروفسك كراي، ودي كاستري، وفانينو، ونيكولايفيكس ضمن إقليم آمور. وإن سقط إقليم آمور في أي غزو صيني، يمكن لروسيا أن تحتفظ بمقاومة في ياكوتسك من خلال الخطوط الحديدية التي تربطها بإيركوتسك. كما يمكن للقوات الغربية أيضاً أن تسيطر على جزيرة ساخالين، أو على مناطق في ماجادان على بحر أوخوتسك.

ثورات "مدعومة أميركياً"

حدث الانهيار المفاجئ للأنظمة المتسلطة المستبدة في أوراسيا بشكل منتظم ودقيق للغاية منذ الفترة التي سبقت سقوط جدار برلين في تشرين الثاني 1989. أما الأثر المتراكم للتظاهر فقد تأثر بالانتفاضات المناهضة للاستبداد في عدد كبير من الدول منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي.

وأهم العناصر في تلك الوصفة التغير عبر الأجيال وانتشار الوعي بأن الحكم الفاسد هو السبب الرئيس للركود الاقتصادي. أي أن خوف بوتين من التعبئة السياسية للرفاق الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-30 عاماً هو ما منعه من تجنيدهم من أجل الحرب في أوكرانيا، ولاسيما هؤلاء الذين يمثلون غالبية الجيش الذي يمكن أن ينقلب ضد السيلوفيك. أما بكين، فتعتقد، مثلها مثل موسكو، بأن "الثورات ذات اللون الواحد" المنادية بالحرية والديمقراطية، ما هي إلا أداة لمد نفوذ السيطرة الأميركية.

ولو انتبه الغرب للانهيار الوشيك للاتحاد السوفييتي، لتمنى أن ينهار بطريقة يمكن إدارتها بشكل أكبر. فقد أذعن الغرب للقمع السوفييتي للحركات الاستقلالية في البلطيق في عام 1990 (مقابل دعمه في حربه ضد صدام حسين)، لكنه دعم الاستقلال عقب سقوط الاتحاد السوفييتي. ولكن كان بالإمكان إجراء استفتاء شعبي في القرم وأجزاء من أوكرانيا لتجنب الغزو الروسي الحالي عليها، كما كان من الممكن إبقاء أرمينيا ضمن اتحاد كونفدرالي مع روسيا، نظراً للتحديات الأمنية الشديدة التي باتت تتعرض لها، وكذلك الأمر بالنسبة لحكم الكثير من الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي في آسيا الوسطى.

بالنسبة للتوسع الصيني ضمن تلك المناطق، وإلى أن يتحول إلى تهديد أمني بالنسبة للنظام العالمي، يمكن للغرب أن يستفيد من ذلك التوسع لمنع المزيد من التفكك الذي يعتري الأراضي الروسية. وبالنسبة لحق تقرير المصير والتضامن الديني، يمكن أن تتشجع دول القوقاز بعد استقلالها على الدخول في اتحاد كوفيدرالي على طريقة يوغوسلافيا، بدلاً من أن تتقسم إلى دويلات أصغر على الفور بسبب النزاع العرقي. وعندها يصبح من صالح الدول الديمقراطية أن تضمن عدم خضوع أقصى الشرق في روسيا للسيطرة الصينية، إلى أن تحرر الصين نفسها على أقل تقدير.

المصدر: ناشيونال إنترست